عيد العمال هو احد الأجازات الرسمية التي يتم الاحتفال بها في جميع أنحاء العالم تقريباً، وذلك تقديراً لدور العمال في تحريك اقتصاد الدول والنهوض به خاصة في الدول الصناعية، فالصناعة أصبحت أحد أهم الدعائم الاقتصادية بل وأكثر المجالات تأثراً بأي ركود أو أزمة اقتصادية، لكن بما أن أغلب مالكي رؤوس الأموال لا يهتمون بشيء سوى تضخيم ثرواتهم، كان لابد أن يناضل العمال من اجل انتزاع حقوقهم والحصول عليها، لهذا لم يكن عيد العمال منحة أو هبة من الحكومات والدول بل كان نتيجة نزاعات امتدت لسنوات طويلة قبل أن يُصبح أجازة رسمية معترف بها، إذا أردت أن تعرف أكثر عن عيد العمال وتاريخه فتابع المقال التالي.
لماذا يعتبر عيد العمال أجازة رسمية وما تاريخه؟
بدايات عيد العمال
أول حركة ثورية ظهرت بين طبقة العمال في العالم كانت في منتصف القرن التاسع عشر باستراليا وتحديداً في 21 إبريل عام 1856م، واستمرت الإضرابات تنتقل من مدينة لأخرى حتى شاعت الفكرة وانتشرت في أنحاء العالم، إلى أن وصلت لولاية تورونتو الكندية، ومنها إلى أمريكا على يد زعيم العمال بيتر ماكجواير عام 1882م، بعد أن حضر احتفال العاملين بعيدهم في تورونتو وأعجبته الفكرة فعاد إلى أمريكا ونظم احتفالاً للعمال في الخامس من سبتمبر 1882م، ليكون بذلك أول احتفال من نوعه في أمريكا.
لماذا الأول من مايو تحديداً؟
- يُعرف الأول من مايو في أمريكا بذكرى “هيماركت”، فقد شهد هذا اليوم شرارة الثورة العمالية الأكبر في التاريخ على أصحاب المصانع ورؤوس الأموال عموماً لتحديد ساعات العمل وتقليلها إلى ثمانية ساعات فقط، بدأت الشرارة الأولى في مدينة شيكاجو الأمريكية ثم انطلقت منها إلى تورونتو الكندية واشترك فيها ما يقرب من 400 ألف عامل، ما أدى لشل الحركة الاقتصادية بشكل كامل.
- انزعج أصحاب الأعمال من هذه الحركة الثورية بشكل كبير خاصة أنها أثرت بشكل مباشر على أرباحهم وأرادوا فض الاعتصام بأي طريقة، فحدثت مناوشات شديدة بين أفراد الشرطة والمتظاهرين ما أدى لمقتل بعض منهم على يد أفراد الأمن!
- تطور الأمر بعد ذلك حين أُلقيت قنبلة مجهولة المصدر في وسط التجمعات الحاشدة، ما أسفر عن مقتل 11 شخص منهم 7 عناصر من رجال الشرطة، وعلى إثر ذلك تم القبض على مجموعة من قيادات العمال ومحاكمتهم بتهمة القتل بناء على اتجاهاتهم السياسية لا أكثر، وانتهى الأمر بالحكم على 4 منهم بالإعدام والباقين بالحبس فترات مختلفة.
- لم تمر هذه الحادثة بهدوء أو تقف عند حدود أمريكا خاصة بعد اكتشاف الحقيقة وراء الحادث، واعتراف أحد أفراد الشرطة أنهم من دبروه، لهذا تأثر العمال حول العالم بما حدث ودعوا إلى إحياء ذكراها في العديد من المؤتمرات اللاحقة منها مؤتمر الأممية الاشتراكية الأول في باريس عام 1889م، ومرة أخرى تجددت نفس المطالب في العام التالي حتى اعترفت الأممية الاشتراكية بعيد العمال كحدث سنوي، لكن لم يُعتبر أجازة رسمية بعد.
عيد العمال كأجازة رسمية
- بدأ الأمر عندما دعت الأممية الاشتراكية عام 1904 من خلال مؤتمرها الذي أُقيم بأمستردام جميع عمال العالم للامتناع عن العمل في الأول من مايو، والمطالبة به كأجازة رسمية، وبالفعل اعترف به عدد من الدول كما باركته الكنيسة الكاثوليكية عام 1955، لكن لم تعترف به أمريكا في هذا اليوم واستمرت على الاحتفال بعيد العمال في أول اثنين من شهر سبتمبر كما اعتادت.
تغيير عيد العمال في أمريكا
- استمرت المطالبات والمظاهرات الحاشدة بالأول من مايو في كل عام، وقادها الاشتراكيون والشيوعيون والفوضويون الأمريكيون في شوارع نيويورك وشيكاجو وسياتل وغيرها من المدن حتى رضخ الكونجرس الأمريكي لمطالبهم واعترف بالأول من مايو كأجازة رسمية لعيد العمال عام 1958م، وتم اعتباره وفاءً لذكرى هيماركت، كما اتخذه الأمريكيون يوماً للتظاهر والاحتجاج على ما لا يُعجبهم من أفعال الحكومة منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وأحياناً تُلقى فيه الخطابات السياسية لمرشحي الانتخابات وما إلى ذلك رغم أن الاحتفالات والمؤتمرات تُنظم من قبل نقابات العمال لا الأحزاب السياسية.
- اللافت في الأمر أن أمريكا أصبحت أكثر الدول التزاماً به منذ ذلك الحين ويُعتبر احتفالاً بقدوم الصيف فيخرج فيه العاملون للتنزه والذهاب للشواطئ أو قضائه في المنتزهات العامة وإعداد حفلات الشواء والألعاب المائية وغيرها.
عيد العمال في الوطن العربي
أغلب بلدان الوطن العربي تحتفل بعيد العمال وتعتبره عطلة رسمية ماعدا قلة قليلة مثل السودان والسعودية وعُمان، لا تعترف به في الأول من مايو ولا في أي يوم آخر.
♦ في النهاية، يبقى عيد العمال يوماً يُخلد النضال من أجل الحرية والحقوق الاجتماعية والمساواة، فلولا إصرار العمال على اكتساب حقوقهم والحصول على معاملة آدمية من أصحاب الشركات والمصانع لبقي النظام القديم الأشبه بالسخرة منه إلى العمل قائماً حتى اليوم، لذلك لابد من تخليد ذكرى “هيماركت” ومن راحوا ضحيتها وخسروا حياتهم كي يُصبح العالم مكاناً أفضل.