تغريد الطيور هو من مهاراتها المكتسبة، أي أن أفراخ الطيور لا تخرج للحياة لديها القدرة على التغريد، إنما الفرخ يكتسب هذه المهارة مع الوقت ويتعلمها من خلال أبويه، وتعد تغريدات الطيور من أعذب الأصوات وأطربها بالنسبة للإنسان، فلا شيء في الحياة أفضل من الاستيقاظ على صوت زقزقات العصافير و تغريد الطيور المختلفة، لكن ما من شيء خلقه الله -عز وجل- إلا وكان له سبب وأهمية، ولذا توقف العلماء كثيراً عند تغريد الطيور ،وأقاموا حوله الدراسات للتوصل إلى هذا السبب والتعرف على تلك الأهميته.
تغريد الطيور وتفسيره العلمي :
تغريد الطيور من الأصوات المحببة إلى البشر التي تطربهم وتشجي نفوسهم، لكن إن كان ذلك ما يعنيه تغريد الطيور لنا فما الذي يعنيه بالنسبة للطيور؟، وما السبب الذي يدفع الطيور على اختلاف أنواعها تلجأ إلى التغريد، طرح العلماء ذلك السؤال على أنفسهم ومن ثم عمدوا إلى مراقبة الطيور، فتوصلوا إلى أن تغريد الطيور ليس مجرد غناء رقيق، إنما هو وسيلة صوتية تستخدمها أسراب الطيور للتواصل فيما بينها، ويمتاز تغريد الطيور بكونه وسيلة اتصال صوتية غير لفظية، أي أن هذه التغريدات لا تشكل ألفاظاً تكون منها جملاً كما هو الحال مع اللغات الإنسانية، إنما هذه الأصوات يتم التعبير بها عن المواقف من خلال اختلاف شدتها وعلوها وطولها.
استخدامات تغريد الطيور :
لاحظ العلماء أن الموجات الصوتية لـ تغريد الطيور لا تتسم بالثبات، فرغم أن جيمع التغريدات تتراوح ما بين 10: 12 ثانية وتتكرر، إلا أن نبرة الصوت وشدته دائمة الاختلاف، وأرجع العلماء سبب ذلك إلى اختلاف المواقف التي يلجأ فيها الطائر إلى التغريد:
الإنذار :
يكون تغريد الطيور حاداً وبأصوات مرتفعة إذا كان بغرض الإنذار، حيث لوحظ أن الطيور تعلن عن سيادتها على محيط معين بإطلاقها لمثل هذه التغريدات، وبذلك يصبح ذلك النطاق خاضع لسيطرة مجموعة معينة من الطيور، ويحظر على أنواع الطيور الأخرى الدخول إليه.
الخطوبة :
نظام التزاوج في عالم الحيوان والطير ليس بالعشوائية التي يتصورها بعض البشر، بل أنه تقاليد ثابتة وأسس يتم وفقاً لها، ولعل خير دليل على ذلك تغريدات الطيور التي تطلق احتفالاً بخطوبة فردين من السرب، فبعض أجناس الطيور تجعل من غناء الذكر والأنثى قبل التزاوج طقساً ملزماً، وتكون تغريدات الطيور في هذه الحالة متناغمة كما هو الحال بأغنيات “الديو”، ويؤكد العلماء أن هذه التغريدات تعزز علاقة الطرفين، وتعد بمثابة إعلان أن كل منهما لم يعد متاحاً للتزاوج بالنسبة للطيور الأخرى.
التحذير والتهديد :
تغريد الطيور يمكن أن تستخدم كبديل لأبواق الحروب التي كان يستخدمها البشر، حيث أن الطيور يطلقون تغريدات معينة عن استشعارهم بالخطر، أو عند تعرضهم لتهديد من قبل أحد الجوارح، وذلك يكون بهدف تحذير باقية أعضاء السرب.. في المقابل هناك نوع آخر من تغريد الطيور يتشابه مع السابق في الحِدة والارتفاع، وهو يستخدم من قبل أسراب الطيور المعتدية، بهدف إرهاب فريسته وتشتيت انتباهها لتسهل مهمته في الانقضاض عليها.
الفرحة :
تغريد الطيور كغناء البشر إحدى الوسائل التعبيرية التي تُظهِر مشاعر الفرحة، كان هذا تفسير عدد مراقبي الطيور لبعض نغمات التغريد، إلا أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى دلالات جازمة على ذلك، إلا أن هذه النظرية كانت بداية سلسلة من الأبحاث حول عواطف الطيور، وهو الأمر الذي أحدث جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية، خاصة وأن دراسة السلوكيات النفسية ومشاعر الحيوانات لا تزال من الأمور المستحدثة.
التواصل العام :
تغريد الطيور هو أساساً أحد أنواع لغة اتصال الحيوان، ومن ثم فإن الاستخدام الرئيسي لها هو إتاحة إمكانية التواصل بين أفراد السرب، فـ تغريد الطيور يستخدم لاستدعاء أفراد السرب من قبل القائد وتوجيههم، كما يكثر استخدامه في رحلات البحث عن الغذاء للإشارة إليه.. ويُرجع العلماء علو صوت تغريد الطيور في الساعات الأولى من الفجر، إلى صعوبة الرؤية في ذلك التوقيت بسبب عدم الإشراق التام للشمس، ومن ثم يصير تغريد الطيور هو السبيل الوحيد لتعرفهم على مواقع بعضهم البعض.