بصر الطيور هو أقوى الأبصار بين كافة أنواع المخلوقات الحية فوق سطح الأرض، بل أن قوة بصر بعض أنواع الطيور تفوق قدرة الإنسانة بثمانية أضعاف، والله -عز وجل- لا يخلق إلا بتقدير ولا يمنح إلا لحكمة، ويتجلى ذلك في بصر الطيور الحاد والقوي والذي ييسر عليها سبل عيشها، بل أن الخواص الإبصارية للطيور تختلف باختلاف أنواعها، وتتكيف مع البيئة التي تحيا فيها لتسهل عليها عملية بلوغ رزقها.. فترى ما هي تلك الخواص وكيف تستغلها الطيور؟
بصر الطيور هو الأقوى :
قدرة بصر الطيور الخارقة للعادة دفعت البعض قديماً للاعتقاد بأن عيونها لها تركيب خاص، إلا أن التقدم العلمي أثبت خطأ ذلك الاعتقاد وكذبه، إذ أن التركيب العام لعين الطائر لا يختلف في مجمله عن عيون كامل الكائنات الفقارية الأخرى، إلا أنها مدعمة بمجموعة من الخصائص التي تتفرد بها والتي تمنحها هذه القدرة الفائقة، بل أن تلك الخصائص تتفاوت وتختلف بحسب طبيعة الطائر ونوعه وأمثلة على ذلك :
قوة بصر الطيور الجارحة :
الصقر يضرب به المثل في حِدة البصر والقدرة على رؤية الأجسام البعيدة بوضوح، ولكن في الحقيقة أن هذه السمة لا تميز الصقور وحدها، إنما الطيور الجارحة على إطلاقها تتمتع بنظر حاد ورؤية ثاقبة، وهذا يسهل عليها سُبل عيشها، إذ أن هذه الأنواع من الطيور تعتمد على الفرائس كمصدر رئيسي للغذاء، وهذا النظر الحاد يتيح لها فرصة رؤية فرائسها صغيرة الحجم على الأرض، بينما تكون هي مُحلقة على ارتفاعات شاهقة، أما عن سر قوة بصر الطيور الجارحة وهذه القدرة الفائقة، فهي تأتي مستندة إلى عِدة عوامل منها :
حجم العين : أول العوامل الداعمة لـ بصر الطيور الجارحة والخالقة لقوته، هو حجم العين والذي يعد أكبر 1.4 مرة من باقية الطيور من نفس الوزن، وهو ما ينتج صورة أكبر على شبكيتها تمكنها من رؤية أبعد الأجسام، وهذا بالطبع دون الإخلال بقدرتها على تقدير المسافات.
المستقبلات الضوئية : تمتلك الطيور الجارحة كم هائل من المستقبلات الضوئية بكل مليمتر من شبكية عينها، وهو ما يزيد من قوة بصر الطيور من الأنواع الجارحة، ويجعل بصرها هو الأقوى بين مختلف أنواع الطير بل وسائر المخلوقات بصفة عامة.
المخاريط : هي أحد مكونات العين التي تتركز في مركز شبكية أعين الكائنات الحية، ووظيفتها الأساسية هي دعم وضوح الرؤية لديه وإكسابه القدرة على إدراك الألوان، وهي تتوفر لدى الطيور بكميات تعادل أضعاف ما هو متوفر لدى الحيوانات الأخرى، ويكفي القول بأن بصر طيور الغاسوق الأمريكية تحتوي شبكيتها على 65 ألف مخروط لكل مليمتر، بينما العين البشرية لا يزيد احتواء المليمتر الواحد على أكثر من 38 ألف مخروط.
الرؤية المجهرية : يمكن وصف بصر الطيور الجارحة بأنه بصر مجهري مُعظم للأجسام، وهذا بفضل ازدواج النقرة المركزية بتركيب عيونها، ومثال على ذلك نجد أن الصقور لديها القدرة على رؤية الحشرات بحجم 2 ملم بوضوح، حتى وإن كانت مُحلقة على ارتفاع حوالي 18 متراً.
الريش : الريش أيضاً من العوامل المساهمة في تخليق قوة بصر الطيور الجارحة، إذ أن هذه الطيور تمتلك ريش صغير بارز يخيط بعيونها، وهو يساعد على الحد من توهج الضوء الذي قد يعيق وضوح الرؤية لديها.
رغم ما ذكر عن القدرات الإبصارية الخارقة للطيور الجارحة إلا أنها لا تخلو من نقطة ضعف، تتمثل في عدم قدرتها على استغلال هذه المميزات إلا في وضح النهار، وهو ما يدفع النسبة الغالبة من هذه الطيور إلى النشاط النهاري والاختفاء خلال ساعات الليل.
قوة بصر الطيور المائية :
بصر الطيور بصفة عامة يمتاز بالقوة والحِدة والدقة، لكن هذا لا يعني أن كافة الطيور تتشابه في تركيب العين وخواصها، إنما كل نوع من أنواع الطيور حباه الله بالخصائص التي تيسر عليه سبل عيشه، وخير برهان ودليل على ذلك خصائص بصر الطيور المائية، والتي يقصد بها الطيور التي تعيش على ضفاف الأنهار والمحيطات، أو تلك التي تعتمد في غدائها على اصطياد الأسماك، ومن الخصائص الخالقة لـ قوة بصر الطيور المائية ما يلي :
المخاريط : شبكية عين بعض الطيور المائية تحتوي على أعداد هائلة من المخاريط، وهو ما يساهم في تقوية تباين الرؤية لدى هذه الأجناس، ويضاعف قدرتها على رؤية الأجسام التي تبعد عنها مسافات طويلة، ووجد العلماء أن بصر الطيور المائية هذه يؤهلها للنظر عبر سطح الماء، أي أنها يكون بمقدورها التمييز ببصرها بين المياه الضحلة والأسماك السابحة بقرب سطح الماء، وبعض الأبحاث الأولية تشير إلى أن بصر الطيور المائية يمكنها من رؤية عوالق النبتات أسفل سطح الماء. ومن أمثله هذه الطيور المتميزة بهذه القدرات البصرية طيور النورس وكذلك طائر خطاف البحر.
تصحيح الانكسار : بصر الطيور المائية يتميز بخاصية غاية في التفرد وهي قدرته على تصحيح الانكسار، وخاصة بالنسبة للطيور المائية التي تختطف الأسماك خلسة من فوق الماء، فهي تكون قادرة على إجراء التصحيحات الانكسارية للبصر، وذلك كي تتمكن من رؤية هدفها بوضوح وتتمكن من تقدير المسافات بدقة، وتشير الدراسات التي أجريت في هذا الصدد أن فرصة نجاح الطائر في اصطياد فريستها، تكون في أعلى معدلاتها حين يكون نظر الطائر متخذ زاوية حادة، ومن أمثلة الطيور التي تعالج العيوب الانكسارية تلقائياً عند الافتراس طائر البلشون.
الرؤية تحت الماء : بصر الطيور المائية أو بعضها على وجه الدقة، يتميز بالحدة والقوة فوق الماء وكذلك أسفلها، وذلك بالنسبة للطيور التي تغوص برؤوسها داخل الماء لتتمكن من اصطياد فرائسها، وذلك بفضل العدسة المرنة التي تدعم بصر الطيور من هذا النوع، والمعززة بغشاء يسمح لها بالرؤية بوضوح أسفل سطح الماء.
رؤية مائية أقوى : بعض أنواع الطيور يكون بصرها أسفل الماء أقوى كثيراً منه في الهواء، ومثال على ذلك طائر البطريق الذي يعتقد العلماء بأنه قصير النظر، إلا أن بصر الطيور هذه عندما تنغمر في الماء يزداد قوة وحِدة، وذلك بفضل ما يمتاز به البطريق من قرنية مسطحة وقوية قادرة على التكيف مع السباحة تحت الماء، بجانب أن جزء من عدسة العين لديه ينتفخ بشكل ملحوظ عندما يُغمر بالماء.
قوة بصر الطيور الليلية :
حاسة النظر بشكل عام لدى مختلف الكائنات الحية تعتمد بشكل أساسي على توفر مصدر للضوء، ويتوقف مدى وضوح الرؤية على قدر ما يتوفر من الإشعاعات الضوئية، لكن الأمر ليس كذلك دائماً بالنسبة لـ بصر الطيور ،فصحيح أنه يتأثر بالظلمة إلا أنه في أسوأ حالاته يكون أقوى من بصر الكائنات الأخرى في أفضل حالاتها، ومن خصائص بصر الطيور التي تنشط خلال فترات الليل ما يلي :
رؤية مجهرية : ذكرنا سلفاً أن بصر الطيور الجارحة يتمتع بميزة الرؤية المجهرية، وأنه يتيح لهذه الطيور رؤية أصغر الأجسام من على ارتفاعات عالية، لكن بالنسبة للطيور التي تنشط خلال الليل فتزيد هذه القدرة لديها بحوالي 50% عن الجوارح النهارية، وذلك لتتغلب على صعوبات الرؤية في ظل الإضاءات الضعيفة.
حجم العين : عامل آخر يؤثر في قوة بصر الطيور التي تمتاز بالنشاط الليلي، فنجد أن طائر البومة على سبيل المثال حجم العين لديها أكبر بـ2.2 مرة من الطيور ذات نفس الوزن، وهو ما يتيح لها رؤية أفضل رغم الظلمة أو ضعف الإضاءة.
حساسية الضوء : كل مليمتر مربع من شبكية عين البومة يضم حوالي 55 ألف من القضبان الحساسة للضوء، وهو ما يساهم في اتضاح الرؤية لديها في ظل الأضواء شديدة الخفوت.