مازال العلم الحديث يُحاول جاهداً التوصل لفك شفرات العقل البشري، لكن دون جدوى، كيف لهذه الخلايا الصغيرة أن تعمل بمثل هذه الدقة والنظام دون أي خطأ أو تقصير، فحتى أقوى وأحدث الحواسيب الآلية لا تقوى على منافسة هذه المجموعة الصغيرة من الخلايا حتى لو بدت ظاهرياً أنها أقوى، لكن رغم قوتها ودقتها، تبقى الأمراض العقلية هي الأصعب، فنادراً ما يشفى المريض العقلي ويعود لطبيعته مرة أخرى، من أمثلة هذه الأمراض “الفصام” وهو ما سنتناوله اليوم، هذا المرض الذي يتسبب في فصل الإنسان عن واقعه تماماً، كيف يحدث وما هي أسبابه؟ وهل له علاج أم لا؟
لماذا يؤدي مرض الفصام لانفصال المريض عن الواقع؟
ما هو مرض الفصام
يظن أغلب الناس أن الفصام أو الشيزوفرنيا هو مرض تعدد الشخصيات، وذلك لما روجته وسائل الإعلام والسينما خلال العقود الماضية، لكن هذا الفهم خاطئ تماماً، فالفصام هو اضطراب في طريقة تفكير الشخص المصاب، يبدأ تدريجياً في فقدان القدرة على التعبير عن مشاعره والتواصل مع الآخرين والتفاعل معهم، كما تتبدل نظرته للواقع والمجتمع من حوله، وقد يصل الأمر للإصابة بنوبات هلوسة وتخيل أشخاص وأشياء ليست واقعية والتعايش معها كما لو كانت حقيقية، يُعتبر هذا المرض أصعب الأمراض النفسية وأسرعها تدهوراً كما أنه مرض مزمن لم يتمكن العلماء من اكتشاف دواء نهائي له حتى الآن.
أنواع الفصام
كما ذكرنا سابقاً، هذا المرض معقد جداً، فغالباً ما يفقد المريض قدرته على التمييز بين الأشياء الواقعية والخيالية كما تصدر عنه عدة أفعال غريبة ومريبة في كثير من الأحيان كما لو أنه تحول لشخص آخر، لذلك يخلط أغلب الناس بينه وبين مرض الشخصية التعددية، قام أطباء النفس بتقسيمه لعدة أنواع مختلفة حسب الأعراض التي تظهر على المريض كما يلي:
-
فصام الملاحقة (Paranoid schizophrenia)
هذا النوع من الفصام غالباً ما يكون المريض طبيعي في طريقة تفكيره وحديثه، لكن تُسيطر عليه الكثير من الأوهام والأفكار أن هناك من يلاحقه ويرغب في إيذائه.
-
فصام مشوش (Disorganized schizophrenia)
يتميز بكون المريض دائم الارتباك، غير قادر على التواصل بشكل مناسب مع من حوله وتظهر ردود فعله جامدة وكأنه بلا مشاعر، كما تبدو أفعاله طفولية غالباً، وتصدر عنه أفعال غير لائقة ومفاجئة، كما يصعب عليهم القيام بأبسط الأنشطة اليومية دون مساعدة كتناول الطعام أو الاستحمام.
-
فصام تخشبي (Catatonic schizophrenia)
الفصام التخشبي أو الجمودي يتميز بكون المريض قليل الحركة ونادراً ما يستجيب لأي مؤثر خارجي، حتى أن جسد المريض قد يتصلب في بعض الأحيان ولا تصدر عنه أي حركة نهائياً، يميل مُصابي هذا النوع غالباً لإيذاء أنفسهم والبقاء في أوضاع جسدية غريبة وتكرار بعض الكلمات أو الحركات التي تُقال أمامهم، كما يمتنعون عن تناول الطعام ما يؤدي لإصابتهم بإعياء شديد.
-
فصام غير محدد (Undifferentiated schizophrenia)
هذا النوع يضم مرضى الفصام الذين يُعانون من أعراض غير محددة ولا تنتمي لأي فئة من الفئات السابقة.
-
فصام باقي (Residual Schizophrenia)
يمكن وصفه بأنه بواقي المرض أو الأعراض، فبعض أعراض الفصام يُمكن السيطرة عليها بالأدوية كالهلوسة والأوهام، والبعض الآخر يُلازم المريض طوال حياته حتى لو خفت حدتها.
أعراض الفصام
رغم أن كل نوع من الفصام له أعراض خاصة به وتميزه عن غيره، لكن يُمكن تقسيم الأعراض بشكل عام إلى ثلاث مجموعات أساسية كما يلي:
-
أعراض الإيجابية
إيجابية هنا لا تعني أنها أعراض جيدة، لكن تُشير إلى ظهورها بشكل واضح ويُمكن ملاحظتها على المريض بسهولة، وتشمل الأوهام والهلوسة التي تُصيب المريض.
-
أعراض ارتباكية
وتُشير إلى ضعف قدرات المريض العقلية خاصة في العمليات المتعلقة بالتفكير المنطقي والتواصل مع من حوله، وتشمل ما يلي:
- ضعف القدرة على الكلام واستخدام الكلمات والتراكيب اللغوية بشكل صحيح لإيضاح المعنى الذي يقصده.
- عدم القدرة على التركيز في فكرة أو موضوع واحد، فيبدأ في الانتقال من موضوع لآخر بشكل سريع.
- ضعف القدرات الحركية للمريض.
- تشوش ذهني واضح وعدم القدرة على اتخاذ أي قرار.
- عدم القدرة على التركيز في شيء واحد والميل لتكرار الكلمات والحركات.
- كتابة كلمات وعبارات دون معنى.
-
الأعراض السلبية
وهي الأعراض الداخلية التي يصعب ملاحظتها وتتسق بمشاعر المريض وأفكاره، أهمها ما يلي:
- تضارب في أفكار ومشاعر المريض الداخلية ما يؤدي لردود فعل غريبة في أغلب الأحيان كالغضب الشديد عند رؤية أشخاص يضحكون.
- الميل للعزلة والبعد عن الناس والمجتمع.
- ضعف ووهن عام بالجسم يعود لحالة المريض النفسية.
- تقلبات مزاجية تتراوح بين الحزن والفرح الشديد دون سبب واضح.
الأسباب التي تؤدي للإصابة بالفصام
مرض الفصام ليس مجرد مرض نفسي فقط، بل يُصاحبه خلل واضح في الوظائف الحيوية للمخ، أي أن له جانب عضوي كذلك، فلا يُمكن القول أنه ينشأ نتيجة خلل تربوي أو قلة الثقة بالنفس وما إلى ذلك، لكن مثله مثل أغلب الأمراض المزمنة، لم يتم التوصل لأسباب الإصابة به حتى الآن، لكن يُمكن ربطه بعدة عوامل منها ما يلي:
-
عوامل وراثية
تزداد نسبة الإصابة بشكل كبير جداً عند انحدار الفرد من عائلة لها تاريخ مرضي مرتبط بالفصام، خاصة إذا كان المصاب قريب من الدرجة الأولى.
-
خلل في كيمياء المخ
كاضطراب النواقل العصبية أو بعض الهرمونات التي تؤثر على وظائف وعمليات المخ الحيوية.
-
عوامل بيئية
تلعب البيئية المحيطة والظروف المعيشية للإنسان على تفاقم حالة المريض أو رفع احتمالية إصابته، فالعيش في أسرة متذبذبة أو مجتمع لا يهتم بالقيم الاجتماعية يدفع الإنسان للدخول في حالة من العزلة بالتالي يُصبح عرضة للفصام بشكل أكبر.
علاج الفصام
يقتصر دور العلاج على تقليل الأعراض ومنع عودتها وذلك عن طريق منظومة علاجية متكاملة تشمل الأدوية الطبية، والعلاجات التأهيلية والنفسية، ومحاولة استعادة عمليات المخ الطبيعية عن طريق الصدمات الكهربية والعمليات الجراحية.