اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون يعده البعض أعظم اكتشاف أثري فرعوني، بينما ذهب البعض لاعتباره أعظم اكتشاف أثري بصفة عامة، وذلك لأسباب عديدة سنوردها لاحقاً بالفقرات التالية.. وقد تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وكنوزه في نوفمبر 1922م، وذلك تم بمحض الصدفة، حين كان عالم الآثار البريطاني الجنسية هوارد كارتر يقوم بحفريات عند مقبرة رمسيس السادس، فلاحظ وجود قبو آخر قريب، فاستمر في إجراء عمليات الحفر والتنقيب، فوجد أن ذلك القبو يقود إلى إحدى غرف الدفن الفرعونية، وحين تقدم إلى داخلها تبين له أنها مقبرة الملك توت عنخ آمون ،ثم توالت أعمال التنقيب والبحث ودراسة كنوز المقبرة، والتي قادت العلماء إلى الكشف عن العديد من الحقائق، سواء المتعلقة بـ توت عنخ آمون نفسه أو بالأحداث التي شهدها عصره.
أهمية كنوز توت عنخ آمون :
من بين كافة الاكتشافات الأثرية التي أجريت خلال القرن المنصرم، يكثر الحديث عن مقبرة توت عنخ آمون واكتشافها، وذلك بسبب أهميتها البالغة، وتلك الأهمية نتجت عن العديد من الأسباب منها:
أولاً : الكنز الملكي الأكمل :
على رأس قائمة العوامل التي تجعل لكنوز توت عنخ آمون أهمية خاصة، هي أنها الكنز الملكي الفرعوني الوحيد الأقرب إلى الاكتمال، حيث أن جرت العادة أن المقابر الفرعونية تكتشف منهوبة، فدائماً ما كان اللصوص يسبقون المستكشفين إلى الأبواب السرية للمقابر، وهو الأمر الذي كان يجعل من دراسة التاريخ الفرعوني أمراً صعباً، وجزء كبير منه كان يُبنى على التخمينات والافتراضيات والاستنتاجات، وذلك لعدم التوصل إلى أدلة تاريخية مادية كافية تخبرنا بطبيعة الحياة آنذاك، أما بالنسبة لكنوز مقبرة توت عنخ آمون فالأمر على النقيض تماماً، فالكنوز والمقتنيات التي تتشكل منه مجموعة الملك الخاصة، تم العثور عليها داخل مقبرتها كاملة تقريباً، إذ أن عدد القطع التي تتكون منها بلغ حوالي 358 قطعة، تتفاوت في أحجامها وتختلف في المواد المُصنعة منها وتتفق في أهميتها التاريخية.
ثانياً : الحقبة التاريخية للكنوز :
العامل الثاني الذي تنتج عنه أهمية مقتنيات توت عنخ آمون ،هو الفترة التاريخية التي ترجع إليها تلك المجموعة الملكية، فالملك توت عنخ آمون اعتلى العرش في زمن الأسرة الثامنة عشر، والتي يمثل عصرها العصر الذهبي بالنسبة للدولة الحديثة، حيث تلك الفترة اتسمت بانفتاح مصر على الدول الأخرى، وبصفة خاصة حضارات الشرق الأدنى القديم، وذلك بفضل الحملات العسكرية العديدة التي توجهت لتلك المناطق، وكذلك بسبب ازدهار حركة التجارة بين مصر ودول الشرق، ورغم ذلك كله كانت تعد هذه الفترة من أشد فترات الحضارة الفرعونية غموضاً، بسبب ندرة المقتنيات والوثائق والمخطوطات التاريخية التي تعود إليها، وكامل المعلومات التي كانت متوفرة عن تلك الفترة، هي محض افتراضات وتخمينات من الباحثين، التي جاءت مستندة على مجموعة من المعلومات المتناثرة والشواهد المبعثرة، ثم قدمت مقبرة توت عنخ آمون لتقدم إجابات شافية لتلك الأسئلة، فدراسة أكثر من 350 من القطع الأثرية المنتسبة لتلك الفترة، كان أمراً كافياً للتعرف على شكل وطبيعة الحياة فيها، ومدى تأثر الشخصية المصرية القديمة بعامل الانفتاح، وكيفية انعكاس ذلك عليها ومساهمته في تطويرها.
ثالثاً : احتفاظ مصر بحقها في الكنز :
كانت مصر دوماً مطمعاً للغزاة وأباطرة الدول، وكانت كذلك دائماً مقبرة لهم، ولكن هذا لا يعني إنها لم تتكبد الكثير نتيجة الاحتلال، ومن بين ما تكبدته هو سرقة ونهب جزء كبير من الكنوز الآثرية، ونجد الآن دول مثل إنجلترا وفرنسا تتباهى بامتلاكها قطع آثرية ترجع إلى العصر الفرعوني، أما مجموعة توت عنخ آمون فقد احتفظت بها مصر بالكامل، الأمر الذي يجعل هذا العامل الثالث المُشكل لأهمية تلك المجموعة، ويتواجد كنز توت عنخ آمون حالياً بجناح مخصص له ضمن المتحف المصري بالقاهرة، ويُعد هذا الكنز أحد أهم وأبرز مقتنيات المتحف، ويتوافد عدد كبير من السياح سنوياً على المتحف المصري بهدف مشاهدة تلك المقتنيات، وبالأخص قناع توت عنخ آمون الذهبي، الذي يعد أبرز القطع الآثرية التي تم العثور عليها ضمن قطع مقبرة الملك الفرعوني.
رابعاً : التعرف على حياة الملك :
ذكرنا سلفاً أن عصر الأسرة الثامنة عشر بصفة عامة كان يشكل لغزاً، لكن اللغز الأكبر منه كان يتمثل في الملك توت عنخ آمون ،ذلك الفرعون الذي أحيط عصره بكثير من الغموض، الأمر الذي نتج عنه نسج العديد من الأساطير والأكاذيب حوله، صارت مع الوقت حقائق مُسلم بصحتها، إلى أن تم كشف كذبها باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وكنوزها، والتي من خلالها التعرف على أمور كثيرة متعلقة بحياته وعلاقاته، منها علاقته بزوجته عنخ آسن آمون التي يبدو أنه يهيم بها حباً، والتي من المعتقد أيضاً أنه كانت هناك صلة قرابة بينهما، بجانب ذلك تمكن العلماء عن طريق دراسة مقتنيات المقبرة، من التعرف على أسلوب حكم توت عنخ آمون ،وعلى الأشخاص المقربون منه والذين كانوا يشكلون الحاشية، بجانب العديد والعديد من الأسرار الأخرى التي تم كشفها باكتشاف المقبرة.
خامساً : العرش الفرعوني الوحيد :
امتد العصر الفرعوني لفترة طويلة جداً من الزمن، ابتداءً من توحيد الملك مينا أو نارمر لمملكتين المصريتين الشمالية والجنوبية، وكان ذلك في عام 3200 قبل الميلاد بحسب تقدير العلماء، واستمر لعِدة قرون تالية لذلك التاريخ، تولى حكم مصر خلالها مئات الفراعنة، ورغم ذلك لم يتم التوصل لأي عرش من عروش مصر الفرعونية، إلا بعدما تم كشف النقاب عن مقبرة الملك توت عنخ آمون ،وكأن هذه المقبرة كان مُقدر لها أن تحتوي على كل عجيب وغريب، ليضاف بذلك عامل خامس إلى مجموعة العوامل التي تشكل أهميتها، وتجعل منها أروع اكتشاف أثري في العصر الحديث.
سادساً : مومياء توت عنخ آمون :
أيضاً من أهم ما تم العثور عليه داخل مقبرة توت عنخ آمون ،هو المومياء المحنطة الخاصة بالملك نفسه، والتي تم العثور عليها بحالة جيدة سمحت بفحصها، ولعل الأهمية الحقيقية لتلك المومياء لا تتمثل في المومياء نفسه، بل في النتائج التي تم التوصل إليها من خلال دراستها، فقد قاد ذلك العلماء إلى إجابات على العديد من الأسئلة التي شغلتهم لفترات طويلة، وأهم تلك الأسئلة التي كانت دون إجابة، هو سر وفاة الملك الفرعوني توت عنخ آمون ،وقد كان الشائع حتى وقت قريب أنه تعرض لعملية اغتيال، دبرها له أفراد من حاشيته طمعاً في العرش والسطوة على الحكم، إلا أن إجراء تحليل الحامض النووي وفحوصات أخرى، تبين منه أنه قد توفي نتيجه انتشار مرض الملاريا وإصابته به، وذلك وفقاً لما تم إعلانه على لسان عالم الآثار المصري زاهي حواس، وكان ذلك في 8 مارس من العام 2005.
كان الاعتقاد السائد بشأن اغتيال الملك توت عنخ آمون ،مبعثه العثور على فتحة بمؤخرة جمجمة المومياء، والتي اُعتقِد بأنها ناتجة عن ضربة قوية تلقاها على الرأس، إلا أن فحص المومياء بواسطة تقنية الثري دي 3D التشريحية، تبين أن هذه الفتحة قد أجريت بعد وفاته ضمن مراحل التحنيط. كذلك كان توت عنخ آمون مصاباً بكسر قوي بعظام الفخذ، وتم ربط ذلك الكسر بعملية الاغتيال، إلا أن الفحص التشريحي ثلاثي الأبعاد أثبت خطأ ذلك الافتراض، إذ تبين منه أن ذلك الكسر قد تم قبل الوفاة بفترة.