تحدثنا في موضوع سابق عن فريضة الحج وفضلها العظيم على كل مسلم منّ الله عليه بأدائها، كما تحدثنا أيضاً عن تاريخها وكيف ومتى فرضها الله على المسلمين ولماذا، الآن سنتحدث باستفاضة عن مناسك الحج وكيفية تأديتها وما هي الشروط الواجبة لصحة كل منسك.
لماذا فرضت مناسك الحج وما هي شروط قبولها ؟!
الركن الأول “الإحرام”
الإحرام هو الركن الأول من مناسك الحج، وهو ركن واجب وملزم لكل حاج فإن تركه وجبت عليه كفارة كالذبح أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة من المساكين، يكون الإحرام بوصول الحاج إلى مكان الميقات فينوي في قلبه أو يعلن نيته بلسانه عما أتى ليحرم من أجله، إن كان متمتعاً فيقول “لبيك عمرة” وإن كان مقرناً فيقول “لبيك حج وعمرة” وإن كان مفرداً يقول “لبيك حج”، يستحب للحاج أن يهتم بنظافة جسده عند الإحرام فيتخلص من الشعر الزائد ويقلم أظافره ثم بعد ذلك يستحم ويتوضأ ثم يرتدي ملابس الإحرام، الرجل يرتدي إزار ورداء طاهرين أبيضن اللون، أما المرأة فتردي لباساً واسعاً فضفاضاً ولا يشترط فيه لوناً معيناً لكن تبتعد عن الألوان الصارخة، كذلك لا يمنع عليها ارتداء القفازات أو النقاب حتى إن كانت منتقبة.
-
محظورات الإحرام
هناك بعض الأمور التي تحرم على الحاج بعد إحرامه حتى لا يكون عليه أثم أو فدية فإن فعلها وهو لا يعلم حرمتها فليس عليه فدية أما إن كان عالماً فعليه كفارة وهي كالتالي:
- يحرم على الحاج سواء كان رجل أو امرأة أن يزيل من شعر جسده شيئاً أو يقوم بتقليم أظافره حتى يتحلل من إحرامه.
- أيضاً يحرم على الزوجان أن يأتيا بعضهما طول فترة الإحرام، كما يحرم على الرجال الاستمناء وإن لم يأتي امرأته.
- يحرم استخدام العطور سواء بوضعها على الملابس أو البدن مباشرة.
- يحرم صيد الحيوانات البرية فلا يقوم الحاج باصطياد أي حيوان لأي غرض كان.
- يمنع على الحاج أن يعقد قرانه طالما لم يتحرر من إحرامه بعد.
- يمنع على الرجال لبس أي شيء مخيط كالقمصان أو ما شابه ولا يضع شيئاً على رأسه مباشرة، كما يحرم على المرأة لبس النقاب أو القفازات.
طواف القدوم
بعد الانتهاء من الإحرام يخرج الحاج من الميقات متوجهاً إلى مكة فإذا أقبل عليها يستحب أن يردد “للهم هذا حرمك وأمنك فحرم لحمي ودمي على النار وأمنى من عذابك يوم تبعث عبادك واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك يا رب العالمين”.
أما إذا أقبل على المسجد الحرام يقول “ا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ورفعة وبرا، وزد من زاره شرفا وتعظيما وتكريما ومهابة ورفعة وبرا”
- إذا كان الحج متمتعاً فيؤدي العمرة كاملة ثم يتحلل من إحرامه ولا يحرم مرة أخرى إلا فاليوم الثامن من ذي الحجة، أما إن كان مقرناً أو مفرداً فيؤدي طواف القدوم ويبقي على إحرامه حتى ينتهي من مناسك الحج كاملة.
يوم التروية
وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي هذا اليوم بيوم التروية لأن الحجاج قديماً كان يرتوون فيه من الماء في مكة قبل ذهابهم إلى منى وقضاء باقي مناسك الحج، ذلك لعدم وجود الماء في باقي الأماكن قديماً كونها أماكن صحراوية، الحاج المتمتع يستحب له أن يحرم في هذا اليوم قبل الغروب، يخرج الحاج بعد ذلك لقضاء اليوم والمبيت في منى وهي منطقة تبعد حوالي 7 كم عن مكة المكرمة، المبيت فيها ليس واجباً بل سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أراد الحاج التوجه مباشرة إلى جبل عرفات فلا حرج عليه، أثناء المبيت في منى يستحب أن يلبي الحاج ويدعي كثيراً، أداء الصلوات في هذا اليوم يكون بقصرها دون جمعها فيصلي كل صلاة في وقتها مفردة، ثم يبيت هناك حتى يصلي الفجر فيتوجه بعد ذلك إلى جبل عرفات لإكمال المناسك.
يوم عرفة أو وقفة عرفات
يوم الحج الأكبر وهو أهم أركان فريضة الحج فمن لم يدرك عرفة لم تفلح حجته لقوله صلى الله عليه وسلم “لحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه”، سمي جبل عرفة بهذا الاسم كما ورد في العديد من الروايات أن آدم عليه السلام التقى عليه بحواء بعد نزولهما من الجنة إلى الأرض وتعارفا عليه لذلك سمي عرفة، تقول رواية أخرى أن جبريل عليه السلام كان يري إبراهيم عليه السلام كيف يتم الحج ويسأله “أعرفت، أعرفت” فيرد إبراهيم “عرفت، عرفت” لذلك سمي بعرفه.
مع شروق شمس اليوم التاسع من ذي الحجة يتوجه الحجاج لقضاء هذا اليوم والوقوف بعرفات، تصح وقفته إذا تواجد في أي جزء داخل حدود منطقة عرفات وعلى أي وضع سواء كان جالساً أو واقفاً أو راكباً، لا يشترط تواجده في بداية النهار أو منتصفه فلا وقت محدد سوى وجوب وقوفه بعرفة قبل زوال شمس هذا اليوم.
يصلي الحاج صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم ويستحب له أن يدعو ويلبي كثيراً فهو من أفضل الأوقات للصلاة والدعاء والتلبية لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله “خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”.
الذهاب لمزدلفة
يبقى الحاج على عرفة حتى زوال شمس هذا اليوم، بعد غياب الشمس يتوجه الحجاج إلى مزدلفة فيصلون المغرب والعشاء جمع تأخير ثم يجمع عدد سبعين حصاة صغيرة لرمي الجمرات، يبقي الحاج بمزدلفة حتى طلوع فجر أول أيام عيد الأضحى المبارك فيتوجه لرمي الجمرات.
عيد الأضحى المبارك
مع بداية اليوم العاشر من ذي الحجة يؤدي الحاج صلاة الفجر ثم يتوجه عائداً إلى منى لرمي الجمرات الثلاث، وقت الرمي المحبب هو في الفترة بين شروق شمس هذا اليوم وغروبها، لكن يجوز الرمي بعد الغروب حتى مطلع اليوم التالي إن تعذر على الحاج الرمي أثناء النهار، يرمي الحاج سبع حصوات في كل جمرة ثم يدعو الله ثم يبدأ في الجمرة التي تليها حتى الجمرة الكبرى لا يبقى بعدها بمنى، يجب أن تصيب الحصى الشاخص أو تسقط في الدائرة التي تحيط به ويردد مع كل واحدة ما يلي “بسم الله، والله أكبر، رغما للشيطان وحزبه وإرضاء للرحمن”.
بعد ذلك يذهب الحاج للنحر وذبح الهدي، وهو واجب على المتمتع والقارن فقط أما المفرد فلا يجب عليه الذبح، يجوز الذبح حتى زوال شمس اليوم الثالث من أيام التشريق ويردد الحاج عند الذبح “بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك، اللهم تقبل مني”، يمكن للحاج أداء هذا الركن في منى أو مكة لقوله صلى الله عليه وسلم “كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر”.
بعد الإنتهاء من الذبح يقوم الحاج بما يسمى التحلل الأول وهو القيام بحلق أو تقصير الشعر إن كان رجلاً، أما المرأة فتأخذ من أطراف شعرها قليلاً قدر عقلة إصبع، عند هذا يحلل للحاج ما حرم عليه بإحرامه إلا أن يأتي امرأته.
طواف الوداع
بعد الإنتهاء من رمي الجمرات وذبح الهدي يذهب الحجيج عائدين لمكة لتأدية الركن الأخير من الحج وهو طواف الوداع، يطوف كل حاج حول الكعبة سبع أشواط ثم يصلي ركعتين خلف مقام نبي الله إبراهيم ثم يغادر مكة بعد ذلك، لا يجوز للحج أن يعود لموطنه قبل أداء هذا الركن لما ورد عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم “لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت”، يجوز فقط للمرأة الحائض أن تتخلف عن طواف الوداع تخفيفاً عنها لما فيه من مشقة.
وهكذا تنتهي مناسك الحج ويعود كل حاج لبلده متحرراً من ذنوبه كما ولدته أمه بعد أن أنعم الله عليه بأداء هذه الفريضة العظيمة.