عنق الزرافة لا تختلف من حيث التركيب عن أعناق كافة الثديات بما في ذلك الإنسان!.. هي حقيقة تم إثباتها علمياً من قبل علماء الأحياء، فـ عنق الزرافة رغم طوله الشاهق يتكون 7 فقرات فقط، وطول العنق يمتد إلى ما يقارب المترين “6 أقدام تقريباً”، ومتوسط طول الفقرة الواحدة حوالي 28 سنتيمتراً، وهذه الفقرات الـ 7 وحدها تشكل أكثر من 50% من إجمالي طول العمود الفقري للزراف.
سر طول عنق الزرافة :
عنق الزرافة هو أول ما يجذب انتباه الناظر إليها، وينتابه أمامها شعور بالتعجب والإعجاب بقدرة الله في خلقه، ومشاعر التعجب والإعجاب تلك لا تخلو من سؤال ملح حول سر في ذلك التشكيل الجسماني البديع، الذي جعل من الزرافة الحيوان الثدي الأطول على الإطلاق، وكيف لم تسنى لهذا المخلوق الاحتفاظ بهندسته الجسدية عبر ملايين السنين، صحيح أن الانقراض طال أسلاف الزراف كما طال أسلاف كافة الكائنات الحية، ويقدر العلماء عدد أنواع الزراف المنقرض بحوالي 8 أنواع، إلا أن الفصيل الذي تمكن من الصمود حتى وقتنا الحالي لم يختلف كثيراً في تكوينه الظاهري، وهو ما دفع العلماء منذ القدم وحتى وقت قريب وربما إلى الآن، يبحثون عن مزيد من التفسيرات حول السر في طول عنق الزرافة ،وقد تم التوصل إلى استخدامين رئيسيين للعنق لدى الزراف هما:
عنق الزرافة والغذاء :
يرى بعض باحثي علم الحيوان أن عنق الزرافة كانت طوق نجاتها من الانقراض، حيث منح العنق الطويل للزراف القدرة على التأقلم مع التغيرات المناخية، التي اجتاحت الأرض في العصور السحيقة، وبينما هلكت أنواع عديدة من الحيوانات متضورة بجوعها، بينما عنق الزرافة مكنها من توفير طعامها من أوراق الأشجار المرتفعة، وبذلك تمكن جنس الزراف من الاستمرار في الحياة وتكاثر أكثر من غيره، وبالتالي استطاع الحفاظ على نوعه من التلاشي من الوجود، وهذه النظرية جاءت اعتماداً على نظريات العالم تشارلز داروين المعروفة بنظريات الانتخاب الطبيعي، وتستمد هذه النظرية قوتها ومنطقها من الطبيعة الفسيولوجية للزراف، حيث أن الزراف معروف بأنه لا يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء بجانب قدرته على اختزان الطعام، ورغم اعتماد الزراف على أوراق الأشجار كمصدر رئيسي للغذاء، وتتناول الزرافة الواحدة يومياً أكثر من 30 كجم من أوراق الأشجار، إلا أنها في فصول الخريف وفترات الجفاف يمكنها التهام اللحاء، ولهذا تمكنت من الصمود أمام تقلبات المناخ ونجت من الانقراض، وفقاً لما يقر به العلماء المناصرون لهذه النظرية العلمية.
عنق الزرافة وموسم التزاوج :
الزراف بطبيعته يعد من الحيوانات الأليفة المسالمة، فالزراف ليس بمفترس ولا يهوى الدخول في صراعات مع الكائنات الأخرى في نفس بيئته، إلا أنه لا يوجد حيوان لا يملك نقطة قوة توفر له الحماية عند الحاجة، و عنق الزرافة تمثل نقطة القوة هذه وعند اللزوم تتحول إلى سلاح، ويتجلى ذلك بوضوح خلال مواسم التزاوج عند الزراف، حيث أن الزراف يعد من الحيوانات التي تتسم بتعدد الزيجات، أي أن الجماعات الصغيرة التي يعيش فيها الزراف تتضمن ذكراً واحداً يكون هو المهيمن، ومن ثم يكون وحده من له الحق في جماع إناث هذه الجماعة، وبالطبع تكون هذه الهيمنة لا تكون إلا للذكر الأقوى بالجماعة، و عنق الزرافة هي العامل الحاسم هنا والمُحدد للأقوى، حيث يقوم الذكور بالتصارع في موسم التزاوج باستخدام أعناقهم، والتي تكون ضرباتها بمثابة خبطات مطرقة فولاذية ضخمة، ولاحظ العلماء أن ذكور الزراف قبل بدء الصراع يمدون أعناقهم إلى الأعلى، حيث يقوم كل منهم باستعراض طول عنقه باعتباره دليل على القوة، ومحاولة من كل منهم لإرهاب غريمه قبل أن يحتدم الصراع بينهما.