أرسطو هو أحد أبرز الفلاسفة الذين عرفهم التاريخ، فهو المفكر العظيم الذي خلف أستاذه أفلاطون، وعلى يده تتلمذ حكماء وقادة ومفكرين، أشهرهم الأسكندر الأكبر القائد المقدوني ومؤسس مدينة الإسكندرية، وخلال حياته كان له العديد من الإسهامات الفكرية والفلسفية، التي خلدت ذكراه في التاريخ وجعلت من عصره عصراً ذهبياً..
أرسطو .. فلسفته وأثرها :
يُعرف العصر الذي شهد إسهامات أرسطو وأستاذه أفلاطون، بالعصر الذهبي للفلسفة الإغريقية، وذلك ليس بسبب كثرة إسهاماته في المجال الفلسفي، إنما بفضل أثرها والأساس الذي قامت عليه.
اكتمال الرؤية :
الرؤية الفلسفية في نظريات أرسطو وأفكاره كانت شبه مكتملة، وذلك من أهم العوامل التي تجعل من إسهاماته الفلسفية، واحدة من أسباب إطلاق لقب العصر الذهبي على زمنه، والسبب في خروج آرائه شبه مكتملة ومتسمة بالنضج، هو أنه أرسطو يمثل الجيل الثالث من عظماء الفلسفة الإغريقية أو الفلسفة اليونانية، فهو يعد بمثابة امتداد لمسيرة أفلاطون أحد أبرز الفلاسفة في التاريخ، وقد تتلمذ أرسطو على يد أفلاطون وتلقى عنه العلم، وأفلاطون بدوره كان قد استلهم أفكاره من أستاذه أرسطو، الذي يعتبر بمثابة أباً للفلاسفة وأحد مؤسسي الفكر الفلسفي، وقد شهدت علوم الفلسفة عِدة مراحل من التطور، قادها أساتذة أرسطو والفلاسفة الذين سبقوه، وقد اتخذ هو من أفكارهم أرضاً صلبة، أنشأ عليها أفكاره ونظرياته، وكانت التربة الخصبة التي أنبتت تحليلاته المتسمة بالعمق، وجعلت منه أحد أعظم المفكرين في زمنه وعلى مر التاريخ.
النقد الأدبي :
النقد الأدبي ويٌقصد به تفسير وتقييم وتحليل الأعمال الأدبية، هو أسلوب يعتمد على المناقشة الفلسفية، للتوصل إلى المواطن الجمالية والقبيحة في العمل الأدبي، وكذلك العمل على كشف أهدافه وتوضيح رؤية كاتبه، ويعتبر آخرون أن النقد الأدبي نوعاً من أنواع الفن، والنقد الأدبي على صورته المعاصرة، لم يختلف كثيراً عما ذكره أرسطو في كتابه الشعر، والذي له بالغ الأثر في نظم وآليات النقد الأدبي الحالية، إذ أرسى أرسطو من خلاله الأسس والقواعد التي يقوم عليها النقد، وقد أولى أرسطو اهتماماً بالغاً بتأثير الأدب على نفس المتلقي، بل ورفع من قدر الآداب والفنون بصفة عامة، ووصف الأدب الذي يصور المآسي الإنسانية بأنه مُطهر، حيث أقر أرسطو بأن المأساة الدرامية تثير مشاعر الشفقة والخوف في النفس البشرية، ومن ثم فأنها تنقيها منها وتعمل على تطهيرها من الأوزار، وقد اعتبر أرسطو أن تصوير المأساة فناً منفرداً بذاته، وكانت مأساة أوديب ملكاً التي كتبها المؤلف اليوناني سوفوكليس، هي النموذج الذي أسس عليه أرسطو كتابه الشعر، وطبق عليه نظرياته النقدية وأوضح أفكاره من خلال تحليل وتفسير نصوصه.
منتهى السعادة :
من أهم وأبرز العوامل التي تكسب فلسفة أرسطو أهميتها، وتجعل من عصره عصراً ذهبياً للفلسفة الإغريقية، هو أنه سخر أفكاره ونظرياته لخدمة صالح الجنس البشري، ورأى أرسطو أن تحقيق السعادة هو الغاية التي يتشاركها كافة البشر، ورأى أن تلك السعادة تنبع من قيام الإنسان بالدور الموكل إليه، فباعتبار أن الإنسان هو الحيوان العاقل الوحيد، فمن ثم كانت أولى وظائفه هي إعمال العقل وتحليل الأمور وتأويلها، ويرى أرسطو أن تلك هي الوظيفة الأولى والرئيسية للإنسان، وعن طريق قيامه بها تتحقق له السعادة التي يبتغيها، إذ أن مفهوم الحياة السعيدة لدى أرسطو يعني أن تكون الحياة محكومة بالعقل، وقد وردت هذه الأفكار إجمالاً تحت مسمى المعرفة العلمية، وهي إحدى تفرعات علم الأخلاق والسياسة، الذي ابتدعه أرسطو ويعد من أهم كتاباته وإسهاماته الفكرية.
الفضيلة والأخلاق :
من ضمن الأمور التي تكسب أفكار أرسطو أهميتها أيضاً، هو اتخاذه الفضيلة والأخلاق أساساً لتلك الأفكار، وعدها الدعامة الأساسية لبناء المجتمع وضمان صلاحه، وقد جاءت أفكاره في هذا الصدد متأثرة كثيراً بأفكار أستاذه، واستسقى كثيراً من أفكاره من فكرة المدينة الفاضلة بفلسفة أفلاطون، ولكن بحسب أساتذة الفلسفة فأن أفكار أرسطو هي الأقرب للواقع، فهي تقوم على التوجيه السلوكي للفرد، حيث يصف الفضيلة الأخلاقية بأنها النقطة الفاصلة بين رذيلتي الإفراط والتفريط، بمعنى أن الشجاعة لدى أرسطو إحدى الفضائل الحسنة، وتحقيقها يمكن في الوصول إلى تلك النقطة الفاصلة، الواقعة بين الرذيلة الأولى وهي الجبن والرذيلة الثانية وهي التهور، كذلك يعرف الكرم بأنه الحد الفاصل بين التبذير والبخل.