شركة سامسونج لابد وإنك تمتلك أحد منتجاتها، فإن لم يكن هاتفك المحمول من إنتاج هذه الشركة، فربما تجد التلفاز أو مشغل أقراص DVD أو اللاب توب، وإن لم يكن شيء من تلك الأشياء لديك يحمل اسم شركة سامسونج ،فانظر إلى مكونات الحاسب الداخلية لديك، ربما تجد شرائح الرامات أو الهارد ديسك من إنتاج تلك الشركة.. حيث أن شركة سامسونج حققت من الانتشار ما لا تحققه غيرها، ونجحت في جعل منتجاتها الإلكترونية محل ثقة العميل، لكن السؤال هو كيف تمكنت من تحقيق ذلك؟، وما العوامل التي كفلت لها التفوق على منافسيها؟
شركة سامسونج .. النجاح والحفاظ عليه :
نجاح شركة سامسونج عبر مشوارها الطويل في مجال صناعة الإلكترونيات، هو أمر أصبح من المسلمات ولا يحتاج أدلة، لكننا نحتاج إلى معرفة الكيفية التي تحقق بها ذلك النجاح، والعوامل التي ميزت شركة سامسونج عن عشرات المنافسين، وتلك العوامل والأسباب يمكن أن نوجزها في الآتي:
علامة تجارية عالمية :
الخطوة الأولى تجاه تحقيق الهدف تتمثل في تحديده في الأساس، قد ينظر البعض إلى الأمر على أنه أمر بديهي، لكن بحسب أطباء النفس فإن النسبة الغالبة من البشر ليست لديهم أهداف واضحة، هذا يقودهم إلى حالة من الاضطراب والتخبط، التي تتسبب بدورها في اتخاذهم قرارات لا تناسب الواقع، ومن ثم يكون الفشل هو النتيجة الحتمية في النهاية.. لكن بالنسبة للأسطورة -محل موضوعنا- شركة سامسونج ،فبالتأكيد كان لدى إدارتها رؤية واضحة وأهداف محددة، بل أن تميز شركة سامسونج كان بقدر تميز هدفها، فمنذ البداية لم يكن مخططاً للشركة أن تكون مجرد شركة إلكترونيات، كمئات الشركات الأخرى المنتشرة على كامل كوكب الأرض، بل كان مخططاً أن تكون سامسونج ذات يوم إحدى العلامات التجارية العالمية، وذلك الطموح هو أول وأهم العوامل التي ميزت الشركة عن قريناتها، وكان الأساس الذي بُنيت عليه كافة النجاحات التالي ذكرها.
الكم لا الكيف :
إن كان المشروع يهدف إلى الربح الضخم والسريع، فإن صناعه بذلك يستهدفون جيب المستهلك، إما إن كان المشروع يسعى إلى الاستمرارية، فإن هدفه يكون الاستحواذ على ثقة العميل، وبالطبع شركة سامسونج تنتمي إلى النوع الثاني من الشركات، وخلال فترة الثمانينات وفي ظل الثورة التكنولوجية التي أجتاحت العالم، تم إنشاء العديد من الشركات المنتجة للإلكترونيات، وأمام الطلب المتزايد على منتجاتهم في كل يوم، قامت تلك الشركات بمضاعفة كم منتجاتها لتلبية احتياجات السوق، أما شركة سامسونج فقد ظلت ملتزمة بقواعد دراسة الجدوى الخاصة بها، والتي تؤكد على أن ثقة العميل ربح يفوق قيمة الربح المادي، وبالتالي لم تقم برفع معدل إنتاجها للإجهزة، وذلك حرصاً على عدم الإخلال بجودة المنتج، وبالفعل رغم كثرة المنافسين الكوريين في ذلك الوقت، شركة سامسونج وحدها تمكنت من الفوز بثقة المستهلكين، وهو ما ضمن لها البقاء وكفل لها الاستمرار حتى اليوم.
الرؤية المستقبلية :
شركة سامسونج دائماً لديها رؤية ثاقبة نحو المستقبل، واستراتيجية عملها لا تسعى أبداً إلى أهداف سهلة قصيرة المدى، بل تركيزها الكامل يكون مصوب إلى الأهداف الكبيرة البعيدة، مع الحرص دوماً على تطوير آليتي الإنتاج والتسويق، على أن يتم ذلك من خلال خطتين متوازيتين، وفي بداية التسعينات وتحديداً خلال عام 1993م، قامت شركة سامسونج بتغيير لغة اسم الشركة، وبدلاً من الحروف الكورية اعتمدت اللوجو الجديد بحروف اللغة الإنجليزية، فقد رأت الشركة إنها تريد أن تتواصل مع العالم، ولتحقيق ذلك كان عليها الاستعانة بلغة يمكن للعالم فهمها، وذلك بالتأكيد بجانب اهتمامها بعملية تطوير المنتجات ذاتها، وإضافة بعض العوامل التي تميزها عن منتجات الشركات المنافسة.
المرونة والحسم :
الأصعب من تحقيق الشهرة والنجاح هو الحفاظ عليهما، كانت إدارة شركة سامسونج تعي ذلك جيداً، وكانت تعلم أن السبيل الوحيد للحفاظ على ما حققته من إنجازات، هو الوقوف بتلك المنطقة الفاصلة بين المرونة والحسم، فسياسة شركة سامسونج تعتمد على عدم الإفراط ولا التفريط، فهي مرنة بالقدر الذي يمكنها من التأقلم مع متغيرات السوق، وتقديم الجديد الذي يتلائم مع كل مرحلة، وتقبل بصدر رحب الاقتراحات والمشاريع المقدمة من صغار الموظفين، ولكن مرونة الإدارة مُحجمة كي لا تنقلب إلى تسيب، وعلى الجانب الآخر نجد أن أسلوب إدارة شركة سامسونج ،حاسم جداً برغم ما يتميز به من مرونة، فالشركة لا تقبل التقصير أو التراجع للخلف أو الحياد عن الأهداف المقررة والمخطط لها، ومن القصص الشهيرة حول شركة سامسونج وسياستها الحاسمة، هو أن الشركة الكورية قد قامت بإنتاج نوع من الهاتف المحمول المتطورة، وبعد إنتاجه تم اكتشاف بعض العيوب والمشاكل التقنية بالمنتج، فكانت الاقتراحات طرحه بالأسواق بسعر التكلفة أو أقل، وذلك للحد من الخسارة المتوقعة، إلا أن مدير شركة سامسونج رأى أن الخسارة الحقيقية هي خسارة ثقة العملاء، والتي تم اكتسابها على مدار سنوات طويلة من العمل، وقراره النهائي كان إحراق كامل الكمية المنتجة من ذلك الهاتف، والتي تقدر بأكثر من 25 ألف هاتف محمول، ذلك بالطبع بجانب مجازاة المسئول عن المشروع والمقصرين.
التطوير ومواكبة العصر :
أين يذهب الجزء الأكبر من الأرباح التي تحققها شركة سامسونج سنوياً، والتي تقدر بمليارات الدولارات؟.. في بعض الشركات الأخرى يذهب ذلك الجزء إلى حسابات المدراء البنكية، أو ينفق في أعمال التجديدات واقتناء السيارات الفارهة، ومن هم أكثر وعياً يسخرونه لعمليات التوسع وافتتاح فروعاً جديدة، أما بالنسبة لـ شركة سامسونج الأسطورة فالأمر مختلف، فالجزء الأكبر من أرباحها يتم تخصيصه للإنفاق على عمليات الدراسة والتطوير، وذلك بهدف الحفاظ على مستوى جودة المنتج المقدم للعميل، وفي ذات الوقت البحث دوماً عن مزايا جديدة تضمن لها مواكبة العصر، بل واستباقه في أحياناً كثيرة والتفوق على منافسيها.
الالتزام بالتصنيع :
كم تساوي العلامة التجارية الخاصة بـ شركة سامسونج اليوم؟.. بدون تفكير وبدون البحث عن رقم محدد، يكفي يقيننا من أنه يساوي مليارات الدولارات، ولكن رغم ذلك فإن شركة سامسونج لا تقوم ببيع علامتها التجارية، بعكس العرف السائد في العالم أجمع، وهو أن الشركات الكبرى العالمية تقوم ببيع العلامات التجارية لوكلاء بالبلدان الأخرى، إلا أن شركة سامسونج رفضت ذلك وهو أحد أسباب نجحها وتفوقها، فـ شركة سامسونج في سبيل الحفاظ على جودة منتجاتها، فهي ملتزمة التزام كامل بتصنيعها وتوريدها، ولا تعهد بتلك العملية -أي عملية التصنيع- إلى وكلاء خارجيين، ولا تقوم باستيراد القطع المستخدمة في منتجاتها من مصانع أخرى، فهي ملتزمة بإنتاج منتجاتها من الألف إلى الياء، وفي سبيل ذلك أنفقت شركة سامسونج حوالي 19 مليار دولار، في الفترة ما بين عامي 1998م وحتى 2003م، كي تقيم مصانع جديدة مسئولة عن إنتاج المعالجات والشرائح الإلكترونية.
الهروب من القرصنة :
البرمجيات هي إحدى مجالات الصناعة والتجارة الرائج سوقها حالياً، ورغم ذلك لا نجد شركة بحجم شركة سامسونج شريكة بها، وذلك أمر يثير التعجب ويدفعنا للتساؤل عن السر.. وقد بررت إدارة شركة سامسونج ذلك بإنها لا ترغب في خوض حرباً ضد القرصنة، فاليوم مجال تطوير البرمجيات وأنظمة الحواسيب مهدد، بسبب سرقة الحقوق وعرض البرمجيات مجاناً من خلال شبكة الإنترنت، أو عمل نسخ مزورة منها وبيعها بأسعار منخفضة، لذا نأت سامسونج بنفسها عن دوامة الملكية الفكرية وحقوقها، ورأت أن الأفضل هو الالتزام بعملها كمُصنع للإلكترونيات، وخاصة وإنها في الأساس رائدة في ذلك المجال.
تعدد المنتجات :
لا تعتمد شركة سامسونج على منتج واحد باعتباره حصاناً أسود، بل أنها تقوم بتصنيع أنواع مختلفة من الأجهزة الإلكترونية، وتولي كافة أنواع المنتجات ذات الاهتمام، فتعدد المنتجات بالنسبة لها لا يعني فقط زيادة معدلات الربح، بل أن شركة سامسونج تسعى لتكون رائدة بكل مجال تعمل به، فهي بجانب كونها من أشهر الشركات المصنعة لأجهزة التلفاز والهواتف المحمولة والحاسب، نجدها رائدة أيضاً في صناعة الكاميرات الديجيتال وقطع الكمبيوتر الداخلية، مثل شرائح الذاكرة DRAM والهارد ديسك وغيرها..