يُعتبر الجمل من أكثر الحيوانات تأقلماً مع المتغيرات البيئية من حوله، لذلك أطلق عليه العديد من الألقاب مثل سفينة الصحراء وأبو الصبر، لهذا اتخذه العرب قديماً وسيلة للتنقل والسفر في رحلاتهم الطويلة، وذلك لطبيعة الحياة الصحراوية التي عاشوها، كما ضرب الله تعالى به المثل في القرآن الكريم حين قال “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت” إن دل هذا على شيء فيدل على مدى الإعجاز الرباني في خلق الجمل وإعداده بشكل ملائم كي يتعايش في الصحراء ويقوم على خدمة أهلها، فكيف يتعايش الجمل مع الظروف المناخية المختلفة؟ ولماذا سُمي بسفينة الصحراء؟ هذا ما سنعرفه في المقال التالي.
لماذا سمي الجمل بسفينة الصحراء وما خصائصه الجسمانية؟
نشأة وتاريخ الجمال
- أكثر علماء الأحياء يُرجحون أن الجمل كان يعيش في أمريكا الشمالية قبل ما يقرب من 40 مليون عام مضت، لكنه هاجر منها أثناء الزحف الجليدي مستغلاً تجمد المضايق البحرية وقدرته على تحمل الجوع والعطش لينتقل إلى قارة أسيا، ويستقر بها، ثم ينتقل إلى قارة إفريقيا عبر شبه الجزيرة العربية وسيناء.
- يوجد نوعان أساسين من الجمال تعيش في العالم حالياً، الجمل ذو السنامين أو ما يُسمى بالجمل البكتري ويعيش في المناطق الباردة، والجمل ذو السنام الواحد الذي يعيش في الصحاري والأماكن الحارة.
- الجدير بالذكر أن الجمال اختفت تماماً في موطنها الأصلي وهو أمريكا الشمالية، لكنها هاجرت إلى أمريكا الجنوبية وتطورت هناك حتى ظهرت حيوان اللامة الذي ينتمي لنفس فصيلتها.
استئناس الجمل
يعتقد العلماء أن أول استئناس للجمل كان في شبه الجزيرة العربية وذلك لاستخدامه في التنقل والرحلات التجارية الطويلة، حيث يُعتبر الحيوان الأمثل للتنقل في مناخ شبه الجزيرة العربية الصحراوي، لكن مازال هناك خلاف قائم حول زمن استئناس الجمل الفعلي، فالبعض يرى أن استئناسه يعود لحوالي 4 آلاف عام مضت، وأن المصريين القدماء لم يعرفوه إلا إبان الغزو الأشوري، بينما يرى آخرون أنه عاش على الحدود بين مصر وشبه الجزيرة العربية قبل ما يقرب من 5 آلاف عام أو ربما أكثر والدليل على ذلك أن علماء الآثار وجدوا حبل مصنوع من وبر الجمل يعود تاريخه لحوالي 4700 عام، لكن ما يتفق عليه الجميع أن الجمل مر في استئناسه بأربع مراحل كما يلي:
-
المرحلة الأولى
كانت في الأليفة الأولى لاستئناس الجمل، وشاع فيها الاستفادة من ألبانها فقط دون استخدامها في النقل وغيره، كان ذلك في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية وانتقل منها للجنوب الغربي بأفريقيا.
-
المرحلة الثانية
وتُمثل الألفية الثانية لاستئناس الجمل، حيث شاع استخدام الجمال في حمل البضائع على الطرق التجارية في غرب شبه الجزيرة العربية، لكن كانت السلع بسيطة وخفيفة كالعطور وغيرها لا أكثر.
-
المرحلة الثالثة
كانت في الألفية الثالثة لاستئناس الجمل، وكانت استخدامات الجمال فيها مختلفة، حيث شاع استخدامها في أغراض حربية وأكبر أثر على ذلك ما وجد من نقوش آشورية بالإضافة لشكل السروج التي استُخدمت آن ذك.
-
المرحلة الرابعة
كان استخدام الجمال بارزاً جداً في الحروب بهذه المرحلة، خاصة في الحروب العربية.
خصائص الجمل الجسمانية
عند النظر لصفات الجمل التشريحية نجد انه يستحق لقب سفينة الصحراء عن جدارة، فلا يوجد آي حيوان آخر قادر على الصمود بهذه الطريقة في الصحراء سواه، فيما يلي سنعرض أهم خصائصه الجسمانية:
- للجمل شفاه مشقوقة تُساعده على تناول النباتات الشوكية بسهولة، كما تُمكنه من إغلاق فتحتي أنفه أثناء العواصف الرملية كي يحمي نفسه منها.
- يُعتبر الجمل من المجترات، حيث يتمكن من تخزين الطعام والماء في أكياس داخل معدته ثم استعادتها للمضغ جيداً مرة أخرى، كما يحتوي عنقه الطويل على غدد لعابية خاصة مهمتها ترطيب النباتات الجافة، بالتالي يُمكنه تناول أي طعام مهما كان.
- سنامه قادر على تخزين الدهون الموجودة في طعامه لاستخدامها كمصدر للطاقة فيما بعد إذا لم يتوافر الطعام.
- له جلد غليظ جداً يُساعده على تحمل لسعات الحشرات وحرارة الجو، كما ان وبره عاكساً لأشعة الشمس بالتالي يستطيع الحفاظ على درجة حرارته ثابتة.
- الغدد العرقية لديه قليلة جداً بالتالي يُقلل ذلك من فقدانه للمياه ويُحافظ على سيولة دمه في درجات الحرارة العالية.
- قادر على تعديل درجة حرارته بما يُلاءم الجو كما أنه من ذوات الدم الحار ودرجة حرارة جسده الطبيعية 42 درجة مئوية في النهار و 34 درجة في الليل دون أن يمرض.
- جسده مبرمج على الحد من استهلاك الأكسجين عند ارتفاع درجة الحرارة بالتالي ينخفض معدل الأيض لديه فلا ترتفع حرارته.
- أقدامه ملتصقة ببعضها مُكونة خف يُساعده على التنقل على الرمال الناعمة بخفة ورشاقة دون أن تُغرس أقدامه فيها بالتالي يقل شعوره بالتعب كما ترتفع سُرعة تنقله.
- عيني الجمل مجهزة للعواصف الترابية بشكل فريد، حيث أنها تحتوي على جفن شفاف يُمكنه إغلاقه أثناء العاصفة مع استمرار رؤيته بوضوح، كما أن رموشه طويلة لحماية العينين.
- له قدرة هائلة على تحمل العطش مدة قد تصل لشهر كامل إذا كان الجو بارداً أما في درجات الحرارة المرتفعة فيُمكن أن يكتفي بمرة واحدة في الأسبوع، كما أنه قادر على شرب كميات هائلة من المياه في زمن قياسي دون ان يمرض أو يموت كباقي الكائنات الحية لأن كمية الدماء في جسده أعلى بكثير من باقي الحيوانات كما أن شكل كريات الدم الحمراء لديه مُختلف وقابل للتمدد والتغير ما يُساعده على تخزين المياه لفترة أطول.
كانت هذه بعض خصائص الجمل البسيطة جداً، فلو تحدثنا عنها بإسهاب سنحتاج لسلسة كاملة من المقالات، كما أن العلماء لم يتمكنوا من اكتشاف كافة أسراره بعد، لذلك لا يسعنا سوا أن نقول “سبحان الخالق العظيم”.