نبي الله عيسى أو المسيح عيسى ابن مريم هو واحد من الرسل أولي العزم، كانت ولادته أحد المعجزات الإلهية، أراد الله أن يجعله آية لقومه عله يؤثر فيهم ويهديهم للطريق الصحيح، فأرسل جبريل عليه السلام لينفخ من روحه في السيدة مريم العذراء ليتخلق في رحمها هذا النبي المُبارك ويأتي للدنيا دون أن يمسسها بشر، بشّره الله بالنبوة منذ أن كان في المهد وتجلت فيه عظمة الخالق سبحانه وتعالى حين تحدث إلى قومه مدافعاً عن أمه ليخبرهم بأنه نبي الله أرسله إليهم ليُخرجهم من الظلمات إلى النور، لكن رغم ذلك لم يؤمن له سوى عدد قليل من بني إسرائيل أما باقي قومه فقد كفروا به وحاولوا إيذائه لكن الله تعالى رفعه إليه وكرمه، فخُيل إليهم أنهم صلبوه وعذبوه لكن أياً من هذا لم يحدث، والشاهد على ذلك ما ذُكر في قرآننا الكريم عن قصة عيس عليه السلام.
لماذا رفع الله عيسى عليه السلام إلى السماء ولما سيعود؟
ولادة السيدة العذراء مريم
كانت السيدة مريم تنتمي لأسرة كريمة فاضلة حتى أن الله تعالى كرمهم فأنزل سورة كاملة باسم “آل عمران” ليُخلد ذكرهم على مر الزمان، لما علمت أم مريم بحملها نذرت وليدها لخدمة بيت المقدس والقيام على شئونه، لما وضعت حملها ووجدتها بنتاً حزنت بشدة ظناً منها أن الله لن يتقبل نذرها لأن البنت لن تستطيع القيام على أعمال البيت كالصبي.
كانت أم مريم كبيرة في السن حين أنجبتها لذلك صعُب عليها أن تقوم على شئونها وترعاها، تسارع القوم على كفالة مريم وكلهم يريد أن يحظى بهذا الشرف العظيم، لكن الله منح كفالتها لزكريا عليه السلام وكان زوج خالتها.
كرست السيدة مريم حياتها للعبادة والقنوط لله تعالى فاتخذت من المسجد بيتاً لها لا تُبارحه أبداً حتى أصبحت في معية الله سبحانه وتعالى، وكان نبي الله زكريا كلما مر عليها وجد عندها طعاماً ورزقاً كثيراً فتعجب لأمرها وسألها عن مصدر هذا الرزق لتجيبه السيدة العذراء أن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
تمهيد السيدة مريم لولادة عيسى عليه السلام
أراد الله تعالى أن يُجهز السيدة مريم لحياة جديدة كليتاً فاصطفاها وأرسل إليها الملائكة لتُحدثها وتُخبرها أن الله فضلها على نساء العالم أجمع وأمرتها أن تزيد من عبادتها وقنوطها بين يدي الله سبحانه وتعالى، فشعرت مريم أن ربها يُمهدها لحدوث شيء عظيم.
ولادة عيسى عليه السلام
استزادت مريم في عبادتها فاتخذت من أهلها حجاباً وباتت تقضي كل وقتها بين يدي ربها حتى أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام إليها متمثلاً في صورة بشر شديد البهاء والحسن، خافت منه مريم واستعاذت بربها أن يرد بها هذا الشخص سوء، فطمئنها جبريل وأخبرها أنه رسول الله إليها أتاها ليُخبرها بقدوم طفلها المسيح عيسى عليه السلام، تعجبت مريم من قوله فكيف لها أن تُنجب دون زواج ودون أن يمسسها بشر، لكن جبريل أخبرها أن هذا أمر الله تعالى وأن الطفل القادم سيكون معجزة إلهية، نفخ جبريل عليه السلام من روحه في جيب مريم العذراء ليتكون بداخلها نبي الله عيسى وتحمل به، بعض العلماء يقولون أن حملها كان كبقية النساء، أي استمر مدة 9 أشهر كاملة لتضع بعدها وليدها، أما البعض الآخر فيقول أن حملها كان معجزة أخرى فقد حملت به وولدته في مدة زمنية قصيرة قد تكون عدة ساعات فقط، وإلا كيف لم يلاحظ أهلها أنها حامل لمدة تسعة أشهر كاملة!
جاءت آلام المخاض لمريم بينما كانت تجلس في مكان بعيد عن قومها مُستنداً لجزع نخلة، كانت الآلام شديدة ومتلاحقة حتى أن مريم تمنت الموت من شدة الألم، لكن الله هون عليها بأن فجر لها عيناً من الماء ليسقيها وأمرها أن تهز جذع النخلة لتتساقط عليها الرطب فتسد بها جوعها وضعفها.
مواجهة مريم قومها بعيسى عليه السلام
ما إن تعافت مريم من آلام الولادة حتى وجدت نفسها أمام مهمة أكثر صعوبة، فكيف ستواجه قومها بهذا الصبي وهل سيصدقها أحد من بني إسرائيل أم سيخافون على سطوتهم وملكهم من البُشري التي يحملها فيكذبونها ويتهمونها زوراً، بالفعل تحققت مخاوف السيدة مريم فقد اتهمها قومها في عرضها وطلبوا منها تفسيراً لوجوده معها، لكنها لم تجبهم بل أشارت إلى عيسى عليه السلام، فتعجبوا من ردها، كيف لصبي ولد لتوه أن يتحدث، لكن عيسى عليه السلام تكلم وأخبرهم أنه عبد الله ونبيه أرسله إليهم ليدعوهم إلى عبادته، خاف كهنة اليهود على سلطانهم وعلموا أن هذا الصبي سيهدي الناس لعبادة الواحد الأحد وسيكشف ستر الكهنة وأفعالهم الفاحشة وافترائهم على الله تعالى بعدما حرفوا التوراة التي نزل بها موسى عليه السلام إليهم، فاتهموا مريم بالبغي وأنكروا نبوة عيسى عليه السلام.
هجرة نبي الله عيسى إلى مصر
خافت مريم على وليدها بعدما أرسل ملك فلسطين جنوده ليقتلوه خوفاً على ملك، فهاجرت به إلى مصر كي تحفظه من شر هذا الملك.
عودته لفلسطين وتلقيه الوحي
عادت مريم مع عيسى عليه السلام إلى فلسطين بعدما مات هذا الملك الطاغي فعاشت بين قومها تربي ولدها في حذر شديد، فقد كانت تخاف أن يؤذوه، استمر الأمر هكذا حتى بلغ عيسى عليه السلام سن الثلاثون فبشره الله تعالى بالإنجيل وأمره بدعوة قومه للهداية وترك طريق الظلمات والشهوات التي انغمسوا فيها، كما أيده بمعجزات عديدة حتى يستجيبوا له لكن رغم ذلك لم يصدق به سوى طائفة من بني إسرائيل وهم الحواريون.
معجزات عيسى عليه السلام
أيد الله تعالى نبيه بالعديد من المعجزات الخارقة للطبيعة البشرية علهم يصدقوا نبوته ويؤمنوا بوحدانية الله تعالى فتجلت هذه المعجزات في قدرته على إحياء الموتى وشفاء مريض البرص والأبكم، وتشكيل الطير وبعثها للحياة، وإخبار قومه بطعامهم وشرابهم بإذن الله تعالى.
نزول المائدة
طلب الحواريون من عيسى عليه السلام أن يُنزل لهم مائدة من السماء ليأكلوا منها وتطمئن قلوبهم، فلبى الله طلبهم لكنه حذرهم أن يكفروا بما جاء به عيسى عليه السلام، وظلوا على عهدهم وإيمانهم إلى أن رفع الله نبيه فكفر نفر منهم.
رفع المسيح عيسى عليه السلام
لما بدء القوم يتحدثون عن معجزات نبي الله خاف كهنة إسرائيل أن يؤمنوا له فدبروا قتله وتعذيبه، ذهبوا لملك الروم في بلاد الشام وأخبروه أن واحد من قومهم يسعى لحكم اليهود وسحب بساط الملك من بين أيديه، فخاف الملك وأمر جنوده بالبحث عن عيسى عليه السلام وقتله لكن الله أبى أن يُهان نبيه فرفعه إليه بجسده وروحه وشبه لبني إسرائيل رجل آخر فصلبوه وظنوا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام، يُقال أن هذا الرجل يُدعى يهوذا الاسخريوطي أحد تلامذة عيسى الخائنين.
نبي الله عيسى في الديانات الأخرى
-
الديانة المسيحية
رغم الاختلاف الكبير بين الاعتقادات الإسلامية والمسيحية إلا أن الاتفاق الوحيد في قصة عيسى عليه السلام أن كلا الديانتين تعترف بولادة عيسى عليه السلام من السيدة مريم العذراء دون أن يمسسها بشر، لكن المسيحيون يؤمنون بفكرة صلبه وتعذبيه وهي فكرة يمقتها المسلمون بأي حال من الأحوال، كذلك تؤمن بعض الفرق المسيحية بألوهية المسيح وأنه أتى إلى الأرض فترة من الزمن ثم صعد لعرشه مرة أخرى، فيما يعتقد البعض الأخر أنه ابن الله وفرق أخرى تؤمن بفكرة الثالوث المقدس، بينما يعتقد المسلمون أنه عبد من عباد الله اصطفاه وطهره وبعثه نبياً لقومه وأنه بشر بنبي أخر الزمان وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
-
الديانة اليهودية
لا يعترف اليهود بألوهية المسيح ولا حتى بكونه نبي الله، لأنه حسب اعتقادهم لم يأتي بكافة الإشارات التي ذُكرت في العصر المسيحاني.
عودته للأرض مرة آخري
يعتقد المسلمون بعودة عيسى عليه السلام في آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة، وأنه سينزل أثناء الحرب بين المسيخ الدجال والمهدي المنتظر في بقعة من بقاع الشام وتحديداً عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، سيكون عيسى مؤمناً بتعاليم الإسلام وسينضم لجانب المهدي ويُحارب المسيخ الدجال ويقتله، عندها سيؤمن كل أهل الأرض وسيسود الإسلام وتعاليمه كافة أنحاء الدنيا.
بعد موت المهدي سيتولى عيسى عليه السلام القيادة وسيظهر في عهده يأجوج ومأجوج فيفسدون في الأرض ويأتون على الأخضر واليابس فيدعو عيسى عليه السلام أن يقبض الله أرواحهم ويستجيب له ربه ثم يسود العدل والخير لمدة 40 عام يموت بعدها نبي الله عيسى ويُدفن بجوار رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.