وحيد القرن هو حيوان غير معادي في أغلب فصائله، حيث يعتمد على عملية التغذية على تناول الأعشاب المتوفرة بموطنه، وقلة قليلة منه هي ما يمكن اعتبارها مفترسة أو مبادرة بالهجوم على الكائنات الأخرى، يتميز هذا الحيوان بضخامة جسده ووجود قرن أو قرنين متفاوتين الأطوال أعلى منطقة الأنف، وهذه القرون لا تعد ميزة للحيوان إنما هي لعنته التي يحيا بها، إذ أنه معرض إلى الانقراض وفناء نوعه نهائياً بسببها، أو بمعنى أكثر دقة وصدقاً بسبب جشع الإنسان وطمعه في الحصول عليها، مما يعرض هذا الكائن المسالم إلى عمليات صيد جائرة أقل ما توصف به بأنها إبادة غوغائية غاشمة.
أنواع وحيد القرن المعرضة للانقراض :
حيوانات وحيد القرن أو الكركدنيات أو الخرتيت هي إحدى الفصائل الضخمة من الحيوانات، والنسبة الأكبر منها تعيش في محيط قارتي آسيا وإفريقيا، ونتيجة للصيد الجائر وغير المقنن الذي تعرض له هذا الحيوان فهو مهدد بالاختفاء من فوق الأرض، ولم يتبق من الكركدن سوى خمسة فصائل فقط وجميعها مهددة بالانقراض وهي :
فصائل وحيد القرن المهددة :
- وحيد القرن السومطري : هذا النوع من وحيد القرن هو الوحيد المتبقي من جنس دايسروهينوس المنقرض، وهو يمتلك قرنين أولهما بارز وموقعه أعلى فتحتي الأنف، وثانيهما عبارة عن نتوء عظمي صغير يقفع بوسط العينين، وجسده مغطى بطبقة من الشعيرات البنية المائلة قليلاً إلى الإحمرار، ويعد السومطري من أصغر أنواع الكركدنيات إذا أن ارتفاع يبلغ حوالي 145 سم، أما وزنه فهو يتراوح في الغالب ما بين 500 إلى 1.000 كيلو جرام، في الماضي كان يتوافر هذا النوع بأكثر من أثنى عشر موقعاً حول العالم، أما اليوم ونتيجة للصيد العشوائي لم يعد يتواجد إلا بست مناطق فقط وبأعداد قليلة نسبياً.
- وحيد القرن السوندا : يبلغ ارتفاع هذا النوع حوالي 170 سم ووزنه 1.8 طناً، مما يجعله أحد أضخم الثديات الحية على سطح كوكبنا اليوم، يعرف أيضاً باسم وحيد القرن جاوة وموطنه الأصلي الغابات الأسيوية، ويقدر العلماء الأعداد المتبقية من هذا النوع بحوالي 70 كركدن، وجميعهم طليقون بالبرية ولا يتوفر هذا النوع بأي من المحميات الطبيعية، مما يجعله من أكثر أنواع وحيد القرن المهددة بخطر الانقراض.
- وحيد القرن الأسود : هو من أنواع وحيد القرن التي تألف الحياة المنعزلة وبالأخص الذكور منه، وهذا النوع يتخذ من غابات جنوب إفريقيا موطناً له، وأعداد هذا النوع في تناقص مستمر نتيجة لعمليات الصيد المحرمة التي تشن ضده باستمرار، وقد تم أسر عدد من هذا النوع ووضعه داخل محميات طبيعية في محاولة أخيرة للحفاظ على نوعه من الانقراض، وطول هذا النوع يقدر بحوالي 4 أمتار تقريباً بينما وزنه فهو في متوسط 3500 كجم.
- وحيد القرن الهندي : يعيش هذا النوع من الكركدنيات في الغابات الأسيوية وهو من أضخم الحيوانات، فيكفي القول أن هذا النوع من الكركدنيات عند ميلاده يزن حوالي 40 كجم، الموطن الأصلي لهذا النوع الغابات الأسيوية كما هو موضح من مسماه، كان ينتشر في الماضي بأعداد هائلة أما اليوم فهو كباقي ابناء فصائلة عرضة للانتهاء.
- وحيد القرن الأبيض : انقراض هذا النوع من الكركدنيات بات أمراً مسلماً به لا محالة، إذ أن إجمالي عدد الحيوانات المتبقية من نوعه تقدر بـ6 فقط، تعيش متفرقة بعدد من المحميات الطبيعية وحدائق الحيوان أشهرها إحدى محميات دولة كينيا، وحتى العام الماضي كان يتوفر من هذا النوع 7 حيوانات بينهم ذكرين، إلا أن أحد الذكرين قد نفق وعليه صارت فرص هذا النوع في التكاثر ضئيلة جداً.
السر وراء رواج التجارة :
شيء من هذا كله ما كان ليتم لولا أن تجارة عاج قرون وحيد القرن تجارة رائجة ومربحة، وهو ما يطرح السؤال المُلح حول أهمية هذه القرون بالنسبة لزبائنها، وما الأهمية القصوى لها التي تدفع البعض إلى القضاء على جنس كامل من الأحياء، ولكن الأسباب التي تمكن الخبراء من التوصل إليها قد تكون صادمة، كونها غاية في التفاهة إذا ما تمت مقارنتها بحجم الفاجعة ومنها :
- أولاً : الموروث الثقافي : حيوان وحيد القرن ينتشر بصفة أساسية في نطاق قارتي إفريقيا وأسيا، أو هكذا كان قبل أن يصيبه ما أصابه ويصبح من الكائنات الحية نادرة الوجود، على كل سبب الانتشار هذا في الماضي جعل منه جزءاً رئيسياً من الموروث الثقافي الأسيوي، وقد عقدت حوله العديد من الأساطير الشعبية نتجت عنها مجموعة من المعتقدات الخاطئة، فقرن وحيد القرن أو الخرتيت بالنسبة لشريحة كبيرة من الشعوب الأسيوية هي جالبة للحظ، كما أنها رمز للقوة والسيادة وتدفع الشرور عن أصحاب البيت، وهو ما يدفع الأثرياء منهم لاقتناء قرون وحيد القرن وحفظها بمنازلهم.
- ثانياً : التباهي : بجانب المكانة التي يشغلها وحيد القرن في الثقافة الشعبية وما يثار حوله من معتقدات، فإن ارتفاع ثمنه في حد ذاته يعد أحد عوامل جذبه والإقبال على شراؤه، إذ يقبل الأثرياء على تزيين منازلهم وجدرانها بوضع قرون هذا الحيوان محل أواني الورد، وفي المُطلق فأن تجارة عاج أنياب الفيل وكذا الخراتيت والحيوانات المحطنة تلقى رواجاً كبيراً بتلك الأوساط.
- ثالثاً : المشروبات : قد تتعجب من هذا السبب لكنه حقيقة تم إثباتها، فقرون وحيد القرن تباع في أحيان كثيرة على صورة مسحوق “بودرة”، وطبقة الأثرياء في الدول الأسيوية تتباهى بإضافة هذا المسحوق إلى مشروباتها وبالأخص الخمور الفاخرة، ويتم تقديم هذا المشروب القيم إلى أهم الضيوف كنوع من التقدير، ويعزز ذلك ما يشاع حول أن لمسحوق عاج هذه القرون فوائد صحية نادرة وبالغة.
- رابعاً : العلاج : تجارة الأدوية من أكثر التجارات المربحة على مستوى العالم، ومن ثم فإن شيوع الاعتقاد بأن قرون وحيد القرن أو بمعنى أدق مسحوقها، يساهم بفاعلية في علاج أخطر الأمراض وأعضلها أدى إلى رفع ثمنه وزيادة الإقبال عليه، وللحق فإن الأبحاث العلمية قد أثبتت صحة هذا الاعتقاد وأن مسحوق القرون يساعد على الشفاء من بعض الأمراض، لكن من يقبلون على شراؤه يبالغون في قدرته ويؤكدون على أنه واقي من مرض السرطان، ورغم أن العلم كذب هذا الإدعاء إلا أنهم يرفضون تقبل ذلك وينكرون نتيجة هذه الأبحاث الطبية.
محاولات الحد من الظاهرة :
نددت الجمعيات حقوق الحيوان بما يتعرض له حيوان وحيد القرن من صيد جائر يعرضه للانقراض، ونجحت في تحريك الحكومات والشخصيات المعنية للتصدي لهذا الأمر، وبالفعل تم عقد أكثر من اتفاقية دولية للسيطرة على هذه الظاهرة، وتم اعتبار تجارة قرون وحيد القرن تجارة محرمة مثلها كتجارة المخدرات والسلاح وغيرهما، إلا أن ذلك لم يعد بأي نفع على الحيوان المسكين ولازالت تقام له المذابح، وهو ما دفع ذات الجهات إلى محاولة التوصل لأي من الحلول الوسطية، فتم السماح ببعض البلدان بصيد وحيد القرن بعد الحصول على تصاريح رسمية من الجهات المسئولة بالدولة، وعلى أن تقتصر عمليات الصيد على العناصر الطاعنة في السن من القطيع، باعتبارها غير قادرة على التكاثر ولا فائدة من وجودها سوى أنها تشكل عبئاً على قطيعها، لكن في النهاية تظل هذه الاتفاقيات وتلك القوانين مجرد أحبار على ورق، ولم يتم تفعيل أي منها أو إدخاله إلى طور التنفيذ الحقيقي. بعض التقارير التي صدرت عن الجهات المهتمة بالحفاظ على الطبيعة، والساعة لحماية أنواع الحيوانات المحتمل تعرضها للانقراض، أكدت على أن نسبة كبيرة من الدول التي تحيا حيوانات وحيد القرن على أرضها لا ترغب في تقنين صيده، إذ أن النسبة الغالبة من هذه الدول تعاني من فقر مدقع وحالات اقتصادية غاية في التدهور والتردي، وترى في قرن هذا الحيوان ما يماثل ثروة قومية بالنسبة لها تدر ترفع من معدلات الدخل القومي، وبناء عليه فأن تهديد اندثار نوع هذا الحيوان لا يزال قائماً، ووفقاً للجهات المُصدرة لهذه التقارير فإن تقاعس الحكومات في تلك الدول عن القيام بالدور المنوط بها، يجعل من انقراض حيوان وحيد القرن في منزلة الأمر الحتمي الذي لا فرار منه.
وحيد القرن أهم من مناجم الذهب :
الصياد الراغب في اقتناص حيوانات وحيد القرن يقوم بخرق أكثر من قانون في سبيل ذلك، فنسبة كبيرة من تجار العاج العاملون على اصطياد الحيوان وسلب قرونه، يكونوا من خارج حدود البلاد التي تقع هذه الغابات في محيط سيادتها، ومن ثم فإنهم يتسللون عبر الحدود إلى دول مجاورة وهم مدجوون بالأسلحة ومعدات الصيد، وهذا أول قانون يخرقونه وإن تم كشفهم فمن سيتم سجنه منهم هو سعيد الحظ، فقد لكونه لم يصب بطلقة نارية من بنادق خفر الحدود، أما القانون الثاني الذي يتم اختراقه هو في الأصل قانون غير مفعل وهو القانون المُحريم لصيد حيوان وحيد القرن، والسؤال هنا هل حقاً الأمر يستحق كل هذا العناء الذي يتطلبه؟!، وهل المتاجرة بعظام الحيوانات بعد قتلها من الممكن أن تكون مربحة لهذا الحد المغري؟!
الإجابة على هذا السؤال للآسف الشديد هي “نعم” وهو ما لا يبشر بإمكانية إيقاف عمليات الصيد، فوفقاً للتقارير التي تم نشرها بالجريدة البريطانية “ذي صن”، فإن الكيلو جرام واحد من عظام قرون وحيد القرن في الأسواق السوداء بجنوب إفريقيا، قد تجاوزت قيمته المادية حاجز الـ 50 ألف يورو لكل 1 كجم، بينما في المقابل فأن سعر الذهب يُقدر بحوالي 31 ألف يورو فقط، مما يجعل قيمة عاج هذه الحيوانات أعلى من قيمة الذهب بنسبة تقارب الضعف، وللآسف فأن الخطر الذي يواجهه وحيد القرن ساهم في رواج هذه التجارة ورفع قيمة العائد المادي منها، إذ أنها شأنها شأن أي تجارة تحكمها قوانين السوق القائمة أساساً على العرض والطلب، ولأن الطلب على هذه القرون في تزايد بينما المعروض منها مهدد بالانقراض الأبدي، فكان ذلك سبب كافي بالنسبة للصيادين ليقوموا برفع قيمة بضاعتهم المُحرمة والنادرة.
حملات توعوية بالسوق الأول لهذه التجارة :
محاولات الجهات الداعمة لحقوق الحيوان والحفاظ على الطبيعة في التصدي لهذا الصيد لا تتوقف، ولما فشلت هذه المنظمات في إيقاف الصيد بالتوعية أو بالردع عن طريق سن القوانين، فقاموا بتغيير الاستراتيجية وبدلاً من التوجه إلى التاجر قاموا بالتوجه إلى العميل، وقام الصندوق العالمي للطبيعة المنوط بحماية البيئة والمعروف اختصاراًَ بالمسمى WWF، بتدشين حملات توعوية بدول أسيا كونها تعد أكبر الأسواق المستهلكة لقرون وحيد القرن ، وقامت هذه الحملات بتوزيع منشورات وتقديم حلقات تلفزيونية ونشر مقالات بالجرائد الكبرى هناك، جميعها تحث المستهلك الأسيوي على عدم شراء قرون وحيد القرن رفقاً بهذا الحيوان ورحمة به، وقد تم دعم هذه الحملة بمشاهد مصورة ترصد بشاعة عملية الصيد وما يلاقيه الحيوان من عذاب، كما حاولت المنظمة في ذات السياق تصحيح المفاهيم الشائعة في هذه البلدان، وإعلامهم بأن ما يشاع عن إشفاء قرون وحيد القرن للأمراض ما هو إلا محض خرافات.