حرب أكتوبر أو حرب السادس من أكتوبر أو نصر أكتوبر، جميعها مسميات تشير إلى حدث واحد من أعظم أحداث التاريخ، ألا وهو الحرب المجيدة التي شنها الجيشين المصري والسوري، ضد المحتل الإسرائيلي في أكتوبر 1937م، والتي -بفضل الله- انتصر بها الجانب العربي، ونجحت قواتنا العربية خلال حرب أكتوبر ،من استرداد أراضي سيناء المصرية كاملة مكتملة، وكذا تمكن الجيش السوري من تحرير جزء من هضبة الجولان، ولذلك يُنظر لـ حرب أكتوبر دائماً على أنها علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية، لكن في الواقع أن تلك النظرة يشوبها كثير من القصور، إذ أن الأهمية الاستراتيجية لتلك الحرب تفوق ذلك بكثير، ويكفي القول بأنها الدروس والنظريات التي تم استخلاصها منها، كانت لها تأثيرات عديدة بالاستراتيجيات العسكرية لدول الكتلتين الشرقية والغربية.
نتائج حرب أكتوبر وآثارها :
الحدث التاريخي ليس مهماً في ذاته، بل أنه يكتسب أهميته من آثاره والنتائج التي ترتبت عليه، ولهذا فإن حرب أكتوبر تعد من أهم وأبرز الأحداث التاريخية، تلك الحرب التي تعد الأولى من نوعها في زمننا المعاصر، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يشهد العالم أي حروب تقليدية أخرى، تتمثل في التحام قوتين نظاميتين على نطاق واسع، مع استخدام مختلف أشكال التسليح الثقيل والمركبات العسكرية المطورة، وحدث كذلك ما كان ليمر أبداً مرور الكرام، وما كان ليمضي دون أن يترك آثار عديدة، فما هي تلك الآثار والنتائج التي ترتبت على حرب أكتوبر ؟
انهيار الأسطورة :
صنعت إسرائيل الكذبة وظلت ترددها حتى صدقت بها، تلك الكذبة كانت هي أنها تمتلك جيش لا يُقهر، ثم جاءت حرب أكتوبر لتمثل صحوة للعرب وصفعة للصهاينة، فـ حرب أكتوبر كما أعادت للعرب بصفة عامة كرامتهم وثقتهم بقدراتهم، أيضاً كانت سبباً في انقلاب الرأي العام الإسرائيلي على حكومته، بعد أن اكتشف مدى ضعف قواته المسلحة وهشاشة تحصيناته، وأن ما تم ترويجه بوسائل الإعلام عن قوته الخارقة وأنه لا يقهر، لم يكن سوى مجموعة من الأكاذية الواهية، التي لم تلبث حتى أنهارت ودهست تحت أقدام عابري القناة.
تفوق العنصر البشري :
كانت حرب أكتوبر سبباً في تغيير بعض القناعات والقواعد الاستراتيجية في زمنها، ومن أهم تلك القواعد هي أن الآلات الحربية تضمن التفوق العسكري، فقد كان الاعتماد الرئيسي للجانب الإسرائيلي على المدرعات الحربية، وكان الفكر الاستراتيجي لقادته يولي اهتماماً كبيراً بالدبابات والطائرة المقاتلة، حتى وإن كان ذلك على حساب أقسام الجيش الأخرى، ولكن معارك حرب أكتوبر أثبتت أن الإنسان هو المتحكم في الآلة لا العكس، فرغم تفوق الجانب الإسرائيلي على الجان المصري من حيث العتاد الثقيلة، إلا أن الجيش المصري تمكن في النهاية من هزيمته هزيمة نكراء، وقد نتج ذلك عن الاهتمام بكافة أسلحة الجيش وتضافرهم معاً، كما كان الشائع قبل حرب أكتوبر أن الدبابة سلاح لا يقهر، أي أنه لا يمكن أن يتم تدمير دبابة إلا بواسطة دبابة أخرى، وتلك القاعدة أيضاً قُتلت بقيام حرب أكتوبر ،حيث تمكن الجيش المصري من تدمير كم هائل من دبابات العدو، وذلك بالاعتماد على الصواريخ المضادة للدبابات وجنود المشاة.
المفاوضات وليس السلاح :
لسنوات عديدة اعتمدت الإدارة الإسرائيلية في سياستها على مبدأ “الأمر الواقع”، لكن بعد حرب أكتوبر وتحقيق الجيش المصري للنصر، وتمكنه من استرداد أراضي سيناء المحتلة، قُلِبت كافة الموازين وأثبت خطأ عِدة مفاهيم وقواعد، ومنها أن مبدأ فرض الأمر الواقع، والتوسع الجغرافي المتوحش بالجور على أراضي الدول، لا يحققان أمن حقيقي ولا يضمنا تحقيق الاستقرار، ومن ثم انتبه العالم أجمع إلى أن التدخلات السياسية قد تحقق نتائج أفضل من التدخلات العسكرية، ومن هنا كانت بداية البحث عن حل سياسي للصراع العربي الإسرائيلي، مما يعني أن رفع شعار نعم للمفاوضات لا للسلاح، هو أحد أهم النتائج التي جاءت مترتبة على قيام حرب أكتوبر المجيدة.
عنصر المفاجأة والبيئة الصحراوية :
حرب أكتوبر لم يواجه فيها الجيش المصري عدوه الصهيوني فقط، بل واجه خلالها العديد من العقبات والعراقيل، وتمكن بفضل الله من تخطيهم جميعاً محققاً النصر العظيم، ومن ضمن هذه العقبات هو طبيعة البيئة التي دارت بها المعركة، حيث أن شبه جزيرة سيناء المحتلة آنذاك من جيش إسرائيل، تمتاز بطبيعتها الصحراوية المكشوفة، ووفقاً للدراسات العسكرية التي أجريت خلال حقبة الستينات، رأى الباحثون استحالة اعتماد أي جيش نظامي على عنصر المفاجأة في الحروب الصحراوية، رغم أن ذلك كان قد تحقق بالفعل في حروب سابقة، منها بعض معارك الحرب العالمية الثانية، ولكن الخبراء العسكريين رأوا أن التطور التكنولوجي سيحول دون تكرار ذلك، فوسائل الاستطلاع الجوي والفضائي سترصد أي حركة تتم ضمن عراء الصحاري، ثم جاءت حرب أكتوبر لتثبت لتدمر تلك القاعدة تدميراً.
كانت تقارير الاستخبارات جميعها، تؤكد على عجز العرب عن مباغتة جيش الصهاينة، وسبب ذلك كان ما يُشاع عن التطور الذي بلغته أجهزة المراقبة الإسرائيلية، ومدى الكفاءة التي بلغها جهاز الموساد الاستخباراتي، ولكن تلك الأكاذيب جميعها انهارت على يد المخططين لـ حرب أكتوبر ،حين تمكنوا من مباغتة الجيش الإسرائيلي المحتل، ضمن ساحة معركة صحراوية ومساحتها ضيقة نسبياً، وذلك تحقق من خلال عِدة عوامل هي:
- بدء الهجوم في وضح النهار وهو أمر كان يستحيل تخيله.
- اختيار يوم عيد الغفران كموعد لعبور القناة، حيث كان اليهود منشغلون بالأجواء الاحتفالية.
- تمرير بعض المعلومات إلى المخابرات الإسرائيلية، تفيد بعجز مصر عن عبور القناة وعدم قدرتها على خوض الحرب.
سلاح النفط :
اندلاع الحرب العالمية الأولى كان سبباً في تسابق دول العالم نحو التسليح، وخلال فترة وجيزة شهدت نظم التسليح عمليات تطوير عديدة، ومنذ ذلك الحين أرادت دول العالم الغربي أن تضمن تفوقها العسكري دائماً، وحققت ذلك من خلال احتكارها للصناعات الحربية، وحظر امتلاك بعض أنظمة التسليح على دول الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية، لكن عند اندلاع حرب أكتوبر تفاجيء العالم بامتلاك العرب سلاح يفتقده الحرب، ذلك السلاح هو سلاح النفط، حيث أعلن عدد كبير من الدول المنتجة والمصدرة للنفط عن تضامنها مع مصر وسوريا في حربهما، وامتنعوا عن تصدير النفط إلى الدول المؤيدة للجيش الصهيوني، الأمر الذي شَكّل ضربة قاصمة للاقتصاد الغربي آنذاك، كما أن ذلك الضغط ساهم بشكل غير مباشر في تحقيق نصر أكتوبر، حيث امتنعت شركات الطيران المدنية عن الانضمام إلى أسطول الجسر الجوي، الذي أقامته الولايات المتحدة لإمداد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة خلال حرب أكتوبر ،وذلك خشية مقاطعة الدول العربية لها وعدم تزويدها بالطاقة اللازمة لتشغيل طائراتها مستقبلاً.
كشف الوجه الأمريكي القبيح :
نزعت حرب أكتوبر القناع الزائف عن وجه إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الإدارة الأمريكية التي طالما تحدثت عن حقوق الشعوب في استرداد أراضيها، وادعت بأنها تتخذ مواقفاً محايدة فيما يخص صراعات الشرق الأوسط، لم تتمكن من الاستمرار في تلك المسرحية الهزلية طويلاً، وفور قيام حرب أكتوبر وإظهار المؤشرات التوفق العسكري المصري، سارعت أمريكا بإقامة جسراً جوياً بينها وبين الجانب الإسرائيلي، وذلك لتعويضه عما خسره من معدات وطائرات ودبابات، وتمت إقامة ذلك الجسر بشكل غير ملعن بداية من خامس أيام حرب أكتوبر ،ثم كان بشكل رسمي ومُعلن ابتداءً من تاريخ 13 أكتوبر 1973م، وسميت هذه العملية باسم عملية نيكل جراس، واستخدمت في شحن المعدات العسكرية طائرات سي 5 وسي141.