من المعلوم أن البذور جزء رئيسي من تكوين أي من أنواع النبات، ولكن هذا التعريف مصاب بالعوار وبه الكثير من الإجحاف بحق البذور ،فهي ليست مجرد جزء بل أنها الجزء الأساسي والأولي، وتشكل منفردة الخطوة الأولى في عملية إنبات الزهور أو الثمار، فما المميز في هذه الحبات الخرزية الدقيقة يمنحها هذه القدرة، ولماذا لا توجد نبتة واحدة تخلو منها؟، وما الدور الذي تؤديه في عملية طرح النبات، والأهم هل أهميتها تقتصر على مساهمتها في عملية الإنبات أم تمتد لأكثر من ذلك؟
ماهية البذور :
البذور هي إحدى الأجزاء المكونة للنبات، وفي علم النبات تعرف البذرة على أنها الجزء الحامل لمسئولية انتشار وتكاثر النبات، والحفاظ على نوع الثمرة أو الزهرة من الاندثار والاختفاء من الوجود، بالإضافة إلى أن البذور في النبات تعد بمثابة مخزناً للطاقة والغذاء، والذي يحتاجه النبات خلال مراحل الإنبات الأولية.
البذور بشكل أوضح :
علماء النبات يوضحون دور وماهية البذور بشكل أوضح فيقولون: إن بذور النبات ما هي إلا بويضة مخصبة تكون قد تكونت في الأساس من مبيض الزهرة، وهي المسئولة عن إنتاج أجيال متتابعة من نفس جنس ونوع الزهور، كونها هي العامل الأول المؤدي إلى حدوث عملية التكاثر في النبات، وفي تعريف آخر يُقال أن البذرة هي عبارة عن نبات في حد ذاتها، ولكن نبات في صورة أولية يرمز إليه بمسمى النبات الجيني، نسبة إلى الجين الذي تحتوي عليه هذه البذور والذي يؤدي إلى تخليق النبتة، كما تحتوي البذرة على نسبة من المواد الغذائية الممدة بالطاقة للنبات، وتنقسم البذرة من حيث موضع وجود هذا الغذاء إلى نوعين رئيسيين هما :
النوع الأول : يكون اختزان المواد المغذية في البذرة ذاتياً، بمعنى أنه يكون جزءاً منها تتضمنه البذرة في داخلها، وعادة يكون محل اختزان هذا الغذاء بالجزء المسمى بالفلقتين، ويكون ذلك ظاهراً في تضخم الفلقتين نتيجة امتلاءهما بالمادة، وتسمى البذور التي تتخذ ذلك الوضع علمياً بـ البذرة اللاإندوسبيرمية، أما النباتات التي تنتج عنها فتعرف باسم النبات ثنائي الفلقة أو الماغنوليات.
النوع الثاني : تكون المادة الغذائية بالنوع الثاني منفصلة عن البذرة ، ويتم اختزانها في جزء منفصل يماثل الفلقتين في النوع الأول، وهو نسيج خاص يُعرف علمياً بمسمى الإندوسبيرم أو سويداء البذرة، وفي هذه الحالة فأنها تصنف كبذور إندوسبيرمية.
- سويداء البذرة (Endosperm) عبارة عن نسيج يتم إنتاج داخل البذرة ،ويكون ذلك خلال الفترة التي تسبق عملية الإخصاب مباشرة، وتقريباً النسبة الغالبة من النباتات المزهرة تحتوي على نسيج سويداء البذرة، وتقوم سويداء البذور بإحاطة الجين الذي تحتوي البذور عليه، ومن ثم تمده بما يحتاج إليه من غذاء متمثلاً في مادة نشوية، وفي بعض أنواع المزروعات تكون السويداء محتوية بجانب النشاء على البروتينات والزيوت.
دورها المحوري :
البذور هي وحدة البناء الأولي في كافة أنواع النبات، هي المسئولة عن مواصلة إنتاج هذا النوع مما يعني أن عدم توفرها يعني أنعدام ذلك النوع، فـ البذور يتم الحصول عليها من قلب الثمار بعد نضجها، والثمار الناضجة تنبت في الأساس عن طريق البذور ،وهذه العملية الدورية التناوبية تتم من منذ عرف الإنسان الزراعة وحتى اليوم، وباختصار يمكننا القول بأن تلك البذور المتناهية الصغر، هي ما يؤمن للإنسان غذاءه النباتي وتوفره له، واستمرار الحياة البشرية يعتمد بشكل أساسي على توفر البذور
ما المقصود بسكون البذور ؟
سكون البذور هي مرحلة تمر بها البذرة بغض النظر عن نوعها، ويقصد بهذه المرحلة مدى قدرة بذور النبات على تأجيل دخولها طور الإنبات، وتتخذ البذرة وضع السكون لفترات متفاوتة إلى أن تتوفر لها الظروف البيئية الملائمة لعملية الإنبات، وتشتهر حالة السكون لدى البذور التي تتوافر في البيئات الصحراوية أو المناطق الباردة، حيث أن الظروف المناخية لا تكون ملائمة دائماً لقيام البذرور بآلية الإنبات، وهذا يعد أحد نوعي سكون البذور ،أما النوع الثاني فهو لا يتعلق بالبيئة الخارجية إنما يتعلق بمجموعة عوامل داخلية في تكوين البذرة ،إذ يكون نمو البذرة غير مكتمل وبالتالي تعجز عن القيام بعملية الإنبات الطبيعية، وهذا النوع ينقسم إلى شقين :
الشق الأول : يعرف باسم سكون البذور الأولي ويقصد به حالة البذرة خلال النضج، حيث أن بذرة النباتات تنضج بشكل تدريجي وهي لا تزال في قلب النباتات، وحتى يتم نضجها بشكل كامل تعتبر هذه حالة من حالات السكون.
الشق الثاني : يعرف باسم سكون البذور الثانوي وهو يعد بمثابة سكون أبدي، حيث تكون هذه البذور قد فصلت عن النبات قبل اكتمال نضجها، ويكون المتسبب في ذلك الأحوال البيئية المحيطة بالنبات.
كيف تتم عملية الإنبات ؟
البذور هي العنصر الأساسي لحدوث عملية إنبات المزروعات بكافة أنواعها وأشكالها، وبعد عملية غرس البذرة مع توفير بيئة مناسبة، تتضمن العوامل المساعدة على الإنبات والمساهمة في حدوثه، ينتفج الجين داخل البذور للحد الذي يؤدي إلى تمزق الجزء المعروف باسم القصرة، وتتم عملية الانتفاخ والتمزق هذه بالقرب من الجذير، الذي يتمدد ويستطيل إلى الأسفل متجهاً إلى عمق التربة، بينما جزء النبات المسمى باسم السويقة فتتنامى في الاتجاه المعاكس، أي تكون السويقة متجهة إلى الأعلى نحو سطح التربة حاملة معها الفلقية، وتكون متخذة وضع مائل قليلاً إلى الانحناء لمنع الفلقية من الاحتكاك المباشر بالتربة، ومع الوقت تخترق هذه الأجزاء سطح التربة لتبدأ المرحلة الثانية من النمو، فالجذير الذي بدء من البذور يتمادى في النمو أسفل سطح التربة، ويتفرع رويداً رويداً ويتشعب متحولاً إلى المجموع الجذري، أما الجزء العلوي من النبات فيبدأ في الإخضرار وإنبات الأوراق بنفس معدلات نمو الجذر، وبذلك تصبح النبتة جاهزة لاتخاذ أطوار النبات المختلفة وصولاً إلى الطور النهائي، والذي يتم فيه تفتح الأزهار أو نضوج الثمار بحسب نوع البذرة المغروسة.
أهميتها الاقتصادية :
أهمية بذور النبات في حياتنا لا تتوقف فقط عند حد كونها عامل استمراري، أي أنها الضامن الوحيد لاستمرار إنتاج الأرض لنفس النوع من النبات، بل أن لها استخدامات كثيرة وتمكن الإنسان من استغلال البذور في أغراض أخرى عديدة، ومن صور هذا الاستغلال لـ البذور وما يمكن إنتاجه بواسطتها ما يلي:
أولاً: البذور مصدر غذائي : بلايين البشر في مختلف بقاع الأرض يعتمدون على البذور كمصدر رئيسي للغذاء، فيكفي القول بأن الغلال المختلفة التي تشكل الطبق الرئيسي بوجبة الغذاء هي من البذور ،الأرز والشوفان والذرة كل هذه الأنواع تعد حبوباً غذائية، كذلك القمح الذي يعد الغذاء رقم واحد عالمياً يعد من البذور الغذائية، وهذا كله بجانب البذور البقولية مثل الفاصولية والبازلاء والفول بمختلف أنواعه.
ثانياً : الصناعات الغذائية : البذور كما هي مصدر للغذاء في ذاتها فهي أيضاً تدخل في الصناعات الغذائية، فزيوت الطعام مثل زيت عباد الشمس والزيوت النباتية تستخلص أساساً من البذور ،كذلك المسلى الصناعي والمواد الدهنية تدخل البذور في عملية تصنيعها، والتوابل المختلفة مثل الفلفل والخردل ومشروبات القهوة ومشتقاتها، جميعها مواد غذائية أما تستخلص من البذور أو أنها بذور في حد ذاتها.
ثالثاً : صناعات أخرى : المواد الصبغية وملمعات الجلدية والمواد اللاصقة كلها يتم إنتاجها من البذور النباتية، وبعض الصناعات الدوائية أيضاً تستخدم في تركيباتها بعد استخلاصات البذور ،وهذا مجرد مثال على الصناعات العديدة التي تقوم أساساً على إنتاجات البذور