تعتبر ليلة القدر أهم الليالي المقدسة في الدين الإسلامي، فقد خص الله تعالى المسلمون بفضائلها العظيمة، ومنحهم فرصة للتوبة والغفران والعتق من النار إذا أقاموا هذه الليلة وتضرعوا إليه طالبين عفوه ومغفرته، لكن أهميتها لا تقتصر على فضائلها العظيمة فقط، بل في كونها أول ليلة نزلت فيها آيات الوحي الحكيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك كانت أخير وأعظم الليالي المباركة حتى أن الله تعالى خصها بالذكر في القرآن الكريم بأكثر من موضع، ونزلت سورة كاملة في فضائلها، لهذا أردنا أن نلقي الضوء على هذه الليلة المباركة ونتعرف عليها أكثر في هذا المقال.
لماذا تُعتبر ليلة القدر أفضل الليالي وما فضائلها؟
سبب تسميتها بليلة القدر
ورد في ذلك العديد من الأقوال والتفاسير الاجتهادية عن سبب تسمية هذه الليلة بليلة القدر، وأهم هذه التفاسير وأكثرها قبولاً هي ما يلي:
-
الرأي الأول
استند هذا التفسير إلى أن كلمة القدر معناها الشرف والرفعة والمكانة العالية، بالتالي جاءت تسميتها ملائمة تماماً لفضائلها العظيمة، ففيها تُغفر الذنوب وتُستر العيوب وتنزل الطمأنينة بقلوب المسلمين.
-
الرأي الثاني
هذا الرأي يعود للخليل بن أحمد واستند فيه إلى أن القدر معناها الضيق، بالتالي سُميت ليلة القدر بهذا الاسم لأن الأرض تضيق من كثرة الملائكة التي تتنزل إليها من السماء “تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر”.
-
الرأي الثالث
هو تفسير بن قتيبة وذهب في تفسيره إلى أن القدر معناها الحكم أو التقدير، وذلك لأن ليلة القدر تُقدر فيها الأرزاق وتحدد فيها أقدار العام القادم.
-
الرأي الرابع
وهو رأي علي بن عبد الله، حيث يرى أنها سُميت بذلك نسبة لنزول القرآن الكريم فيها وهو كتاب ذو “قدر” ومكانة عظيمة.
فضائل ليلة القدر
فضائل هذه الليلة الكريمة لا تُعد ولا تُحصى، فمن أدركها وأقامها حق إقامتها كمن قام ألف شهر بل كان ثوابه أعلى وأعظم عند الله تعالى، ومن أهم فضائلها ما يلي:
-
خير من ألف شهر
أي أن القيام في ليلة القدر يكون ثوابه عند الله تعالى أفضل من عبادة ألف شهر، ويُفضل فيها الدعاء والتضرع وطلب العفو والمغفرة، إلى جانب المطالب والدعوات الدنيوية من توسعة الرزق ودرء المصائب وطول الأجل وغيرها مما يتمناه العبد، فمن أدركها وخشع حق الخشوع لله تعالى أُجيبت دعوته.
-
ليلة الرحمة والبركات
هذه الليلة ينزل فيها جبريل عليه السلام ومعه كوكبة عظيمة من الملائكة، فتحل البركة والرحمة والسكينة على أهل الأرض ويستغفرون للقائمين ويُحيطون بحلقات الذكر وطلاب العلم حتى طلوع الشمس.
-
ليلة السلام
وذلك لقوله تعالى “سلام هي حتى مطلع الفجر”، وتفسير الآية هنا يُوجد فيه قولان، احدهما أنها ليلة سلام أي لا يحدث فيها داء ولا يوسوس فيها شيطان، والآخر أنها خير وبركة.
-
فيها غفران للذنوب
ليلة القدر من الليالي التي تُغفر فيها الذنوب وترفع فيها الدرجات ويُعتق فيها العباد من شر جهنم وحرّها، لكن بشرط أن يقومها المسلم محتسباً الثواب والأجر وموقناً بالإجابة ومحسناً الظن بالله، مؤدياً ما عليه من عبادات لوجهه تعالى لا طلباً لرياء ولا سُمعة.
علامات ليلة القدر
ليلة القدر ليست ثابتة ولا معروفة على وجه التحديد، فادعاء البعض أنها ليلة السابع والعشرون من شهر رمضان المبارك لا تدعمه أي أدلة صريحة، لكن الثابت في الدين الإسلامي أنها واحدة من الليالي الفردية في العشر الأواخر من الشهر الكريم، أي يُمكن أن تكون أي ليلة من 21، 23، 25، 27، 29، ويُستدل عليها بعدة علامات كما يلي:
-
شكل الشمس
تحري شروق الشمس هو أول علامات ليلة القدر، فالثابت أن قرص الشمس يظهر في بداية النهار بلا شعاع حتى أن الناظر إليها لا تتأذى عينها، ويميل لونها للبياض أو يكون احمر ضعيف وحرارتها لا تؤذي، كما أن ليلة القدر تكون معتدلة الحرارة، ليست باردة ولا حارة سواء صادفت فصل الشتاء أو الصيف.
-
ضياء السماء
في هذه الليلة تكون السماء مضيئة بشكل واضحة للعيان، وتكون صافية لا غيوم بها ولا تتساقط فيها الشهب لعدم إرسال الشياطين، كما تسكن فيها العواصف والرياح الشديدة ويعتدل فيها الجو، وتنزل السكينة والطمأنينة بالقلوب.
ما لا يصح من علامات ليلة القدر
هناك بعض العلامات التي انتشرت بين العامة على أنها من دلائل ليلة القدر، لكنها غير صحيحة ولم يرد بها أي حديث أو آية قرآنية، أشهرها ما يلي:
-
سجود الأشجار
يدعي البعض أن الأشجار تنحني في هذه الليلة حتى تصل للأرض كأنها تسجد ثم تعود مرة أخرى.
-
نباح الكلاب
يُقال أن ليلة القدر لا تنبح فيها الكلاب من غروب الشمس وحتى مطلع الفجر وهذا غير صحيح.
-
طعم المياه
يظن البعض أن المياه المالحة يتحول طعمها للعذوبة في هذه الليلة، لكنه غير صحيح أيضاً.
-
سماع تسبيح الملائكة
يدعي البعض أن ليلة القدر تظهر فيها أنوار الملائكة بشكل واضح ويُمكن سماع تسبيحهم وتسليمهم وهذا غير صحيح قطعاً.
معرفة ليلة القدر
رغم ورود علامات ودلالات على ليلة القدر، إلا أن معرفتها على وجه التحديد ليس أمراً ضرورياً، فقد أُمرنا أن نتحراها في الأوتار الأخيرة من شهر رمضان المعظم، ونقوم لله خاشعين قانتين راجين أن نُدركها، مهما كان وقتها، فربما يكون من أدركها وقامها دون أن يدري أعظم أجراً عند الله تعالى.