مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأعوام الخمسة الماضية، أصبحت هي صاحبة السيادة على شبكة الإنترنت، فقد سجلت في زمن وجيز عِدة أرقام قياسية، سواء بأعداد مستخدمي هذا النوع من المواقع، والذي هو في تضاعف مستمر وتزايد شبه يومي، أو من خلال العائد المادي الهائل الذي تحققه، مما يعني أن مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة تستحق التوقف عندها، والبحث عن العوامل التي ساهمت في إكتسابها تلك الشهرة وذلك الانتشار.
مواقع التواصل الاجتماعي وسر شهرتها :
بالنظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي بشيء من التدقيق، سنجد أنها تملك العديد من الخصائص التي تميزها، وتنفرد بها عن غيرها من المواقع الأخرى، الأمر الذي أدى إلى انتشارها السريع وتحقيقها تلك الشهرة الفائقة، وتلك العوامل المميزة لها يمكن أن نوجزها في الآتي:
وسيلة للتعبير عن الرأي :
من بين العوامل المميزة لـ مواقع التواصل الاجتماعي ،والتي كانت سبباً في شهرتها وانتشارها، ومضاعفة أعداد مستخدميها خلال فترة وجيزة، هو أن مواقع التواصل الاجتماعي أو بمعنى أدق النسبة الغالبة منها، تعد منابر مجانبية لإبداء الرأي وإعلانه على الملأ، وذلك لأسباب عديدة ومتباينة، ففي الدول القمعية التي تُحكم من قبل أنظمة ديكتاتورية، يجد أفراد الشعب في هذا النوع من المواقع، وسيلة للتنفيس عن غضبهم والإعلان عنه ولو بمجموعة كلمات قليلة، وما يؤكد ذلك هو أن بعض الحكومات، قد أصدرت قراراً بحجب عدد من مواقع التواصل الاجتماعي ،باعتبار أن المحتوى الذي يُنشر عليها تحريضي ويهدف إلى إثارة الجماهير.
وسيلة ترفيهية :
كما سبق وذكرنا فإن الفئة العمرية الأكثر استخداماً لـ مواقع التواصل الاجتماعي ،هي الفئة المنتمية إلى مرحلة المراهقة، وبالتالي فمن البديهي أن يكون الترفيه أحد أبرز وأهم وسائل الجذب، بل أن بعض الخبراء يرون أن أكثر من 90% من المستخدميين الحاليين لـ مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها، حين سجلوا اشتراكهم الأول بهذا النوع من المواقع، كان سعياً وراء الترفيه والحصول على أوقات ممتعة ليس إلا، حتى وإن اختلفت نظرتهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي فيما بعد، وصارت تمثل بالنسبة لهم شيء يفوق في أهميته وسائل الترفيه.
الثقافة والمعرفة :
هذا لا العامل لا يشكل فقط وسيلة جذب للمستخدمين، أو مجرد سبب ساهم في خلق الشهرة التي حققتها مواقع التواصل الاجتماعي ،بل أنه يعد من بين مميزات هذا النوع من المواقع، والعامل الأساسي الذي يُوجد لها أهمية ويخلق لها مكانة، فصفحات مواقع التواصل الاجتماعي على وجه العموم، والموقع الأشهر فيس بوك facebook على وجه الخصوص، تنتشر عليهم عدد لا نهائي من الصفحات المعنية بأمور الثقافة والمعرفة، منها ما هو متخصص في مجال محدد، ومنها ما يتسم بطابع أكثر شمولية، وفي النهاية فإن صفحات مثل هذه تقدم لمستخدميها خدمة مجانية، فالقائمون عليها يهتمون بتغذية الصفحة وإمدادها بكل جديد، سواء مقالات علمية أو كتب مترجمة أو مقاطع فيديو شارحة وغير ذلك.. وبالتأكيد هذه الصفحات وخاصة المتخصص منها، يُغني مستخدمها -في كثير من الأحيان- عن عملية البحث، إذ أنها تقوم بعملية جمع لأكبر قدر من ممكن من المعلومات، وتقوم بعرضه في مكان واحد بواسطة أكثر من وسيلة معرفية، مثل المواد المقروءة أو عرض الفيديو أو التسجيل الوثائقي.. إلخ.
غياب الرقابة المجتمعية :
مواقع التواصل الاجتماعي ليست منبراً للآراء السياسية فقط، بل إنها وسيلة للإعلان عن الرأي أيا كانت طبيعته، وآلية يمكن من خلالها افتتاح النقاش حول أي موضوع، والسر في أن غالبية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ،ينتمون إلى الشريحة العمرية ما بين 15 : 25 عاماً، هو أن المراهق يجد في هذا النوع من المواقع، ملاذاً يهرب إليه من رقابة الكبار، ويتحرر فيه من عادات المجتمع وتقاليده الصارمة، وفي أحيان كثيرة يعلن رفضه لها وتمرده عليها، وبحسب علماء الاجتماع أن الأشخاص من هذا النوع، يكون تأثيرهم على أرض الواقع شبه منعدم، ومن غير المتوقع أن يحدثوا تغييراً حقيقياً مستقبلاً، إذ أن اتجاههم إلى مواقع التواصل الاجتماعي ،لم يكن سوى عملية هروب من الواقع، بعد أن فشلوا في مواجهة مجتمعاتهم بسبب خوفهم من الاصطدام مع ثوابته.. ذلك الأمر هو أحد النتائج السلبية لـ مواقع التواصل الاجتماعي ،لكن لا يمكن إغفال أنه أحد العوامل التي قادت إلى انتشارها في زمن قياسي.
الإعلام البديل :
نحن الآن نعيش في ظل عالم مفتوح، حيث لا شيء مخفي ولا شيء مجهول، وكان لابد أن تواكب وسائل الإعلام التقليدية ذلك التطور، وتصبح أكثر شفافية ووضوحاً ونقلاً للحقائق، إلا أن ذلك -للآسف- لم يحدث في كثير من البلدان، وبصفة خاصة مجموعة من الدول العربية ودول قارة إفريقيا، حتى ظهرت وسائل و مواقع التواصل الاجتماعي ،لتصير بديلاً للإعلام الذي فشل في اكتساب ثقة متابعيه، فاليوم وبفضل شبكة الإنترنت بصفة عامة و مواقع التواصل الاجتماعي خاصة، نقل الخبر وانتشاره لم يعد يستغرق أكثر من دقائق، علاوة على أن الإعلام الإلكتروني يتفوق على الإعلام المقروء التقليدي، إذ أنه عادة يورد الخبر موثقاً بمقاطع صوتية أو مصورة، وذلك كان من العوامل الرئيسية التي جذبت الناس إلى مواقع التواصل، خاصة في أعقاب ثورات الربيع العربي، والتي أعادت الجماهير إلى الاهتمام بالأوضاع السياسية مجدداً، وجعلتهم أكثر حرصاً على متابعة الأخبار والتطورات، ويجب أن نشير هنا إلى أن إعلام مواقع التواصل الاجتماعي، هو في النهاية سلاح ذو حدين، وفي بعض الأحيان استغلته أطياف معينة لترويج الشائعات وإثارة الفتن، إلا أن ذلك في النهاية لا يقلل من قدره، ولا يحد من الكفاءة التي أثبتها والنجاح -منقطع النظير- الذي حققه.
مشاركة الاهتمامات :
أيقونة Share ليست مجرد خاصة تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي ،بل إنها ركيزة من الركائز الأساسية التي تقوم عليها، ويعد مبدأ المشاركة وإتاحة هذا النوع من المواقع له، من العوامل التي ساهمت في جذب المستخدمين إليها، والأسباب التي أدت إلى تحقيقها ذلك الانتشار السريع.. فإن كنت تمتلك هواية معينة مثل القراءة أو الرسم، ستجد مجموعات مخصصة لهذا الغرض، من خلالها يمكن الالتقاء مع من يشاركونك نفس الاهتمامات، كذلك إن كنت من محبي السينما أو الرياضة أو غيرها من المجلات، ستجد صفحات ومجموعات مماثلة تقدم لك كل جديد يخص هذا الشأن.
منافاة الأخلاق والدين :
أسباب نجاح مواقع التواصل الاجتماعي وانتشارها، للآسف لا يمكن القول بأن جميعها إيجابية، بل إن هناك أكثر من عامل سلبي أدى لذلك، ومن بين تلك العوامل هو إمكانية تنظيم وممارسة أنشطة ونقاشات مفتوحة، تنافي في جوهرها تعاليم الدين وتخالف الأخلاق والعُرف، فقد وجد أصحاب الدعوات الشيطانية ضالتهم في تلك المواقع، حيث أحكام التقاليد المجتمعية لا تسري عليها، وتصعب مراقبتها وتتبعها من قبل الأجهزة الأمنية، ومن قاموا بتدشين صفحاتهم على هذه المواقع، ومن خلالها بدأوا في بث أفكارهم المسمومة في محاولة اجتذاب المزيد، مثال على ذلك الصفحات الإباحية التي تنتشر على مواقع التواصل، وكذلك دعوات الإلحاد والصفحات المروجة لأفكاره ونظرياته، سنجد هناك العديد منها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
مجموعات العمل المغلقة :
تنظيم الاجتماعات بين المجموعات العاملة على مشروع واحد، في الماضي كان أمر بالغ الصعوبة والتعقيد، خاصة إذا كانت تلك المنطقة تقطن بمناطق متباعدة، وربما تكون تسكن ببلدان مختلفة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت الحل لتلك المشكلة، حيث توفر لمستخدميها تدشين مجموعات أو غرف إلكترونية مغلقة، تقتصر عضويتها على مجموعة العمل فقط، ولا يمكن لأي شخص سوى الأعضاء الاطلاع على المحتوى المنشور بها، وبتلك المجموعات يدور النقاش حول آليات العمل وكل ما يخصه.