النمر الأبيض يصنف بين الحيوانات عامة والسونريات خاصة بتصنيف غريب، فهو يصنف كحيوان غامض، وذلك لأن من الصعب على علماء الأحياء والطبيعة، متابعة سلوكه في الحياة البرية، هذا بعكس السنوريات الأخرى التي تسهل مراقبة حياتها في الغابات، وتناولها بالدراسة والبحث وخلافه، وذلك الغموض الذي يحيط بسلوك النمر الأبيض في موطنه الأصلي، وذلك بسبب صعوبة ملاحقته ومراقبته في موطنه الأصلي بالبرية، ومُسببات ذلك بالغة التعدد، وهي ما سنتعرف عليه معاً خلال الفقرات التالية.
النمر الأبيض بين صعوبة الملاحقة وتحدي البقاء :
النمر الأبيض هو حيوان لاحم ينتمي إلى فصيلة السنوريات، يتميز بصفاته الجسدية والشكلية بالغة التميز، فهو يمتاز بضخامته والفراء الأبيض ذو الخطوط السوداء الكاسي لجسده، وكذلك عيناه الزرقاوان اللامعان دوماً ببريق آخاذ وشرس في آن واحد،
أولاً : النمر الأبيض وصعوبة ملاحقته :
النمر الأبيض من الحيوانات التي يصعب رؤيتها ودراستها في مواطنها الأصلية، وذلك لعدة أسباب هي:
أ) انخفاض الأعداد :
بالحديث عن ملاحقة النمر الأبيض في البرية الطبيعية، وصعوبة الوصول إليه وإخضاعه للمراقبة عن بعد، ومن ثم دراسة سلوكياته، فلا يمكن تجاهل عامل انخفاض أعداد هذا النوع من الضواري، حيث أنه مصنف كأحد الكائنات الحية المحتمل أن تقع تحت طائلة ظاهرة الانقراض ،وقلة اعداد هذا النوع يُصعب على باحثي الأحياء العثور عليه في بيئته الطبيعية.
والسبب في انخفاض أعداد النمر الأبيض إلى هذا الحد، هو ذات السبب الذي جعل الفهد مهدد بالانقراض وكذلك وحيد القرن، وهو الصيد الجائر والعشوائي الذي يمارسه الإنسان، وقد بدأ صيد النمور البيضاء في القرن التاسع عشر حين كانت تتوافر بكثرة، وذلك طمعاً في الاستحواذ على الفراء السميك لهذا النوع من الحيوانات، واستغلاله في العديد من الصناعات، وقد سعت الجمعيات المنادية بحماية الطبيعة والحيوان إلى الحفاظ عليه، ويتوافر حاليا على كوكب الأرض حوالي 5000 : 7000 نمراً فقط من هذا النوع، جميعهم يحتفظ بهم في حدائق الحيوان والمحميات المُعدة لهم بهدف حمايتهم من غوغائية الجنس البشري.
ب) الانعزال :
النمر الأبيض يتشارك هذه الصفة مع النمر العربي، فكلاهما من الحيوانات التي يصلح وصفها بإنها حيوانات منعزلة، تنشط عند الخروج في رحلات صيد الفرائس للتغذية، أما في الحالات الآخرى فهي غالباً ما تلوذ بكهوفها ومكامنها، وإذا أضفنا ذلك العامل إلى عامل الندرة، فسنجد إن المنطق يقول بإن العثور علي أحدها أمر بالغ الصعوبة، وأشبه ما يكون بالتفتيش عن إبرة في قومة من القش، خاصة وإن البيئة التي يقطنها البير الأبيض أو النمر الأبيض، تشغل مساحات شاسعة جداً من الأراضي.
جـ) التمويه :
قدرة النمر الأبيض التي يمتاز بها وتمكنه من صيد فرائسه، هي ذات القدرة التي تجعل من رؤيته في البرية أمر بالغ الندرة والصعوبة، فـ النمر الأبيض أو الرمادي وصفته بعد الفرق البحثية بالحرباء، وذلك بعد أن قاموا بصعود الجبال وهبوطها عدة مرات بحثاً عنه، وفي كل مرة لم يحققوا سوى الفشل، فتقارب الألوان بين جسد النمر الأبيض والبيئة التي يعيش وسطها، تسهل عليه عملية التخفي، وبالتالي تصعب على البحاثين رؤيته وملاحقته في البرية.
د) طبيعة الموطن :
مراقبة حياة الحيوانات والطيور في البيئات الطبيعية هو أمر بالغ الصعوبة، ولعلك شاهدت الأفلام التسجيلية الراصدة لمهمات العلماء في الغابات المطيرة، وكيف يكانوا يتنكرون ويتخفون ويمكثون في أماكنهم لساعات طويلة، كي لا يشعر الحيوان بوجودهم فيهرب أو يهاجمهم، والبيئة التي يحيا بها النمر الأبيض يصعب الانتقال إليها والمكوث بها لفترات زمنية طويلة، إذ أن النمر الأبيض يفضل العيش بأعالي الجبال، على ارتفاعات شاهقة تتراوح ما بين 3 : 4 آلاف متراً، وفي ظل الطقس الثلجي قارس البرودة، فإن الفراء السميك يمكنه من التأقلم مع انخفاض الحرارة، وكذا منخاريه المتسعين يمكناه من الحصول على الاكسجين بسهولة على ذلك الارتفاع الشاهق، بجانب إن قوته العضلية تمكنه من القفز لأمتار عرضية، وبالتالي فإن وعورة الأرض الجبلية لا تشكل بالنسبة له أدنى عائق.
ثانياً : النمر الأبيض وتهديد الانقراض :
القائمة الحاوية على أنواع الحيوانات المهدد نوعها بالاندثار التام، للأسف طويلة وتحتوي على عشرات الأجناس من الكائنات الحية، التي بات بعضها انقراضه وشيك وشبه مفروغ منه، وكذا هناك من بات في مآمن ونجحت عمليات إنقاذه، وخير مثال على ذلك الصقر شاهين، والقائمة للآسف الشديد تحتوي على اسم النمر الأبيض ،الذي يعد من أكثر أنواع السنوريات تميزاً، والذي اتخذت الجهات المعنية بالحفاظ على البيئة والحياة الطبيعية، الكثير من التدابير لحماية نوعه من الاختفاء من على سطح الأرض، ورغم إن غالبية أفراد نوع النمر الأبيض التي على قيد الحياة الآن، تعيش داخل المحميات وحدائق الحيوانات المعدة لاستقبالها، إلا أن ذلك لم يحقق النتائج المأمولة بنسبة 100%، ولم يرتقي بـ النمر الأبيض من رتبة المهدد بالانقراض إلى رتبة الآمن، ومن أسباب ذلك:
كثرة الوفيات :
السبب الرئيسي وربما الوحيد في بقاء النمر الأبيض مهدداً، رغم حفظه في حدائق الحيوان المجهزة واشهرها حديقة هلسنكي، إلا أنه الأعداد النافقة من نوعه في تزايد مستمر، الأمر الذي يجعل فريق الخبراء الموكل بمهمة حمايته في مأزق.. وعن انتقاص أعداد النمر الأبيض بذلك المعدل السريع، يقول العلماء إن هذا لأسباب عديدة منها:
أ) زواج الأقارب :
سمعت حتماً أن زواج الأقارب من بني الإنس، يزيد من احتمالات ميلاد طفل يعاني من ضعف جسماني ما، وقد كشف العلم إن الأمر نفسه قد يحدث في مملكة الحيوان، وأغلب أفراد النمر الأبيض الواقعة في الأسر في زمننا الحالي، تندرج من النمر البنغالي الجد موهان، الذي عثر عليه في عام 1951م، وتزاوج مع النمر الأبيض الأنثى المسماه بغيوم، وكان نتاج زواجهما أربعة من النمور البيضاء، ثلاثة من الذكور وأنثى واحدة، يشكلون الجيل الأول للنسبة الغالبة من أفراد النمر الأبيض المتواجدة بالأسر الآن، ويرجح العلماء صلة القرابة بين الأفراد المتزاوجة، أثر بشكل سلبي على النسل وأصابه بخلل وراثي ما.
ب) مرض وراثي :
نسبة غالبة من أفراد النمر الأبيض المتواجدة في الأسر حالياً، يلاحظ إن الفراء الأبيض لها متسم بشئ من الشحوب، والاحتمال الأكبر إن ذلك الشحوب والاختلاف في النوع، يرجع إلى مرض وراثي يصيب نسبة كبيرة من النمور البيضاء، ولا يزال هذا المرض الغامض محل دراسة، ويسعى العلماء للكشف عن حقيقته ومن ثم إيجاد علاج فعال له، ويلاحظ العلماء إن قرابة 20% من أفراد النمر الأبيض بحدائق الحيوان، تولد مصابة بضعف جهاز المناعة أو الجفاف، وإن كلا المشكلتين الصحيتين يسببان وفاة الكم الأكبر من هذه النسبة، والكارثة الأكبر إن بعضها يموت قبل أن يكون قد بلغ مرحلة النضوج الجنسي.
جـ) الاضطراب النفسي :
هناك اعتقاد غالب لدى مجموعة من علماء الأحياء، إن حالة من الاكتئاب تصيب عدد كبير من أفراد النمر الأبيض ،وإن تدهور الصحة النفسية يؤثر سلباً على صحتهم الجسمانية، ومن ثم تتدهور هي الأخرى وصولاً إلى النفوق، ويعتقد بأن حبسهم في إطار المحميات والحدائق، هو السبب في ذلك، فإن تغير نمط الحياة الطبيعية وتغير البيئة يؤثر على بعض الحيوانات بشكل سلبي، ودليل ذلك هو امتناع دب الباندا عن التناسل داخل الحدائق، فهو لا يقوم بعمليتي التزاوج والتكاثر إلا في بيئته الطبيعية في البرية، كذلك تجربة إنقاذ الصقر شاهين جزء من نجاحها، تمثل في إعادة إطلاقه إلى الطبيعة مرة أخرى، ولكن لا يمكن فعل الأمر ذاته مع النمر الأبيض في الوقت الحالي على الأقل، وذلك لأن رصاص الصيادين لا يزال متربصاً به، وإعادته إلى بيئته الطبيعية يعني الإلقاء به إلى التهلكة.