القوامة الزوجية من الأمور التي يثار حولها الجدل، فبعض اعداء الإسلام يتخذونها ذريعة لمهاجمته، ويبدلون الحقائق ليدعون على الدين الحنيف ما ليس به، ويقولون إنه جاء بما لم يصدر منه.. فالبعض يقولون إن جعل القوامة الزوجية للرجل تحقير للمرأة، وبالتأكيد ذلك القول باطل كل البطلان، بل إن القوامة الزوجية تكون بالإحسان والفضل لا بالغلبة والقوة، فالزوجة مُطالبة بإظهار الطاعة للزوج وهذا صحيح، ما دام الزوج لا يطالبها بما يخالف أحكام الشريعة، إلا أن الزوج أيضاً لم يُمنح السيادة على الزوجة، فـ القوامة الزوجية لم تأت تميزاً لطرف على الآخر، بل هي مجرد ضابط للحياة الزوجية، متى طبقت -بشكلها الصحيح- كانت سبباً في استقامتها واستقرارها.
القوامة الزوجية .. مدلولها وأسبابها وضوابطها :
القوامة الزوجية لا يقصد بها تملك أو زعامة للرجل، فالقوامة كمصطلح في اللغة العربية، يقصد بها مراعاة المصالح والحفاظ على الأشياء، كأن نقول “فلان قائم على (خدمة أو رعاية) فلان”، ومما سبق نستدل على أن الأفضلية هنا ليست للقائم بل للمُقام عليه، ولنتبين الأمر بشكل أكثر وضوحاً ودقة، فعلينا أن ننظر بإجابة بضعة أسئلة.. لماذا جُعلت القوامة الزوجية للرجل؟ وما ضوابطها وما تأثيرها؟
أولاً : القوامة الزوحية تكليف للرجل :
ينظر البعض إلى القوامة الزوجية وجعلها للرجل، على إنها نوع من منحه الأفضلية على زوجته، بينما الحقيقة إنها ليست تفضيل بل هي تكليف، أي إنها لا تمثل ميزة مُنحت للرجل وسُلبت من النساء، فحاشا لله أن يظلم عبدته أو ينتقص من قدرها، فسبحانه تعالى هو العدل الحكيم، فـ القوامة الزوجية كما سلف وأوضحنا من استعراض مفهومها، هي عبء على الرجل ومسئولية، وأحد أصعب اختبارات الحياة الدنيا، التي سيجازى عليها في الآخرة، فإن أحسن استغلالها وكان راعياً قويماً يخشى الله ويتقيه، كانت سبباً في جعله من أهل الجنة، أما إن استغلها استغلالاً سيئاً قادته إلى النقيض. فـ القوامة الزوجية للرجل تجعله راعياً لزوجته وأميناً عليها، وقد أمرنا المولى -عز وعلا- بصون الأمانات والحفاظ عليها.
ثانياً : القوامة الزوجية تشريف للمرأة :
القوامة الزوجية هي من الضوابط الحاكمة لطرفي الحياة الزوجية، فإن كانت تلك القوامة هي تكليف بالنسبة للرجل، فترى ماذا تكون بالنسبة للزوجة؟.. النظرة السطحية تجعلنا لوهلة نعتقد إنها إقلال من قدرها، لكن النظرة الحكيمة المتمعنة والمتفحصة، تدلنا إلى إن العكس هو الصحيح، فـ القوامة الزوجية بالنسبة للمرأة ما هي سوى صورة أخرى للتشريف، البعض حتى اليوم يبحثون في سبل تحرير المرأة ورد حقوقها إليها، بينما في الحقيقة إن الشريعة الإسلامية قد حققت ذلك من قرون، و القوامة الزوجية واحدة من أروع الأدلة على ذلك وأقواها، فقد كفل الإنسان تلك القوامة الزوجية للرجل، أي إنه جعله قائماً على راحة المرأة وشؤونها، ويبذل الجهد كي يطمئنها ويُسعدها ويوفر لها سبل الرعاية، وإن أخل في ذلك التكليف يعد آثماً، ويقتص المولى له منه في اليوم المعلوم الذي لا ريب فيه.
ثالثاً : أسباب جعل القوامة الزوجية للرجل :
تعددت الأسباب التي جعلت القوامة الزوجية للرجل على المرأة، منها أسباب وردت صريحة بنصوص القرآن الكريم، أو بنصوص أحاديث الرسول الأمي عليه الصلاة والسلام، ومنها تفسيرات اجتهادية أوردها كبار العلماء والمفسرين بكتبهم، وهذه الأسباب أيضاً لا تعد تفضيلاً للرجل على المرأة، قد يراها البعض كذلك إذا نظر لظاهرها فقط، أما التوغل في بواطنها والنظر إلى تفسيراتها العميقة والصحيحة، سندرك إن الحقيقة على النقيض من ذلك تماماً، ومن هذه العوامل التي جعلت القوامة الزوجية للرجل ما يلي:
أ) نقص الدين :
يردد الكثيرون مقولة إن النساء ناقصات عقل، ولكن للآسف الأغلبية حين تردد ذلك تقصد به الانتقاص من القدر، ورغم صحة القول بإجماع العلماء والفقهاء، إلا إن من يتخذونه ذريعة للإقلال من قدر وشأن المرأة، وذلك إما إنه نابع عن ترصد مقصود ولعياذ بالله، أو إن مبعثه جهل بحقيقة الأمر والتباس في فهمه، ولكن في النهاية المرأة ليست ناقصة دين بمعنى نقص التقوى، بل على العكس هناك نساء كثيرات كانوا أشد إيماناً من الرجال، والتاريخ الإسلامي ممتلئ عن آخره بتلك النماذج النسائية، ولكن لفظة ناقصات دين يعنى به انخفاض معدل التكليفات، فالنساء تأتي عليهن أيام بكل شهر، يُحرم عليهن فيها ممارسة الفرائض والشعائر الدينية، فلا صلاة لهن خلالها ولا صيام.. إلخ، وأثبت العلم إن الحكمة من وراء ذلك المنع عظيمة، إذ إن ممارستهم لتلك الشعائر خلال أيام الحيض، يجعل المرأة عرضة للعديد من المشكلات الصحية.
والسؤال هنا ما علاقة كل ذلك بـ القوامة الزوجية وجعلها للرجل.. علاقته إن نقص الدين لا يعني نقص التقوى والإيمان، بل هو نقص في التلكيفات التي يأمر بها الله عباده، أي إن الرجل خلق ولديه قدرة على القيام بكم أكبر من التكليفات، ولإن القوامة الزوجية -كما ذكر- هي مسئولية كبيرة، جعلها الله عز وجل تقع على كاهل الزوج لا الزوجية.
ب) نقص العقل :
الأمر حول “ناقصات عقل” لا يختلف عن قول “ناقصات دين”، فهو أمر آخر صحيح وحق يراد به باطل، ولكن هذه الأقاويل لا تغير حقيقته وإن جهلناها، وهو أيضاً من الأسباب التي جعلت القوامة الزوجية للرجال، ونقص العقل لدى المرأة لا يقصد به الخبل أو الجنون، بل العكس هناك نساء كثيرات يملكن عقولاً أرجح من عقول الرجال، والتاريخ الإسلامي والتاريخ العربي به من النماذج النسائية ما يدل على ذلك، ويكفي إن خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال في أحد المواقف “أصابت امرأة وأخطأ عمر”، على الرغم من اشتهاره بالحكمة وبُعد النظر، حتى إنه انضم وهو في مقتبل شبابه، إلى مجلس قريش الذي كان يقتصر على أسيادها وكبارها.
إذاً فما المقصود بنقص العقل وما علاقته بـ القوامة الزوجية ؟.. إذا فهمنا المقصود من وراء قول ناقصات عقل، سنعرف العلاقة بينه وبين جعل القوامة الزوجية للرجال، فناقصات عقل يعني إن عاطفة المرأة تغلب أحياناً على المنطق لديها، وإن المرأة كأم وكزوجة وكأخت تمتاز بتلك العاطفة، التي تمثل أساس الكيان الأنثوي، مما يعني إن نقص العقل لديها زيادة في العاطفة، أي إنه أمر تتميز به ولا يقصد به التقليل منها، وهو من الأسباب التي جعلت شهادة اثنتين من النساء، تعادل الشهادة التي يُطلقها رجل واحد، وكذلك من الأسباب التي جعلت القوامة الزوجية للرجال
جـ) الإنفاق :
للمرأة الحق في مزاولة كافة الأعمال، طالما كانت كفء لها وطالما كانت الأعمال لا تخالف الشرع الإسلامي، ولكن ذلك اختيارياً وليس إلزامياً، أي إن المرأة ليست ملزمة بالإنفاق على نفسها أو أسرتها، إنما ذلك جزء أصيل من الدور الموكل إلى الرجل، وهو من العوامل الرئيسية التي كلفته بـ القوامة الزوجية ،فهو المسئول عن إتيان المرأة لمهرها عند التقدم لطلب الزواج منها، وكذا مطالب أن يؤدي إليها نفقتها عند وقوع الطلاق، أما طيلة فترات الزواج فإن القوامة الزوجية تلزمه هو بالإنفاق، فهو المسئول عن رعاية المرأة وتوفير احتياجاتها.
رابعاً : ضوابط القوامة الزوجية :
القوامة الزوجية لا يمكن وصفها أبداً بإنها مُطلقة، فعقد الزواج المقدس والذي وصفه المولى بلفظ “الغليظ”، لا يقصد به إنها وثيقة استعباد أو ملكية، بل على العكس أوضح الإسلام حقوق المرأة وبينها، وغلظ من عقوبة الجور عليها في الدنيا وبالآخرة، حتى إنه جعل مجرد انتقاص حق الزوجة، إثم عظيم، وجعل “المعروف” شرطاً أساسياً للإقدام على الزواج، وكذلك هو شرطاً أساسياً لاستمرار الحياة بين الزوجين، بل إن الانفصال إذا تم الاضطرار إليه، فجعل المولى من “الإحسان” شرطاً له، أما اعتقاد بعض الرجال بأن القوامة الزوجية تعني السيادة، فهو اعتقاد خاطئ جملة وتفصيلاً وشكلاً وموضوعاً، وبعيد كل البُعد عن المعنى الحقيقة لتلك القوامة، ولا يمت للشريعة الإسلامية العادلة بأي صلة.