الخلاص من شاوشانك هو فيلم أمريكي من إنتاج عام 1994م، من إخراج فرانك دارابونت وبطولة تيم روبنز ومورجان فريمان، و الخلاص من شاوشانك مصنف كأفضل نص سينمائي في التاريخ، ولسنا هنا بصدد تناول الفيلم نقدياً، أو البحث عن مدى أحقيته بذلك التصنيف وتلك المكانة، إنما لننظر في التصنيف الآخر لهذا الفيلم، وهو إنه الفيلم الأكثر نجاحاً والأكثر غرابة في ذات الوقت، والغرابة هنا لا تكمن فيما قدمه على الشاشة كسائر الأفلام، بل إن العوامل الغريبة المتعلقة بهذا الفيلم كانت جميعها خلف الكاميرا.. فترى ما هي؟
وداعاً شاوشانك .. الفيلم الأنجح والأغرب في التاريخ السينمائي :
فيلم الخلاص من شاوشانك فيلم خال من التعقيدات، هو فيلم راقي وإنساني لأبعد مدى، لكنه غير محمل بالألغاز أو مشاهد التشويق المرهقة للذهن، ورغم تصنيفه على موقع IMDB كأفضل فيلم في التاريخ، إلا أنه لم يحقق نجاحاً بشباك التذاكر.. لا تتعجب، فالعجب سيأتي لاحقاً، مع استعراض باقية المفارقات المتعلقة بتنفيذ هذا الفيلم المميز في كل شئ.
ليس فيلم رعب :
رأي العلماء إنه من العجيب إن قصة الخلاص من شاوشانك لا تقوم على الرعب، ولكن ما العجب في ذلك؟!.. العجب مبعثه هو إن قصتها تعود إلى ستيفين كينج، وهو أحد أبرز كُتاب القصة الأمريكيين، والذي يشتهر بكونه أديباً بارعاً في حقل أدب الرعب، وباعت قصص الرعب التي دوّنها عبر مشواره، قرابة أربعة ملايين نسخة في مختلف دول العالم، وقسم كبير منها ترجم لأكثر من لغة منها اللغة العربية، والعجيب إن قصة الخلاص من شاوشانك التي تحولت إلى فيلم سينمائي ناجح، تربع على عرش أفضل الأفلام تاريخ السينما، لا تنتمي إلى ذلك اللون الأدبي الذي برع فيه كاتب قصتها.
قصة فرعية :
الغرائب المتعلقة بقصة فيلم الخلاص من شاوشانك ،لا تنحصر في كونها بعيدة كل البعد عن اللون الأدبي الذي عُرف كاتبها بتميزه فيه، بل إنها لم تكن نصاً أدبياً مستقلاً بذاته، فالقصة التي أصدرها الأديب ستيفن كينج كمطبوعة، وكانت تحمل عنوان “ريتا هيوارث و الخلاص من شاوشانك “، لم تصدر في هيئة رواية مستقلة حققت صدى جيد فتحولت لفيلم، كما هو المعتاد مع الروايات التي تحولت لاحقاً لأفلام أو مسلسلات، بل كانت قصة فرعية نشرت ضمن مجموعة مُجمعة بعنوان “الفصول الأربعة”، وحين قرأها المخرج فرانك دارابونت، انجذب إليها وقرر أن يكتب السيناريو الخاص بها ليحولها لاحقاً إلى فيلم سينمائي، بعد أن حذف من عنوانها كلمتين وجعل عنوانه ” الخلاص من شاوشانك “.
لم ينجح جماهيرياً :
قد تكون هذه المعلومة لها وقع الصاعقة على البعض، فكون الخلاص من شاوشانك مصنف على أكبر المواقع الفنية كأفضل فيلم في التاريخ، فذلك يدفعنا على الفور إلى الاعتقاد بأنه قد حقق ناجحاً ساحقاً عند طرحه بدور العرض، وإن إيرادات حطمت الأرقام القياسية مثل أفلام عديدة، منها رائعة جايمس كاميرون تايتانيك، وثلاثية فارس الظلام ملحمة كريستوفر نولان الفريدة، لكن الحقيقة على النقيض من ذلك تماماً، فحين تم عرض الخلاص من شاوشانك لم يحقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، والسبب في ذلك هو طرحه في موسم صعب المنافسة، شهد طرح العديد من الأفلام التي تركت بصمة في التاريخ السينمائي، وأبرزها فيلم فورست جامب Forrest Gump للنجم توم هانكس، وفيلم Pulp Fiction والذي ضم الثلاثي تيم روث وأماندا بوليمر وجون ترافولتا، وبنهاية المنافسة كانت عائدات الخلاص من شاوشانك جيدة، لكنها في الوقت ذاته أقل من المتوقع، إلا أن النجاح الحقيقي للفيلم تحقق عند عرضه تلفزيونياً، كما حقق عائدات كبيرة من خلال بيع نسخ الـDVD، والتي لا تزال تطرح بالأسواق حتى اليوم، نظراً للإقبال الشديد على شراء أسطوانة الفيلم المدمجة.
لم تكن هذه النهاية :
النسبة الغالبة ممن شاهدوا الخلاص من شاوشانك ولعلك أحدهم، أكدوا على إن أفضل ما في الفيلم هي مشاهده الختامية، والنهاية السعيدة التي انتهت بها أحداثه، ومن ثم فإن هذه المعلومة أيضاً قد تشكل صدمة للبعض، حين يعلموا بإن النهاية التي شاهدوها لم تكن هي المقررة، وكان النص المكتوب لسيناريو الفيلم يتضمن نهاية أخرى، بل إن نهاية الخلاص من شاوشانك تم تعديلها قبل تصويرها بأيام قليلة، وكان مشهد النهاية الأصلي للفيلم، يصور بطل الفيلم آندي دوفرين مستقل حافلة بعد هروبه من سجن شاوشانك، ويتجه بها إلى المجهول، أي إن نهاية الفيلم كان من المفترض أن تكون من النمط المفتوح.
لكن منتجي الفيلم تراجعوا عن هذه الفكرة وأبدوا اعتراضهم عليها، وكانت حجتهم في ذلك هي كآبة الأحداث طوال الفيلم، الذي تدور جميع أحداثه داخل جدران سجن مشدد الحراسة، وهو ما يعني إنهم سيضعوا المتلقي لمدة ساعتين في قلب ما اسموه “جحيماً سينمائياً”، ولهذا رأوا إن الجمهور يستحق نهاية سعيدة صريحة بعد كل هذه المعاناة، وبالفعل قام المخرج فرانك دارابونت بتعديل نهاية الخلاص من شاوشانك ،لتصبح تلك النهاية التي شاهدناها على الشاشات، والتي تتمثل في اجتماع الصديقين بطلي الفيلم مجدداً، ولكن خارج أسوار جحيم شاوشانك.
لم يحصل على أي جائزة أوسكار :
جائزة الأوسكار هي أهم جائزة سينمائية في العالم، والفوز بها هو حلم كل عامل في الحقل الفني السينمائي، وفي كل موسم تكون الجوائز شبه متوقعة، وجرت العادة إن الأفلام الناجحة من أمثال الخلاص من شاوشانك ،يتم ترشيحها لأكثر من جائزة أوسكار تنافس عليها، ثم تحصل على واحدة أو أكثر منها، هكذا جرى الأمر مع الأب الروحي من بطولة مارلون براندو، وهكذا كان مع فارس الظلام وقائم بين النجوم وتايتانيك، وأغلب الأفلام التي تتشكل منها قائمة الأفلام الأفضل في تاريخ السينما، والصدمة الرابعة والأكبر هنا، هو إن الفيلم الذي يتربع على قمة تلك القائمة، لم يحصد أي جائزة أوسكار، وهو دليل مادي على صدق وصحة النظرية الفنية القائلة بأن الحكم للجمهور، وإن المشاهدين هم من يُنجحون الأفلام أو يُفشلونها وليس النقاد والأكاديميون، وهذا لا يقلل من قيمة النقد والجوائز أو أهميتهما، إنما هو فقط يجعل رأي الجمهور هو الرأي الأكثر أهمية.
موقع التصوير مصدر للدخل القومي حتى الآن :
نجاح فيلم الخلاص من شاوشانك لم يحقق أرباحاً لمنتجيه فقط، بل إن الإدارة الأمريكية أيضاً نالها نصيب من نجاحه، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، فقبل تصوير الفيلم كان من المفترض أن تقوم الحكومة بإزالة مبنى إصلاحية أوهايو، لكن تقدم المنتجين بطلب التصوير داخل أروقتها، أدى إلى تأخير قرار الإزالة لمدة عام، حتى ينتهي فرانك دارابونت من تصوير كامل مشاهد الخلاص من شاوشانك ،والتي تم تصوير 95% منها داخل هذا المبنى القديم والمُهمل، ولكن بعد ما حققه الخلاص من شاوشانك من نجاح، تمت إزالة مجموعة المباني المحيطة فقط لتوسيع الطرق، بينما قامت الولاية بالإبقاء على منبى مجمع الزنزانات والمبنى الإداري، وذلك الموقع الأثري المُهل المهدد بالإزالة بالأمس، بفضل الخلاص من شاوشانك صار اليوم مزاراً سياحياً، يتفاود عليه الأمريكيون والأجانب بصفة دورية، لزيارة موقع تصوير فيلمهما المفضل الذي جمع بطليهما آندي دورفين وإليس ريد.
الكشف عن جريمة ريد بعد سنوات :
بدأ عرض الخلاص من شاوشانك وانتهى بقصة واضحة المعالم، تابع المتلقي تسلسلها وتصاعد أحداثها واحداً تلو الآخر بوضوح وسلاسة، وخرج من دار العرض يفتقد معلومة واحدة لم يصرح بها صناع العمل، وهي الجريمة التي أرتكبها البطل الثاني بالفيلم “ريد”، والذي لعب دوره الممثل الكبير مورجان فريمان، ولعدة سنوات صارت تلك الجريمة التي حكمت عليه بالبقاء في جحيم شاوشانك لمدة طويلة سراً، لم يفصح عنه كاتب القصة أو كاتب السيناريو أو الممثل، حتى صار الاعتقاد السائد إنها لم تذكر في أي من نصوص الفيلم، لكن بعد عِدة سنوات وفي لقاء تلفزيوني جمع بين القائمين على العمل، صرحوا بأن الجريمة كانت مذكورة في السيناريو الأصلي، إلا أن المخرج رأى الأفضل ألا يتم ذكرها ضمن الأحداث.
وقال بأن شخصية ريد ضمن أحداث الخلاص من شاوشانك ،كان من المفترض أنه قد قام بقتل ثلاثة أفراد، هم زوجته وجارته وابنها، وذلك عن طريق إتلافه لفرامل سيارة الزوجة، وذلك كي يحصل على قيمة بوليصة تأمينها على حياتها، ولكنه لم يكن يعلم بأن جارته وابنها سيستقلان معها السيارة في ذلك اليوم.