الثعلب الأحمر هو أحد الحيوانات المنتمية إلى النوع اللاحم، ويندرج من فصيلة الكلبيات، ويشار إلى الثعلب الأحمر كثيراً بمسمى “ثعلب” مجرداً، وذلك لإنه أكثر أنواع الثعالب شيوعاً وشهرة، ومن ثم فإنه لا يحتاج دوماً إلى التمميز بمصطلح “الأحمر”، بعكس أنواع الثعالب الأخرى الأقل انتشاراً منه، فـ الثعلب الأحمر يتواجد بمختلف بقاع كوكب الأرض تقريباً، فهو يتواجد في شمال قارة إفريقيا وفي الولايات المتحدة وكندا وشمال أوروبا، بالإضافة إلى انتشاره في كافة أنحاء قارتي آسيا واستراليا، بل إن بعضها يتواجد أيضاً في المناطق المجمدة، وتنافس الثعالب القطبية في قلب موطنها.. وهذا الحيوان الذي تطأ أقدامه كل شبر من سطح كوكبنا، يشتهر بكونه حيواناً مخادعاً وماكراً، والإنسان الذي يحمل تلك الصفات الذميمة يوصف دوماً بأنه ثعلب، فترى لماذا ؟، وما السر وراء إلصاق تلك الصفات بـ الثعلب الأحمر ؟، وهل هو كذلك بالفعل؟
الثعلب الأحمر.. رمز المكر والدهاء :
في عالم الحيوان لا يوجد طيبون وأشرار، ولكن هذه التصنيفات هي من نتاج الفكر البشري، الذي رأى في الثعلب الأحمر ما يشير إلى كونه مخادع ومراوغ، ودهاء وذكاء ومكر هذا الحيوان الشهير يظهر جلياً بسلوكياته وطرق عيشه وتعامله مع الكائنات الأخرى، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
تفادي الاحتكاك :
قدرات الحيوانات العقلية وبصفة خاصة الضواري منها، تتضح عادة في مهارتها في صيد فرائسها، إذ أن ذلك لا يتم بصورة عشوائية، بل إن بعضها يتربص بالفرائس وينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض عليها، وهناك من يصطادون في جماعات فيحاصرون الفريسة أولاً، ثم يهاجمونها على نحو مفاجئ من كل جانب، وخير مثال على النوع الثاني هو الأسد ملك الغابة، أما مكر الثعلب الأحمر ودهائه لا يتجلى فقط في تخطيطه، إنما في قدرته على تحديد قوة خصمه، فـ الثعلب الأحمر لا يقحم نفسه أبداً في صراع يعلم إنه سيكون الخاسر به.
ومثال على ذلك ما رصده علماء الأحياء في أمريكا الشمالية، حيث يعيش الثعلب الأحمر في ذات بيئة القيوط أو ذئاب البراري، ولكن تلاحظ إن الثعالب الحمراء تتمركز خارج حيز القيوط، والاعتقاد السائد هو إن ذلك لتفادي الاحتكاك بهم والصدام معهم، وقد يرى البعض إن تلك الخصلة فيها شئ من الجُبن والضعف، بينما هي في الواقع دهاء ومكر، فالقيوط أضخم من الثعلب الأحمر حجماً وأكثر قوة، وتصارعه معها سيقوده حتماً لهلاكه.. الأمر الثاني المؤكد لتلك النظرية المتعلقة بدهاء الثعلب الأحمر ،هو ملاحظة تجاهله التام للقيوط في حال تواجدهما في مكان واحد، فـ الثعلب الأحمر يتجاهل وجودها ولا يبدأ أبداً بالصراع، إلا إذا بادرت هذه الحيوانات أولاً بالهجوم، فحينها فقط ينتفض للدفاع عن نفسه وعن صغاره.
الصيد والتخزين :
الثعلب الأحمر يصنف ضمن الحيوانات المفترسة الانفرادية،أي إن كل فرد من هذه الثعالب الحمراء يخرج للصيد وحيداً، وأسلوب صيد الثعلب الأحمر هو دليل آخر على مكره ودهائه، فمن المعروف إن من العوامل الرئيسية التي تقود إلى ظاهرة الانقراض، هي أن تصبح مصادر غذاء الحيوانات شحيحة ونادرة، وربما يكون الثعلب الأحمر بشكل ما مدركاً بفطرته لذلك، إذ أنه يتبع سلوكاً نادراً ما تتبعه الحيوانات وخاصة المفترسة، فإذا هاجم الثعلب موقعاً به العديد من الفرائس، فإنه لا يصطاد واحد منها فقط ليسد جوعه وقتياً، إنما يقضي عليها بالكامل، والزائد عن حاجته في ذلك الحين، يقوم بتخزينه داخل حفر في الأرض يعرف مكانها، وفي الأيام التالية لا يخرج إلى الصيد، إنما يعتمد في غذائه على الطعام الذي تم تخزينه في تلك الحفر، ولهذا يعد الثعلب الأحمر هو العدو اللدود للمزارعين، فهو حين يهاجم عشش الدواجن، فإنه لا يقوم فقط باقتناص ما يلزمه للتغذي وسد تضوره، إنما يقضي على كامل الطيور ويحدد مكانها، على أمل أن يعود في اليوم التالي ويتغذى على بقيتها، ولهذا مزارع أمريكا الشمالية والمزراع القريبة من مناطق الغابات، التي تشتهر بكثرة تواجد الثعلب الأحمر بها، نجدها دائماَ محاطة بسياج قوي ومرتفع، ليحول بين الثعالب والدواجن وصغار الماشية.
اختلاف نمط سلوكه :
الدليل الثالث والأقوى على ذكاء الثعلب الأحمر ومكره، هو إن أنماطه السلوكية تختلف باختلاف أماكن معيشته، حتى إن في كتاب “الخواص الإحيائية لكلبيات الرية”، والذي تضمن دراسات الباحثين ماكدونالد سيليرو زبيري، اتفقا على إن سلوك الثعلب الأحمر يختلف بنسبة كبيرة، حين تختلف البيئة التي يعيش بها، والاختلاف المقصود هنا هو اختلاف جذري في النمط السلوكي، حتى إن من يرى الثعلب الأحمر في بيئتين مختلفتين، لاعتقد بإنه أمام نوع آخر من أنواع الثعالب، والأمثلة على ذلك عديدة، ومن بينها طبيعة حياة الثعل الأحمر في ضواحي المدن، فإن نمطه المعيشي في هذه الحالة يختلف كثيراً عن معيشته في الغابات والجبال.
فـ الثعلب الأحمر في ضواحي المدن والمناطق التي تنار بواسطة الكهرباء، فإن الثعلب ينشط في آواخر الليل وقبل بزوغ الفجر بوقت قصير، وذلك ليتفادى الصدام مع البشر أو أي من الكائنات الآخرى، ويكون له وكر واحد يحرص على أن يكون موضعه بمنأى عن الأنظار، أما في الغابات فإن الثعلب يعيش في نطاق ضيق نسبياً، لا يتعدي بأي حال مساحة 12كم2، ويكون ذلك النطاق ذو مواصفات خاصة تتسق مع نمطه المعيشي، أهمها على الإطلاق هو أن تكون الفرائس متوفرة فيه بكثرة، بجانب أن يكون بعيداً بقدر كافي عن مواطن تمركز الضواري الأقوى منه.
جحور الثعلب الأحمر :
حين تشاهد الأفلام السينما الأمريكية، وخاصة أفلام الأبطال السريين مثل باتمان أو سوبر مان، فدائماً ما تجد كل منهم يتخذ لنفسه وكراً سرياً، يضمن أن أعدائه لن يمكنهم كشفه أو الوصول إليه، ولكن حين ننظر إلى دهاء ومكر الثعلب الأحمر ،سنجد إنه يفوق الأبطال الخارقيين دهاءً ومكراً، وذلك لإنه لا يملك وكراً سرياً واحداً، إنما الثعلب الواحد في النطاق الذي يعيش فيه، يكون مالكاً لأكثر من جحر في مواضع متفرقة، فإذا كُشف واحد منهم تمكن من اللجوء إلى الآخر.
ودهاء الثعلب الأحمر في هذا الصدد لا يتوقف عند ذلك الحد، بل إن مكره بل ويمكن القول بـ”عبقريته”، يتضحان من خلال ربطه بين هذه الجحور، إذ يقوم الثعلب الأحمر بشق مجموعات أنفاق على شكل قنوات في قلب الأرض، فيقوم بذلك بالربط بين الجحر الرئيسي له وباقية الجحور، وذلك يحقق الثعلب الأحمر فائدة مزدوجة من ذلك، فبداية يمكنه التنقل من مكان لآخر تحت سطح الأرض، بعيداً عن أنظر الكائنات الأخرى أو البشر، وفي ذات الوقت لا يمكث الثعلب بذلك في مكان ذو مدخل واحد، أي إنه لا يمكن حبسه أو محاصرته من قبل أعدائه، فعن طريق الأنفاق يمكن أن يخرج عبر مخرج آخر يبعد عنهم مئات الأمتار.
الثعلب الأحمر في الموروث الشعبي :
الثعلب الأحمر له مكانة خاصة في الموروث الثقافي الإنساني، فهو غالباً ما اتخذ رمزاً للمكر والخبث والشر، ونؤكد هنا إن ذلك كان غالباً وليس دائماً، فبعض الحضارات والقبائل القديمة احتفت بحيوان الثعلب الأحمر ،ورأوا إن الأفضل والأصح أن يتخذ رمزاً للدهاء والذكاء. وفي الفن والأدب يجسد الثعلب الأحمر دور الشرير غالباً، فهو دائماً ما تصوره مسلسلات الكرتون في صورة الحيوان المخادع، الذي يملك قدرة على التخفي والتنكر، وأبرز الشخصيات المستمدة من طبيعة الثعلب الأحمر الماكرة التي قدمت للأطفال، كانت شخصية الثعلب رينارد الذي قدمت قصصه من خلال سلسلة طويلة، كان في بعض أعدادها يمثل الجانب الشرير المُخادع، وفي البعض الآخر كان الطيب الذي ينقذ نفسه باستخدام الحيل والمراوغة.