الشمبانزي من بين كافة الرئيسيات والحيوانات الثدية المختلفة، اختاره العلماء ليقوموا بإجراء تجاربهم عليه، وبالتأكيد ذلك الاختيار لم يكن عشوائياً أو من قبيل الصدفة، إنما كان لعلمهم بأن القردة أقرب الكائنات إلى الإنسان، ويقينهم بأن أقربها على الإطلاق هو قرد الشمبانزي
الشمبانزي والبحث العلمي :
الإنسان و الشمبانزي يتشاركان العديد من الخصائص والصفات، تلك الخصائص جعلته يصنف كأقرب كائن حي إليه، ومن ثم أصبح العلماء يستخدمونه في إجراء تجاربهم العلمية، فترى ما هي أوجه التشابه بينهما؟، وما الذي يتميز به الشمبانزي عن الرئيسيات الأخرى.
نظرية داروين والتشابهات الشكلية :
ربما نظرية داروين رغم ما بها من شطط لم تكن بعيدة كل البعد عن الواقع، فبعد سنوات عديدة من طرح العالم البريطاني تشارلز داروين، لنظريته القائلة بأن ابناء الجنس البشري ينحدرون من فصائل كائنات أخرى، وبالأخص القرود باعتبارهم الأقرب إلى طبيعة البشر، تمت مهاجمة النظرية وقائلها وأُثبت خطأها في كثير من النواحي، لكن في ذات الوقت أثبت العلم صحة بعض جوانبها، وذلك بعد مرور عقود طويلة على طرح نظرية التطور والانتقاء الجنسي، التي يعود تاريخها إلى عام 1871م تقريباً.. فرغم أن الإنسان ما هو إلا جنس متفرد من المخلوقات، مستقبل بذاته انحدر من نفس نوعه ويرجع نسبه إلى أبوينا آدم وحواء، إلا أن داروين كان محقاً حين قال بأن التشابه بين الإنسان والقردة كبير، ويتعدى التشابهات الشكلية الجسمانية وتقارب بناء الهيكل العظمي، ومن بين فصائل القردة خص فصيلة قرود الشمبانزي بالذكر، وهو في ذلك القول أيضاً قد أصاب.
التقارب الجيني :
من أهم السمات التي دفعت العلماء لاستخدام الشمبانزي بأبحاثهم، هو السمات الطبيعية التي تتشاركها تلك القردة مع الإنسان، ومن بينها مدى التقارب الجيني بينهما، فقد قامت دراسة أمريكية حديثة بتحليل الجينات البشرية وجينات قردة الشمبانزي ،وبالمقارنة بينهم وُجد أن نسبة التقارب بينهما بلغت خوالي 90: 96% تقريباً، أما عن دراسة مركبات بوليبيبتيدات وهي مركبات بروتينية تتكون بالجسم، فقد وجد أن بوليبيبتيدات الشمبانزي والإنسان يتطابقا بنسبة 99% تقريباً.
عملية التمثيل الغذائي :
عند إجراء بحث طبي أو دراسة تأثير عقاقير علاجية، فعادة ما يقوم العلماء بتجربة علاجاتهم تلك على حيوان الشمبانزي ،وذلك لقناعتهم بأن أثرها الذي سينعكس على القرود، سواء كان ذلك الأثر سلبياً أو إيجابياً، فهو لن يختلف بقدر كبير عن الأثر الذي سينعكس على البشر، وذلك لأن تركيب جسم الشمبانزي الداخلي يشابه الجسم البشري، بل أن العمليات الحيوية التي يقوم بها كلا الجسدين تتشابه، ومن بين أهم تلك العمليات عمليات الأيض أو التمثيل الغذائي، وذلك بحسب التقارير البحثية التي نشرت رسمياً بموقع “هيلث داي”، حيث قام فريق بحثي أمريكي تابع لكلية هانتر بولاية نيويورك، وأخضعوا لدراستهم أكثر من 17 يوماً من الرئيسيات، ووجدوا أن الشمبانزي وحدهم هم الأقرب للإنسان، من حيث كم السعرات الحرارية التي يحرقها كل منهما يومياً، وأكدوا على أن انخفاض معدل إجراء عمليات الإيض، هو ما يفسر بطء عملية نمو الإنسان وكذا قرود فصيلة الشمبانزي ،حيث أن ما يفقده هذين الكائنين يوازي حوالي 50% مما تحرقه الثديات الأخرى.
ارتفاع نسبة الذكاء :
التشابه بين الإنسان و الشمبانزي ليس تشريحياً فقط، أي أنه لا يقتصر على التشابه في البناء الجسماني فقط، إنما الشمبانزي يعد من الكائنات التي تتمتع بالذكاء، ولذا فليس الأطباء البشريين وحدهم من يجرون تجاربهم عليه، فما يتمتع به ذلك المخلوق من مهارات عقلية، جعله يشكل ذات الأهمية بالنسبة لعلماء النفس أيضاً، فبدأوا في إخضاعه لتجاربهم المتمحورة حول دراسة الأنماط السلوكية، ومن بينها تطور الذكاء المعرفي ومستوى التعلم والتخاطب وغيرهم.
والأمثلة على ارتفاع مستوى الذكاء لدى قرود الشمبانزي عديدة، ولكن أشهرها وأكثرها إبهاراً، هو تلك التجربة التي أجراها عليه العلماء في فترة الثمانينات تقريباً، والتي كانت تعتمد على الربط الذهني بين الصورة والملمس، فقاموا بعرض أحد المجسمات على قردة الشمبانزي ،ثم قاموا بعقد عُصبة حاجبة للرؤية على أعينهم، وقدموا لهم جسمان أحدهما الذي رآوه، ومن خلال تحسس المجسمان بالأيدي، تمكنت القرود من التعرف على المجسم الذي رأوه في المرة الأولى باستخدام اللمس فقط، ويقول علماء النفس أن تلك العملية التي قد تبدو بسيطة، هي في واقع الأمر درجة من درجات ملكة التخيل، وكان المعتقد أنه لا يمكن لغير الإنسان أن ينجح في تلك التجربة.
قدرة الاستيعاب :
الأبحاث المجراة بمركز يوكرزي بمدينة نيويورك الأمريكية، أثبتت أن قدرة الاستيعاب لدى قرد الشمبانزي مرتفعة جداً، وذلك وفقاً للدراسة التي أجريت على قرد شمبانزي من نوع القزم، ونتيجة هذه الأبحاث أكدت أن الشمبانزي لديهم قدرة كبيرة على الاستيعاب، وكذلك القدرة على تحصيل كم كبير من المصطلحات والمعلومات، ويكفي القول بأن القرد كانزي الذي أجريت عليه التجربة، تمكن من استيعاب 150 مصطلح بشري منطوق، وقام كانزي بالضغط على الصور الرمزية المتوافقة مع اللفظ الذي سمعه، الأمر الذي يثبت أنه تمكن من استيعاب الألفاظ وفهم مدلولها والمقصود بها.
الذاكرة القوية :
في كل النقاط السابقة واللاحقة، نؤكد على أن قردة الشمبانزي تقارب قدرات البشر، لكن في تلك النقطة قد تتعجب حين تقرأ أن الشمبانزي يتفوق على البشر، ولكن هذا تم إثباته من قبل جماعة بحثية يابانية، إذ أقاموا بحثهم على تنظيم ما يشبه المسابقة، تبارا خلالها فريقين أحدهما من أوائل طلبة الجامعة والآخر من قردة الشمبانزي ، إذ وضعوا كل فريق أمام شاشات حاسوبية تتعامل باللمس ” Touch screen”، وقاموا بعرض مجموعة من الأرقام الفردية على تلك الشاشة، ثم قاموا بإخفاء تلك الأرقام وأحلوا محلها مربعات فارغة، ثم طلبوا من الفريقين الإشارة إلى أرقام محددة، وكان الفريق البحثي قد قام بتلقين الشمبانزي الأرقام من 1: 9 سلفاً، والنتيجة كانت أن الذاكرة الفوتوغرافية لدى قردة الشمبانزي ،أقوى كثيراً منها لدى الإنسان، ونتيجة ذلك البحث موثقة رسيماً وأعلنت بالمجلة الدورية للبيولوجيا الحديثة.
القدرة على التعلم :
قردة الشمبانزي يمتلكون قدرة فريدة على التعلم وتحصيل المعلومات، وهو الأمر الذي يجعلهم ميثاليون بالنسبة للباحثين، خاصة من يستخدموهم في إجراء تجارب نفسية، ودليل امتلاك قرد الشمبانزي لهذه القدرة، هو التجربة التي أجريت بجامعة نيفادا الأمريكية بحقبة الستينات، والتي تمكن العلماء من خلالها من تلقين القرد واشو حوالي 160 مفردة من مفردات لغة الإشارة.. أما في الثمانينات فقد أخضعت أنثى الشمبانزي “لانا” لتجربة مثيلة، وتمكنت من تعلم رموز لوحة المفاتيح ومدلولاتها، واستطاعت أن تستخدم هذه الأزرار في طلب الطعام أو العلاج أو تشغيل الموسيقى.
البحث العلمي يهدد الشمبانزي :
لعل بعد ما أوردنا عن قدرات الشمبانزي خاصة العقلية، ومدى تقاربها من القدرات التي يمتاز بها البشر، تختلف نظرتك إليه وتضعه في مكانة أرقى من مكانته السابقة، ولكن كالعادة كلما كان الحيوان مميزاً كلما صار ذلك نقمة عليه، وحال الشمبانزي لا يختلف كثيراً عن حال وحيد القرن، فإذا تساءلنا لماذا حيوان وحيد القرن مهدداً بالانقراض؟، فسنجد الإجابة بسبب الصيد الجائر له طمعاً في عاج قرونه، أما قردة الشمبانزي فبسبب استخدامها في الأبحاث العلمية، فإن سكان مناطق الغابات المطيرة والغابات المدارية، يشنون هجمات كبيرة على قردة الشمبانزي ،وذلك بغرض صيدها ومن ثم تصديرها إلى كبرى مؤسسات البحوث في العالم، وإن ذلك الفعل يعيق تكاثرها ومن ثم يهدد بقاء نوعها، ويزداد الأمر سوءاً إذا أضفنا إليه الصيد بهدف الاستخدام في عروض السيرك، بجانب أن بعض القبائل الأفريقية والمجتمعات الأسيوية تتخذ من لحم الشمبانزي غذاءً.
والأمر الذي يدل على مدى الخطورة التي تهدد الشمبانزي ،هو قيام عدد غير قليل من دول قارة إفريقيا مؤخراً، بإنشاء محميات للحياة الفطرية لحماية الشمبانزي من الانقراض، واقترحت بعض المنظمات المعنية بحقوق الحيوانات وحماية الطبيعة، تطوير المحميات الطبيعية وبرامج التناسل للحفاظ على نوع الشمبانزي من الاندثار والانقراض.