البعوض هو مسمى لا يشير إلى نوع حشري محدد، فبعكس ما هو معتقد فإن ذلك المصطلح مسمى عام، يشير إلى البعوضيات وهي فصيلة كاملة من الحشرات، تنتمي جميعها إلى رتبة ذوات الجناحين، وتقدر أنواع هذا الفصيل الحشري بأكثر من 3000 نوع، و البعوض بشكل عام وعلى اختلاف أنواعه من الحشرات الضارة، والتي تشكل خطراً داهماً على صحة الإنسان وسلامته، وذلك لأنها تقوم بلدغ الجلد وامتصاص الدم البشري، ولذلك تعتبر من أشد ناقلات الأمراض خطورة، كما يمكن للبعوض أيضاً أن يتغذى على دماء الحيوانات والطيور، ولهذا فإن عدد كبير من الأوبئة الحيوانية التي نقلت للبشر، كان لدغ البعوض المسبب الرئيسي لانتقالها وتفشيها بين الجنس البشري.
البعوض .. لماذا هو من أخطر الحشرات :
أنواع الحشرات والآفات الضارة تفوق الحصر، ولكن ليس بينها ما يماثل في خطورته خطورة البعوض ،وذلك لأن ضرره لا يقتصر على شدة اللدغات، أو الألم الذي ينتج عن التعرض لها، بل أن البعوضيات بحسب تقدير علماء الحشرات، فإنها تأتي بمركز متقدم ضمن قائمة ناقلات الأمراض.. فترى تقوم هذه الفصيلة من الحشرات بذلك؟ والأهم هو لماذا تقوم به؟
الدم ليس غذاءً للبعوض :
قد يكون الأمر مفاجيء بالنسبة للأكثرية، فقد اعتادنا على وصف حشرة البعوض بأنها مصاصة للدماء، وذلك لأن تقريباً لم يسلم أحد من لدغاتها، لكن علماء الحشرات حين قاموا بدراسة نمط حياتها، أثبتوا أن أنثى البعوض فقط هي من يقوم باللدغ، بل وأن ذلك الفعل لا يكون بهدف الحصول على الغذاء، بل أن خلاصة الزهور يعتبر هو الغذاء الرئيسي لتلك الحشرة، وفي المقابل تقوم تلك الحشرات بمهمة نقل حبوب اللقاح بين الزهور، وتوجه الحشرات لنوع دون غيره أمر يحدده أشكال الزهور، إذ أنها تمثل عامل جذب بالنسبة لنوع محدد من الحشرات، وكذلك ألوان الزهور تعد هي الأخرى من عوامل جذب الحشرات.
لماذا يلدع البعوض ؟
كما ذكرنا فإن الأنثى وحدها هي من تقوم باللدغ، وذلك ليس طلباً للغذاء، إنما لأن أنثى البعوض تكون حاملة للبويضات الحاوية للأجنة، وتلك البويضات كي تنمو تكتمل أطوار نموها بشكل سليم، يجب أن يتم بصفة دورية إمدادها بعنصر البروتين، ويمثل الدماء البشري خير مصدر لذلك البروتين، ولهذا تقوم الأنثى بلدغ الإنسان وامتصاص دمه لتغذية بويضاتها.
البعوض والأمراض :
إصابة البعوض في ذاتها لا تلحق بالإنسان أذي كبير، هذا وفقاً للدراسات التي تناولت تأثير لدغات البعوض على الصحة، إذاً فلماذا تعتبر تلك اللدغات خطيرة؟.. الخطورة تكمن في إمكانية نقل الأمراض من خلالها، فإذا مرت البعوضة على شخص مصاب بمرض ما، ثم انتقلت إلى شخص غيره وقامت بلدغه، فذلك يزيد احتمالات انتقال العدوى إليه بنسبة كبيرة، فأغلب الأمراض المعدية التي يمكن نقلها بواسطة لدغات البعوض ،تتسم بالخطورة وبعضها يصنف ضمن الأمراض القاتلة، والتي تحصد في كل عام عدد كبير من أرواح الجنس البشري، ومن أمثلة تلك الأمراض ما يلي :
1- مرض الملاريا :
تنقس الملاريا وفقاً لنتائج ما تناولها من دراسات، إلى نوعين رئيسيين هما الملاريا الحميدة والملاريا الخبيثة، والمُقلق هو أن البعوض ينقل كلا النوعين بواسطة لدغاته.. إذا أصيب الإنسان بالنوع الأول أي النوع الحميد، فإنه يكون أقل خطراً وأكثر استجابة إلى العلاج، أما النوع الثاني فيتسم بالشدة والخطورة، ويُصنف كأحد الأمراض المسببة للوفاة.
ينتقل المرض من الإنسان المصاب إلى الإنسان السليم، من خلال لدغ أنثى البعوض من جنس الأنوفيل، حيث يقوم هذا الجنس بنقل طفيلي أولي يسمى بالمتصورة، بعدها يسكن هذا الطفيل داخل المضيف وهو الإنسان، ويمر بمراحل تطور عديدة بعد انتقاله من الدم إلى الكبد، ويمكث الطفيل داخل الكبد لفترة تتراوح ما بين 8 أيام لعدة أشهر، خلال كامل تلك الفترة لا يستشعر المريض أي أعراض متعلقة بالمرض، بينما يقوم الطفيل خلال الفترة في التكاثر والتفشي، يبدأ بعدها مرض الملاريا في الانتشار في دماء الإنسان، وتظهر الأعراض الشائعة له عليه، وفي تلك المرحلة إذا تستكمل عملية نقل العدوى، فحين يتعرض مرة أخرى هذا الشخص إلى لدغ البعوض ،فلن يصاب بالملاريا إنما سيكون ناقلاً لها.
2- فيروس غرب النيل :
فيروس غرب النيل أو فيروس النيل الغربي وعلمياً هو WNV، وهو يعد أحد الأمراض الفيروسية حيوانية المنشأ، المنتمية إلى فصيلة الفيروسات المصفرة Flavivirus، ويتم نقلها إلى الإنسان عن طريق المفصليات، ومن أهم الكائنات التي تتسبب في انتقاله بالتأكيد هو البعوض ..ولا يعد فيروس غرب النيل من ضمن الفيروسات الفاتكة بالبشر، فنسبة قليلة من المصابين به، يلقون حتفهم نتيجة تعرضهم للإصابة بهذا الفيروس، ولكن هذا المرض يعتبره الأطباء مرضاً متوسط الحِدة، أي أن ضرره الأكبر يتمثل في إزعاجه الشديد للإنسان المصاب، كما أن علاجه يستغرق فترة زمنية طويلة نسبياً إذ أنه يدوم لبضعة أسابيع، كما أنه يشكل خطراً مضاعفاً بالنسبة للأشخاص المسنين، وكذا على أصحاب المناعة الضعيفة، فيصيبهم هذا الفيروس الذي ينتقل بواسطة أنثى البعوض ،بحالة من الصداع المزمن والتشنج، وفي بعض الحالات يتقاقم الأمر إلى حدوث غيبوبة أو شلل مؤقت.
تسبب البعوض في اتساع رقعة انتشار هذا الفيروس، ففي الماضي كان هذا النوع من الأمراض يقتصر على مناطق محدودة، منها مناطق دول جنوب آسيا والشرق الأوسط وقارة إفريقيا، بجانب بعض الحالات القليلة التي ظهرت بمنطقة وسط أوروبا، لكن بحلول عام 1999م تغير ذلك الحال بنسبة كبيرة، وسُجلت حالات إصابة بمرض بفيروس غرب النيل ببلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة ثم انتقل منها إلى كندا والدول المجاورة، ولا يزال ذلك المرض محل بحث ودراسة، ويعمل العلماء على إنتاج عقاقير علاجية لهذا الفيروس، ويلاحظ أن الحصان من أكثر الحيوانات عرضة لهذا المرض.
3- حمى الدنجي :
حمى الدنجي أو الدنج أو الضنك وبالإنجليزية Dengue Fever، وهي من أنواع الحمى النزفية التي توصف بأنها حادة، تتقارب من جنس الفيروسات الصفراء ولكنها تختلف عنه، لكن من ضمن نقاط التشابه بين كلا الجنسين من الفيروسات، هي أن البعوض يعد من أخطر العوامل الناقلة لهم، والنطاق الجغرافي لانتشار هذا النوع من أنواع الفيروسات، يشتمل على مجموعة دول مثل بنجلاديش والارجنتين واستراليا والمكسيك، كما يتواجد أيضاً بنطاق البرازيل وفنزويلا وبلاد ساموا، وهذا المرض يعد من أشد الأمراض البعوضية، أي التي تتخذ من البعوض وسيلة لانتقالها من المصاب للآخرين، وذلك بسبب المواقع التي يتفشى بها هذا المرض، فهو على خلاف أمراض مثل الملاريا وفيروس غرب النيل، لا يتفشى فقط في البيئات النامية ذات الطابع الصحي المتدهور، إنما حمى الدنجي تتفشى أيضاً بالمناطق الحضرية.
حمى الدنجي تنتج عن الإصابة بأربعة أنواع من الفيروسات، تسمي جميعها بـ Den وتميز بأرقام 1و 2و 3و4، وجميع هذه الفيروسات يمكن نقلها بواسطة البعوض ،من خلال نقل دماء الإنسان المصاب إلى دماء الخالي من المرض، وذلك يتم بواسطة نوعين من أنواع البعوض ،هما بعوضة النمر الآسيوي والأخرى بعوضة الحمى الصفراء، ووفقاً لآخر التقارير الإحصائية المتناولة لمعدلات الأمراض بالمناطق الحضرية، فإن قرابة 100 مليون إنسان تقريباً، يقعون ضحية مرض حمى الدنجي في كل عام.