الاستشعار عن بعد هي إحدى التقنيات العلمية الحديثة، والتي لها العديد من التعريفات مختلفة الصياغة، إلا أن جميعها يدور في فلك مفهوم أساسي واحد، وهو أن الاستشعار عن بعد هي تقنية جمع المعلومات من مسافات بعيدة، أو هي أداة جمع البيانات والمعلومات، دون حدوث اتصال مباشر بين الجهاز الملتقط للمعلومات، وبين الجسم أو الظاهرة التي هي محل الدراسة. تعتمد تقنية الاستشعار عن بعد في عملها على الأشعة الكهرومغناطيسية، حيث يقوم الجهاز الملتقط للمعلومات بإصدار تلك الموجات، وحين تسقط على جسم ما فأنها تتفاعل معه، وتنعكس منه وترتد إلى الجهاز مرة أخرى ليستخلص منها البيانات.. ولكن بعد التعرف على آلية عمل الاستشعار عن بعد ،فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الأهمية التي تمثلها تلك التقنية؟
لماذا تقنية الاستشعار عن بعد بالغة الأهمية :
لا يُمكن فصل الأبحاث والتقنيات العلمية عن تطبيقاتها العملية، فإذا أردنا التعرف على الأهمية التي تمثلها تقنية الاستشعار عن بعد ،فلا علينا سوى النظر إلى استخداماتها ومدى تعددها.
التنقيب عن المعادن :
استخراج المعادن عموماً وبصفة خاصة البترول والغاز، في الماضي كان من الأمور بالغة الصعوبة والتعقيد، أما اليوم لم يعد الأمر كذلك، والسبب هو استخدام تقنية الاستشعار عن بعد في التنقيب عنه، حتى أن كبريات شركات التعدين باتت تعتمد عليها كلياً في هذا الأمور، واستعاضوا بـ الاستشعار عن بعد بوسائل التصوير الجوي التقليدية، والتي كانت تتكلف جهداً وأموالاً طائلة، بجانب أنها كانت تأتي بنتائج أقل دقة وتستغرق وقت أطول، بينما تقنية الاستشعار عن بعد على النقيض من كل هذا، فهي تؤدي الدور المنوط بها بكفاءة عالية وفي زمن قياسي، فمن خلالها يمكن التقاط صورة فاضئية عالية الدقة لمسطح مساحته حوالي 34 ألف كيلو متراً مربعاً، بينما التصوير الجوي التقليدي ليغطي ذات المسطح، يتطلب الأمر التقاط أكثر من 1600 صورة منفصلة.
هذه ليست كامل الفائدة التي تتحقق من استخدام الاستشعار عن بعد بمجال التعدين، بل أن الصور التي تلتقط من الفضاء الخارجي باستخدام تلك التقنية، يمكن من خلالها التعرف على مواقع الأحواض الرسوبية على كوكب الأرض، والتي تحتوي على الثروات المعدنية المختلفة، ومن ثم يتم التوجه مباشرة إليها والقيام بأعمال التنقيب واستخراج المعادن مباشرة، ومن أوائل الدول التي تم استخدام هذه التقنية للتنقيب عن النفط على أراضيها، بورما وكينيا والفلبيين ومصر.
استخراج المياه الجوفية :
الأمر بالنسبة للتنقيب عن المياه الجوفية لا يختلف كثيراً عن التعدين، فبواسطة الصور الفضائية التي تلتقط بفضل تقنية الاستشعار عن بعد ،يمكن التعرف على المواقع المحتمل أن تكون محتوية على المياه الجوفية، ومن ثم يسهل التوصل إليها واستغلالها، وبواسطة تقنية الاستشعار عن بعد تم التوصل إلى عدد من الوديان الغنية بالمياه الجوفية، ومن أشهر تلك التجارب اكتشاف وادي المياه الجوفية غرب نهر النيل بدولة السودان، وبفضلها يجرى الآن استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي.
وفي هذا الصدد فائدة الاستشعار عن بعد لا تتوقف عند حد الاستكشاف فحسب، بل أن بواسطة تلك التقنية يمكن دراسة المسطحات المائية الظاهرية، والتعرف على الطريقة الأمثل لاستغلالها، وكذا استخدمت بعض الدراسات تقنية الاستشعار عن بعض، للتعرف على حجم الدور الذي يلعبه تراكم الثلوج بالمناطق الباردة في تغذية المياه الجوفية.
الزراعة :
المبيدات الحشرية تلعب دوراً هاماً في حماية المحاصيل الزراعية من جور الآفات، لكن في ذات الوقت الإسراف في استعمالها قد يأتي بنتائج عكسية، فقد يُصبح سبباً في تخريب المحصول الزراعي، أو إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض الخطرة، ثم جاء تقنية الاستشعار عن بعد لتضع حداً لذلك، إذ أن بفضلها صار بالإمكان التفرقة بين الحقول المصابة وغير المصابة، وبالتالي يمكن تفادي القيام بالرش غير الضروري للمبيدات، كذلك تساعد تقنية الاستشعار عن بعد في الكشف المبكر عن الإصابة، ومن ثم التدخل ومعالجتها قبل أن تنتشر على نطاق واسع.
وضع الخرائط :
عند الحديث عن تقنية الاستشعار عن بعد وتطبيقاتها، فلا يمكن بأي حال أن نغفل مجال وضع الخرائط ورسمها، فإذا اطلعنا على الخرائط القديمة وقمنا بمقارنتها بتلك الموضوعة في وقت قريب، سنجد أن هناك اختلافات شاسعة وجذرية بينهما، ففي النوع الأول قد نجد سلاسل جبال كاملة غير موجودة، أو بحيرات صغيرة سقطاً سهواً من واضع الخريطة، وذلك بسبب ضعف الإمكانيات المتاحة وعدم دقتها، إذ كان يتم تحديد معالم الخريطة من خلال الملاحظة البصرية للجغرافيين، أو بواسطة تجميع عدد لا نهائي من الصور الملتقطة بواسطة الطائرات.
الخرائط الفضائية المُعدة بواسطة تقنية الاستشعار عن بعد ،ليست فقط تتسم بالدقة في المقاييس وتحديد الأماكن، بل أن من خلالها أيضاً يمكن إعداد خرائط لأغراض محددة، بخلاف الخرائط العامة التي تكتظ بأدق تفاصيل التضاريس، تتيح تقنية الاستشعار عن بعد صنع خرائط لتوضيح نوع التربة بكل منطقة، أو خريطة لإظهار توزيع المناطق الخضرية والزراعية، وغيرهما.. وفي السبعينات كان الاستغلال الأول لـ الاستشعار عن بعد في وضع الخرائط، حين قامت البرازيل بإجراء مسحاً لمحيط نهر الأمازون والغابات المطيرة، ومن خلال ذلك المسح تبين وجود نهر لم يكن موضحاً بالخرائط من قبل.
الخرائط الرقمية :
الخرائط هي العامل الأساسي الذي تقوم عليه العديد من العلوم، وقد كان التوصل إليها والتعامل معها من الأمور العسيرة، لكن بفضل تقنية الاستشعار عن بعد والتوصل إلى الخرائط الإلكترونية، أصبح اليوم لدينا أرشيف إلكتروني كامل، يضم خرائط بالغة الدقة لكامل مسطح كوكب الأرض، موضحة به كافة الحدود السياسية بين الدول والأنهار والتضاريس والطرق.. إلخ، وتلك الخرائط تتميز بصغر حجمها وسهولة نقلها وإرسالها، علاوة على إمكانية إدخال التعديلات عليها عند الحاجة، وذلك التطبيق يعد من أبرز وأهم تطبيقات تقنية الاستشعار عن بعد
التغلب على المعوقات :
تفكير الإنسان في استغلال الصور الجوية يعود إلى زمن بعيد، تقريباً إلى ذات التوقيت الذي ظهرت فيه الطائرة للمرة الأولى، وكانت تقنية التصوير الفوتوغرافي قد سبقتها في الظهور، وإن كان التطبيق الفعلي للتصوير الجوي قد تم بعد ذلك بعقود، وفور ابتكار الوسيلة التي يمكن بها تحويل الطائرات إلى آلات للتصوير، تم استخدامها على نطاق واسع وفي مختلف المجالات، البحثية والعسكرية وغيرهما، ورغم ما مرت به هذه التقنية من تطورات عديدة، بقيت مشكلة واحدة لم يستطع العلماء التغلب عليها، وهي عدم نقاء الصور الملتطقة بسبب تأثيرات الغلاف الجوي، فكانت السحب والضباب والأتربة كلها عوامل خارجة عن سيطرة الإنسان، ثم جاءت تقنية الاستشعار عن بعد لتقدم الحل الذي طالما شغل العلماء.
في البداية كان هناك تخوفاً من أن تكون صور الفضاء أقل وضوحاً، وأن الغلاف الجوي المحيط بالأرض سيُحدث تشويشاً بها، لكن رائد الفضاء الأمريكي جون جيلين في عام 1962م، أكد على أن الصور من الفضاح يمكن أن تكون بالغة النقاء، وقال بأنه خلال رحلته كان بإمكانه رؤية ولاية فلوريدا بوضوح تام، وأن شكلها من الفضاء كان مطابق لشكلها على الخرائط، ثم كان حديث رائد الفضاء جوردون كوبر، الذي أكد أن الرؤية من الفضاء واضحة تماماً، وأنه أثناء الهبوط كان بإمكانه رؤية المنازل وتخطيط الشوارع.