إذا نظرنا لأحاديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم خاصة تلك التي تتحدث عن صحيح الأخلاق نجد أن جميعها تحث على الأمانة وتنفي عن المسلم صفة الخيانة والكذب، كما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان ملقب بالصادق الأمين، كل هذه الدلائل تشير لأهمية الأمانة ووجوب إتباعها والتحلي بها في كافة مواقف الحياة مهما بلغت بساطتها، فبدونها لا تستقيم الأمة ويفسد المجتمع، لذلك كان لها مكانة وشأن عظيم في ديننا الحنيف سواء في القرآن أو السنة النبوية، ومن هنا كان لزاماً على كل مسلم موحد أن يعرف أهمية الأمانة وأنواعها ولما أمرنا الله تعالى بإتباعها.
لماذا حثنا الإسلام على التحلي بخلق الأمانة وما أنواعها؟
معنى الأمانة
الأمانة كلمة مفهومها واسع فهي تختلف باختلاف نوعها، لكن يُمكن القول في المجمل أن الشخص الأمين هو الشخص الذي لا يتعدى على حقوق غيره ويمتثل لما طُلب منه أو أمر به حتى ولو لم يُحاكمه في ذلك أي قانون وضعي لأنه لا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى، فالأمانة هي كل حق للغير يتوجب عليك أداؤه، كما أنها تعني التعفف عن آكل حقوق الغير ابتغاء مرضات الله، والتعفف عن إفشاء أسرارهم أو البغي عليهم حتى ولو كان الشخص ذو مقدرة.
الأمانة بالمفهوم الإسلامي
الأمانة في الإسلام تعني أن يحفظ المؤمن عهوده ويؤدي حقوق غيره، ويُحافظ على عهوده مع ربه فيؤدي العبادات على أكمل وجه، ويعف نفسه وجوارحه عن كل محرم، وهي ليست بالشيء الهين، فالأمانة مسؤولية عظيمة فرضها الله على بني آدم بعد أن أشفقت منها باقي المخلوقات، وقد ذكر الله تعالى ذلك في سورة الأحزاب حين قال ” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا “.
أنواع الأمانة
رغم أن الأمانة تشمل تقريباً كل فعل يقوم به الإنسان مهما كان بسيط لكنها تنقسم لعدة أنواع أساسية يختلف كل منها في مفهومه عن الآخر، فأمانة العبادة تختلف عن أمانة المسئولية وهكذا، وأهم أنواعها ما يلي:
-
أمانة العبادة
هذا النوع من الأمانة خفي، فهو يتعلق بصلة العبد بربه ومدى حرصه على أداء العبادات في وقتها وعلى أكمل وأحسن وجه، وتعتبر أمانة العبادة أسمى وأطهر الأمانات لما فيها من إخلاص عظيم كونها بعيده عن أي رقابة إلا رقابة المسلم على نفسه وحرصه على إرضاء الله عز وجل.
-
أمانة الحواس والجوارح
وهي مدى التزام المسلم في الحفاظ على حواسه التي منحه الله إياها وعدم استخدامها فيما يُغضبه، فغض البصر أمانة وحفظ اللسان أمانة والامتناع عن الشهوات المحرمة أمانة.
-
أمانة الحقوق والودائع
ترتبط بتعامل المسلم مع غيره حتى ولو كان يدين بدين آخر غير الإسلام، فقد أوجب ديننا الحنيف على كل مسلم موحد بأداء الأمانات وحفظ الوعود والحقوق لأصحابها دون أن ينقص منها ذرة واحدة، وأشهر حادثة على ذلك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة النبوية حين طلب من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يبقى في فراشه كي يرد الأمانات لأصحابها ثم يلحق به.
-
أمانة العمل
كل عمل منوط بالإنسان أمانة في حد ذاته، فلا يجوز للمسلم أُن يستغل منصبه كي يلحق الأذى بغيره أو يأخذ لنفسه ما ليس من حقه، ولا يجب عليه أن يقصر أبداً في ما طُلب منه، كذلك الحال بالنسبة للطالب، فمذاكرته واجتهاده لتحصيل أعلى الدرجات أمانة يجب أن يبذل أقصى ما في وسعة ليُتمها على أكمل وجه.
-
أمانة القول
كل كلمة تخرج من فم المسلم سيحاسب عليها سواء كانت خيراً أو شراً، فقد نهانا الإسلام عن شهادة الزور ونشر الشائعات والكذب والغيبة والخوض في أعارض الغير، فقد قال صلى الله عليه وسلم “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” كما قال أيضاً “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”.
-
أمانة الرعية
والرعية هنا لا تقتصر على المفهوم العام للشعب والحكومات التي تقوم على شئونه، فقد قال صلى الله عليه وسلم ” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” أي أن كل شخص سيحاسب عن مسئولياته أمام الله عز وجل يوم القيامة مهما بدت له صغيرة.
-
أمانة التجارة
نهى الإسلام عن الغش التجاري في الكثير من المواقف سواء في القرآن أو السنة، وذلك لما فيه من ظلم للمشترى وانتهاك لحقوقه، كما نهى أيضاً أن يبخس الشاري حق البائع مستغلاً حاجته أو نفوذه فيأخذ البضائع بأقل من ثمنها لما فيه من إجحاف شديد وأكل لحقوق الغير.
أهمية الأمانة
اعتماد الأمانة في كل كبيرة وصغيرة بحياة المسلم لا يقتصر فقط على عظم قدرها في الآخرة، بل تظهر نتائجها في النظام والسلوك الاجتماعي، فلو رعى كل شخص حقوق غيره وأداها على أكمل وجه لساد العدل وعم الرخاء بين أفراد المجتمع وانتهت كافة المشاكل التي تُنغص عليه حياته، نعم فالأمانة هي الحل السحري لأغلب مشاكل المجتمعات الحالية إن لم يكن كلها، لو ألقينا نظرة فاحصة على أسباب المرض أو تهالك الطرقات وضياع العدل بين الناس لوجدنا أنها تعود لعدم مراعاة كل شخص ضميره وتعمده الغش والتدليس لمصالحه الشخصية، لهذا كان جزاء الخيانة عظيم، فالله تعالى لا يُسامح في حقوق العباد ويقتص لهم يوم القيامة.