فيلم أفاتار Avatar لا شك إن التاريخ سيُخلده، وحين تتم دراسة التاريخ السينمائي في المستقبل القريب، فسيتم التوقف أمام فيلم أفاتار كثيراً، فقد بدأ منذ الآن تدريسه في المعاهد المتخصصة في تعليم فنون السينما، ولكن السؤال هنا هو كيف تم خلق فيلم أفاتار؟ ،الذي صُنف كأحد أفضل الأفلام في التاريخ السينمائي، والذي أحدث طفرة في عالم صناعة السينما والخدع البصرية وتقنية العرض، ويتم الآن الإعداد لكتاب باسم “خلق عالم أفاتار”، يتضمن رصد كامل لكافة مراحل إعداد فيلم أفاتار منذ أن كان فكرة على ورقة وحتى صار شريطاً سينمائياً، خاصة وإن مرحلة الإعداد شهدت العديد من المفراقات والعجائب والطرائف.. فما هي؟
الإعداد لتنفيذ فيلم أفاتار .. كيف تم ؟
أن تضع كاميرا وتصيح “أكشن” وتترك الممثلين يرتجلون فإنك بذلك تصنع فيلماً، أما أن تجتهد وتؤمن بقدراتك وتتجنب العشوائية والاستسهال فإنك بذلك تصنع فيلم أفاتار ؟.. فيلم استحق أن يحطم الرقم القياسي لإيردات شباك التذاكر، واستحق ما ناله من تقدير الجمهور والنقاد على السواء.. فيكف قام جيمس كاميرون بالإعداد لهذا الفيلم وما المراحل التي مر بها؟
عشرات الأفلام ومئات القصص :
من أين استوحى جيمس كاميرون فكرة وأسلوب تقديم فيلم أفاتار ؟، ذلك السؤال تردد بكثرة بعد طرح الفيلم بدور العرض، وتحقيقه لذلك النجاح الكبير، خاصة وإن فكرة الفيلم مبتكرة ولم يسبق كاميرون أي كاتب آخر إليها، وقد خرج كاميرون فيما بعد ليشفي فضول محبيه ودارسي السينما، ليقول بإن فيلم أفاتار هو حلمه منذ أن كان طفلاً، وإنه استوحى فكرته وأحداثه من كافة القصص التي قرأها في طفولته، بجانب مختلف أفلام الخيال العلمي التي شاهدها في صباه ومراهقته، فكل ذلك كان يساهم في تنمية قدرته على التخيل، ودمج هذه العوالم جميعها فخلق في النهاية عالمه الخاص، والذي أطلق عليه اسم كوكب باندورا، وقال كذلك إن ملخص فيلم أفاتار المبدأي كان مكوناً من 80 صفحة تقريباً، لا تتضمن أحداث بقدر ما تتضمن أوصاف لهذا العالم الغريب، الذي يود تجسيده وتقديمه على شاشة السينما.
فيلم أفاتار 1994م :
فيلم أفاتار كان من المفترض أن يصدر في عام 1994م، بعد انتهاءه مباشرة من تقديم فيلم تايتنيك، ولكن سبب تأجيله لأكثر من 15 عاماً لم يكن لتعثر إنتاجه، أو لخلاف بين فريق العمل، بل إن جيمس كاميرون نفسه كان هو المتسبب الأول في تأجيل فيلمه، فبينما يسعى كافة المخرجين وكتاب السيناريو لإيجاد ممول لفيلمهم، كان جيمس كاميرون يسعى لإحداث طفرة سينمائية وليس مجرد تقديم فيلم شيق، وبعد اتفاقه مع شركة Digital Domain العاملة بمجال المؤثرات والخدع البصرية على تقديم فيلم أفاتار ،وجد إن تقنيات صناعة السينما في ذلك الوقت، غير كافية لتقديم فيلم أفاتار بالصورة التي في مخيلته والتي يريد تقديمها للجمهور، فقام بتأجيل تنفيذ هذا المشروع إلى أن تتحقق ثورة تكنولوجية في عالم فن السينما، تمكنه من تقديم فيلم أفاتار بالشكل الذي يريده، وهو ما تحقق في عام 2009م بإصداره لـ فيلم أفاتار وهو أول فيلم يتم عرضة بواسطة تقنية الثري دي 3D أو ثلاثية الأبعاد.
البروفات الأولية في الأدغال :
ما يجعل الإعداد لتنفيذ فيلم أفاتار هو الأغرب في تاريخ العمل السينمائي، هو إن جيمس كاميرون أعد معسكراً تدريبياً لفريق التمثيل، بأسلوب إقامة معسكرات فرق كرة القدم، فالمدرب يصحبهم إلى بيئة شبيهة بتلك التي ستجرى عليها البطولة، وذلك كي لا تؤثر عوامل الطقس وما يشابهها على مستواهم في الملعب، وعند الإعداد لـ فيلم أفاتار اصطحب جيمس كاميرون فريقه إلى الأدغال، فخيموا بوسط الغابات لعِدة أيام بلا هاتف خلوي أو مؤن، فكانوا يصطادون طعامهم ويسيرون أميالاً ليحصلوا على الماء من الأنهار، وذلك كله كي يعتادوا على طبيعة الحياة في البرية، فيكون أدائهم على الشاشة تلقائي وغير متكلف، قد ترى إن هذا الأمر فيه كثير من المغالاة والمبالغة من كاميرون، لكنك إن كنت أحد من استمتعوا بـ فيلم أفاتار ،فاعلم إن ذلك الفعل الجنوني كان سبباً في استمتاعك هذا.
ابتكار لغة خاصة لسكان باندورا :
جنون جيمس كاميرون الفني وهو يعد فيلم أفاتار لم يتوقف عند حد رحلة الأدغال، بل إنه كان يريد أن يُشعر المشاهد بإن ما أمامه على الشاشة هو عالم حقيقي، وكي يُحدث ذلك فكان لابد أن يتولد لديه هو هذا الشعور، والكائنات الحية على كوكب باندورا كان لابد أن يكون لها لغة خاصة، بعض المساهمين في صناعة فيلم أفاتار أشاروا إلى كاميرون باستخدام تهتهات أو همهمات غير مفهومة، باعتبار إن هؤلاء القوم يستخدمون لغة لا يعرفها كوكب الأرض، لكن كاميرون قرر استحداث لغة فعلية تكون خاصة بشعب النافي، فالتقي بعالم اللغويات بول فولمر من جامعة كاليفورنيا، الذي قام باتبكار لغة جديدة مكونة من 1000 كلمة ولها قواعدها اللغوية الخاصة، وهذا ما جعل حوار النافي المترجم بـ فيلم أفاتار يظهر متماسكاً ومضبوطاً، ولو كان مجرد كلمات أو همهمات عشوائية مصحوبة بترجمة إلى اللغة الإنجليزية، لشعر المشاهد بذلك الاستخفاف أثناء مشاهدته فيلم أفاتار.
العمل على تطوير لغة النافي :
يبدو إن جيمس كاميرون لا يقنع أبداً، وإنه يسعى لجعل كواليس فيلم أفاتار الجزء الثاني بذات غرابة كواليس الجزء الأول، فهو يعقد جلسات عمل مع عالم اللغويات بول فولمر، وذلك بهدف تطوير لغة النافي التي أبتكراها خصيصاً للجزء الأول، وهذا لتحقيق مزيد من المصداقية بالأجزاء التالية من الفيلم، خاصة وإن جميع أحداثها ستدور على سطح كوكب باندورا.
المنتج المنفذ لم يكن متحمساً :
التقرير الأول الذي رفعه المنتجين المنفذين لإدارة شركة “فوكس القرن العشرين” المنتجة لـ فيلم أفاتار ،كان تقرير تحذيري من الاستمرار في التعامل مع جيمس كاميرون، وذلك لإنه يهتم بالتفاصيل بصورة مبالغة، وهو ما ترتب عليه مضاعفة القيمة الإنتاجية لـ فيلم أفاتار ،بجانب إن فترة الإعداد وحدها امتدت لعدة أشهر دون أن يتم تصوير أي مشهد، وكانت الشركة المنتجة قد رصدت مبلغ مليون دولار فقط لجيمس كاميرون، كي يقوم بتصوير مشاهد تجريبية من فيلمه ويعرضها عليهم، ليقررون إن كانوا سيستمرون في دعمه أم سيتخلون عن مشروع فيلم أفاتار ،وحين شاهدوا تلك المشاهد قرروا الاستمرار في التعاون معه، وتكرر تحذير المنتج المنفذ الذي توقع إن إيرادات الفيلم لن تغطي ميزانيته الضخمة، ثم تم طرح فيلم أفاتار في دور العرض ليحقق إيرادات 2 مليار و800 مليون دولار تقريباً، هذه العائدات هي الأضخم في تاريخ السينما حتى يومنا هذا، بجانب بيع ملايين النسخ من ألعاب الفيديو ونسخ الـ DVD الخاصة به، وتقرير المنتج المنفذ حالياً يتضمن إشادة واعتذار، وتوصية بإنتاج أجزاء أخرى من ذات الفيلم يتوقع لها تحقيق النجاح ذاته.
تجنب نجوم الصف الأول :
نجوم الصف الأول في هوليود يسعى كبار مخرجي العالم للتعاون معهم، أما جيمس كاميرون فلديه هواية أخرى، فهو لا يهوى العمل مع النجوم بل يفضل صناعتهم، ورغم إنه على مدار مسيرته السينمائية تعامل مع العديد من كبار النجوم، إلا إنه ساهم في إبراز عدد آخر منهم، أبرزهم النجم ليوناردو دي كابريو وكيت ويلسنت اللذان قدمهما كبطلين في فيلم تايتنيك، وحين قرر جيمس كاميرون تقديم فيلم أفاتار ،طالبه المنتج المنفذ بإسناد الأدوار الرئيسية إلى مجموعة من نجوم الصف الأول، وذلك لضمان تحقيقه للنجاح عند طرحه بدور العرض، خاصة وإن ميزانية الفيلم ضخمة والاعتماد على نجوم واعدين مغامرة كبيرة، ولإن المغامرة وجيمس كاميرون هما كلمتان مترادفتان، قرر أن يستعين بنجوم لا ينتمون إلى الصف الأول، وهذا لم يكن نوع من المكابرة أو العِناد، بل أراد توفير الجزء الأكبر من ميزانية فيلم أفاتار لأعمال الجرافيك والخدع، وبالفعل تحققت نبوءة كاميرون وكانت الخدع هي البطل الحقيقي والرئيسي للفيلم، وكان لها الفضل في تحقيق العمل لتلك الإيرادات الضخمة التي قاربت الثلاث مليارات دولار.