لقد أمرنا الله تعالى أن نتحلى بمكارم الأخلاق وأوضح لنا ذلك في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، فالأخلاق الحسنة من صفات الأنبياء والمتقين، بها ينضبط المجتمع وتنصلح أحواله، ويُمكن القول بأن مكارم الأخلاق بمثابة دستور سماوي يُنظم تعاملات أفراد المجتمع الواحد ويضمن لكل فرد حقوقه، ويوضح له واجباته والتزاماته، إذا اتبعها المسلمون والتزموا بها صحيح الالتزام كانوا أفضل دعاة لدينهم، بما تفرضه عليه أخلاقهم من أمانة وصدق وحسن معاملة، لكن للأسف أضاع أغلبنا هذه الأخلاق ونسيها في خضم الانفتاح والتحضر المزعوم، فأخذنا منه ما يضرنا وابتعدنا عن صحيح وأصول الدين الإسلامي إلا من رحم ربي، في هذا المقال سنتناول مكارم الأخلاق وأهميتها ولما أمرنا الإسلام أن نتحلى بها.
لماذا أمرنا الله تعالى أن نتحلى بمكارم الأخلاق وما هي؟
مفهوم الأخلاق في الإسلام
الأخلاق بمفهومها العام تعني كل قاعدة تحدد وتنظم سلوك الإنسان، أما في الجانب الإسلامي فيزيد عليها أنها كل قاعدة تنظم سلوك الإنسان وتوجهه كي يحقق الهدف الأسمى من خلق ووجوده على الأرض وهو إعمارها وإشاعة السلام والطمأنينة بين أفرادها، ومصدر هذه القواعد الإسلامية هو الوحي، أي أنها أوامر الله عز وجل لخلقه، ودور الإنسان هو الامتثال لها وتنفيذها على الوجه الأكمل والأتم.
ما الذي يميز الأخلاق الإسلامية عن غيرها
- الأخلاق النظرية مصدرها عقل الإنسان واجتهاده وتعرف عادة باسم “العادات” أو “الأعراف”، وهي ما يتفق عليه أفراد المجتمع الواحد ثم يبدءوا في تطبيقها حتى تصير من رواسخ هذا المجتمع مع الوقت، أي أنها متغيره من مكان لأخر وتتبدل بمرور الزمن وتعاقب الأجيال وتغير الفكر، أما الأخلاق الإسلامية فمصدرها التشريعات السماوية، أي أنها لا تختلف مهما تبدل الأفراد أو اختلف الزمان، فالله تعالى أعلى وأعلم بعباده، وقد أنزل هذه التشريعات لتكون صالحة للإتباع في أي مكان وزمان، مهما اختلف التفكير أو تعاقبت الأجيال أو اختلف البشر في لونهم أو ثقافتهم.
- الأخلاق النظرية قد لا تكون ملزمة للفرد أو قد يتنصل منها بانتقاله لمجتمع ومكان أخر له عادات وتقاليد مختلفة، فمصدر المراقبة هنا يكون وجداني حيث يقوم كل فرد بما يُمليه عليه ضميره، أو تلزمه به القوانين الوضعية، لذلك إذا لم يكن مقتنع بها من داخله سيلجأ لمخالفتها عندما يكون بمفرده دون مراقبة، أما الأخلاق الإسلامية فيتبعها المسلم لإيمانه واقتناعه التام بها واستشعاره لمراقبة الله عز وجل في كل مكان وزمان حتى عندما يكون بمفرده، لذلك لا يُخالفها مهما حدث ومهما سافر أو انتقل لأماكن أخرى.
خصائص الأخلاق الإسلامية
- أهم ما يميز الأخلاق الإسلامية عن غيرها من القوانين الوضعية أنها توازن بين حاجات الجسد والروح، فلا تحرم شهوات الإنسان وغرائزه التي وضعها الله فيه، بل تحددها وتنظمها وتضعها في إطار شرعي يُحافظ على الإنسان ويضمن له حقوقه وحقوق غيره، على سبيل المثال الزواج، بعض الديانات الوضعية تفرض على رجال الدين بها عدم الزواج بحجة أنه غريزة دنيوية يجب التنزه عنها حتى تسمو وترتقي روحه! لكن في الدين الإسلامي نظم الله الزواج ووضع له أطر شرعية تحمي حقوق الزوج والزوجة وتمنع اختلاط الأنساب وتضمن للإنسان إرضاء غرائزه.
- أخلاق الإسلام لا تفسد أو تنتهي بمرور الزمن كما يزعم البعض، بل تتسم بسهولتها ويسرها وتنظيمها لأفراد المجتمع وضمان حقوق جميع أفراده مهما كانت ديانتهم، فالله تعالى أمرنا بعدم ترويع أي نفس أو سلب حقوقها عنوة بحجة أنها لا تدين بالإسلام كما قال في كتابه العزيز في سورة الممتحنة ” لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
- يُحاسب الإسلام على نوايا الفرد أيضاً وليس أعماله فقط، ينظر البعض لهذا الجانب على أنه مظهر من مظاهر تشدد الدين الإسلامي، لكم الحقيقة انه من مظاهر التيسير، فالله تعالى يهب ثواب الفعل الحسن لمن صدقت نيته ورغبته في أدائه لكن لم يستطع لأي ظرف كان، فمن صدقت نيته لإخراج الصدقات لكن لم يستطع لضيق يده كُتب له أجرها، ومن صدقت نيته لأداء الحج مثلاً لكن لم يستطع سواء لظروف صحية أو ضائقة مالية ومات على ذلك كُتب له أجرها ..إلخ.
- لها مسوغات ودلائل واضحة وراسخة تبرر كل أمر أو نهي، فقد حرم الله السرقة لما فيها من سلب حقوق الآخرين، وحرم الزنا لما فيه من اختلاط أنساب وأمور فاحشة، وحرم الخمر والميسر لما فيهما من ذهاب للعقل وتضييع للمال وصرفه بمصارف وأماكن خاطئة وإضرار بالفرد والمجتمع..إلخ، لهذا فإن أخلاق الإسلام تُقبل بالفطرة السليمة النقية والعقل الراجح الحكيم.
أهم مكارم الأخلاق في الإسلام
-
الصدق
فقد نهى سبحانه وتعالى عن الكذب لما فيه من مفاسد عظيمة، وورد في ذلك العديد من الأحاديث النبوية منها قوله صلى الله عليه وسلم ” عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا”.
-
الأمانة
والأمانة من أهم صفات المسلم لما فيها من حفظ لحقوق الغير فهي تشمل كل قول أو فعل يصدر عن الشخص وليس فقط الأمور والأمانات المادية، فقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك ” أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك”.
-
الصبر
يجب أن يكون المؤمن صبوراً راضياً بقضاء الله وقدره مُصدقاً أن كل ما يقع فيه خير له، فقد قال سبحانه وتعالى في سورة آل عمران ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.
-
الشجاعة
والشجاعة هنا تختلف كثيراً عن التهور، فالمؤمن ليس جبناً ولكنه يُحكم عقله قبل كل تصرف ويزن الأمور ويضعها في نصابها الصحيح، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر”، والحديث فيه دلالة على شجاعة المسلم في مواجهة الظلم.
-
التعاون
التعاون من أهم السمات التي غابت عن مجتمعنا للأسف، فالمؤمن الحق يقف دائماً بجوار أخيه يشد من عضده ولا يتركه وحيداً في محنة أبداً، وبه يستقيم المجتمع ويعيش أفراده في سلام، قال صلى الله عليه وسلم في ذلك “مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
-
الإيثار
الإيثار من أفضل وأسمى الخلق الإسلامية لما فيه من رقي وتفضل للغير على المصالح والرغبات الشخصية، وقد وردت في ذلك العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى في سورة الحشر “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون”.
-
الرفق
أمرنا الله تعالى أن نتحلى بالحلم والرفق لما فيها من درء للمفاسد والمشاكل، فاللين من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال في ذلك ” مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ”.
-
العدل
المؤمن لا يُمكن أن يكون ظالماً أو أن يتعدى على حقوق غيره حتى ولو كان في منصب يسمح له بذلك، فقد قال سبحانه وتعالى في سورة الشورى “فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ”.
كانت هذه بعض الأخلاق الإسلامية وليست كلها بالتأكيد، فالدين الإسلامي لم يترك شيء ولا تفصيلة صغيرة في حياة الإنسان لم يُنظمها ويضع لها الضوابط والأخلاق التي تضمن مصلحته ومصلحة المجتمع بأكمله.