لعل مسألة كروية الأرض أم كونها مسطحة من أكثر الأمور التي تثير المجتمع العلمي في الوقت الحالي خصوصًا بعد ازدياد حدة الاتجاهات التي تذهب إلى كون الأرض مسطحة ورفض حقيقة كروية الأرض رغم كل الحقائق العلمية التي تساقلإثبات هذه الفرضية، ورغم عدم وجود أي إثباتات علمية لتسطح الأرض سوى منهج التشكيك والتمسك بالمشاهدة البصرية المباشرة كبرهان على سطحيتها، ونكأ أسئلة يرونها محرجة من نوعية: لماذا مع كروية الأرض لا نتعثر أو نسقط أو نمشي بشكل مقلوب، ولماذا لا ينقلب الأشخاص الذين في أعلى الأرض ويمشون على رؤوسهم أو يسقطون على من في أدناها والحقيقة أن محاولة إفهام أصحاب هذه التساؤلات بالمنهج العملي يبدو شديد الصعوبة لعدم قبولهم بالأدلة العلمية أو استيعابها ولكن في هذا المقال سنحاول الحديث وإلقاء الضوء على أبرز الأسباب التي تجعلنا لا نسقط على من أسفلنا إن كنا في أعلى الأرض أو نمشي رأسا على عقب، وللمزيد يمكنكم مشاهدة الفيديوهات العلمية المترجمة على موقع يوتيوب والتي بعد قراءة هذا المقال ستجعلكم أكثر استيعابا للوضع:
جاذبية الطرد المركزي
يعتقد الأشخاص الذين لا يستوعبون كروية الأرض على افتراض أنهم يؤمنون بالجاذبية أن الجاذبية تكون نحو سطح الأرض، أي غلاف القشرة الأرضية الذي نقف ونمشي عليه ولكن هذا غير حقيقي، لأنك إن حفرت حفرة فإنك ستسقط فيها أيضًا، فلو كان الأمر مرتبطا بالسطح فقط لانعدمت الجاذبية تحت سطح الأرض، ولكن هذا يعني أن الجاذبية التي مبعثها مركز الأرض هي ما تبقينا ثابتين ولا نتعثر ولا نقع، ولنتخيل الأمر مثل كرة سلة في مركزها بالضبط ونحن حين نفترض هذا التخيل نفترض بالمقابل علمك بأساسيات الهندسة وبأن الكرة عبارة عن شكل دائري مجوّف من الداخل وبه مركز وهي النقطة التي في المنتصف بالضبط من جميع الجهات مما يعني أن كل الخطوط التي سترسم من أي نقطة على سطح الكرة الخارجي تنتهي بنقطة المركز هذه ستكون متساوية في الطول وبالتالي أننا لو ثبّتنا مغناطيسا مثلا في نقطة المركز هذه ووضعنا على سطح الكرة مجموعة من المعادن في مناطق متفرقة فإنها ستظل ثابتة حتى إن أمسكنا بالكرة ورفعناها للأعلى فأن المعادن التي ستكون بالأسفل أو على الجوانب لن تقع لأنها ثابتة بقوة الجذب المغناطيسي في المركز طالما ظلت في مجاله، لذلك فإن كروية الأرض مقطوع بها وأحد أهم الدلائل على حجة أننا لا نقع أو نسقط طالما نعيش على كرة أن هناك قوة جذب مركزية هي ما تبقينا ثابتين ومتزنين على الدوام.
دوران الأرض بسرعة فائقة وثابتة
من الدلائل الأخرى على كروية الأرض والتي تنقض حجة أننا لا نسقط أو نقع مما يعني أن الأرض مسطحة ويثبت تهافت حقيقة كروية الأرض هو دوران الأرض بسرعة فائقة وثابتة تفوق استيعابنا، حيث تبلغ سرعة دوران الأرض حوالي 465 كم/ ث أي أن المسافة بين العاصمة العراقية بغداد وحدود دولة الكويت أو بين مدينة الإسكندرية المصرية في شمال مصر وبين مدينة في منتصف جنوب مصر تقطعها الأرض في الدوران في ثانية واحدة، أعتقد أن هذا فوق مقدار التخيل للبشر أصلا، بل إنها تفوق سرعة الصوت بنحو 110 كيلومتر، لذلك إن كنا لا نستوعب دوران الأرض بسرعة فائقة وثابتة ومعنى ثابتة أي إنها لا تتسارع إلا بمقدار ضئيل جدا وهو ثابت عجلة الجاذبية 9.8 م/ث مما يجعلها غير ملحوظة، ولمحاولة فهم ذلك لنتخيل أنك تركب سيارة تسير على طريق ممهد بلا أي مطبات ومستوي تماما وبسرعة ثابتة نحو 120 كم / س، ففي لحظة من اللحظات ستشعر أنك ثابت تماما وأنك لا تتحرك من الأساس وفي هذه اللحظة نحب أن نسأل سؤالا: كم تبلغ سرعتك وأنت تركب هذه السيارة؟ سرعتك ستكون بالطبع نفس سرعة السيارة لأنك أصبحت كتلة منها، لذلك يجب علينا ألا نتحدث عن حجة صغيرة سطحية مثل عدم وقوعنا من على سطح الأرض للتشكيك في حقيقة كروية الأرض دون أن نفهم الأبعاد الفيزيائية والعلمية والميكانيكية للمسألة.
النسبية تجعل الأعلى والأسفل اتجاهات غير مطلقة
هناك تصور لدى ممن يرفضون حقيقة كروية الأرض أن الأعلى والأسفل اتجاهات مطلقة أي من في أدنى الأرض يعرفون أنهم كذلك ويدركون موضعهم بالفعل، بينما الرؤية النسبية للموضوع تجعل الأسفل والأعلى وهذه الاتجاهات تختلف حسب موضعك أنت، أين تقف أنت؟ حيث يرى الناس الذين في استراليا أو في نيوزيلندا مثلا أنفسهم على مستوى واحد من باقي الدول وليسو في الأسفل كما تعتقد أنت وظنهم صحيح ليس في المطلق ولكن بالنسبة لموضع وقوفهم، ولتقريب هذه المسألة أكتر فلو كنت تعيش في مصر فإن غربك ليبيا وشرقك البحر الأحمر أما إن كنت تعيش في تونس فإن ليبيا تكون شرقك مائلة قليلا نحو الجنوب، لذلك تختلف الاتجاهات حسب المكان الذي تقف فيه وليس بشكل مطلق وغير متغير، لذلك فإننا عندما نقول أسفل في فرنسا مثلا فإننا نعني الاتجاه نحو مركز الأرض لا الذي أسفل أقدامنا مباشرة وبنفس النمط في استراليا على الجانب الآخر الاتجاه نحو مركز الأرض هو الأسفل بشكل مطلق ولكن الأسفل حيث الاتجاه نحو التربة هو ما تراه أعيننا بالفعل، لذلك حينما تتحدث عن الأسفل والأعلى فيجب أن تفهم أنها لا تعني بشكل مستوي فوقنا أو بشكل مستوي أسفلنا وبذلك نستطيع تفهم لماذا لا يمشي الناس في استراليا مثلا على رؤوسهم.
كروية الأرض تشبه ساقية الملاهي الدوّارة
إذا كنت قد ركبت ساقية الملاهي الدوارة فأنت قد تظن وأنت بالأسفل أنه كلما صعدت للأعلى فسوف تنقلب على رأسك بالأعلى ولكن السلاسة في العربات والجاذبية التي تجعلها في وضعِ مستوي على الدوام هو ما يجعلكما أنت ومن بالأعلى في وضع معتدل ولا ينقلب أحد على رأسه، ربما يكون هذا المثال ليس وثيق الصلة العلمية بمسألة كروية الأرض وحركتنا الطبيعية فيها ولكن لتقريب كيفية أننا لا نقع ولا يمشي الأشخاص على الجانب الآخر من الكرة الأرضية على رؤوسهم إن كنا نمشي نحن على أقدامنا ولكن لأن نقطة التحريك الرئيسية هو مركز الساقية والسلاسة التي تصنعها الجاذبية مع العربات.
خاتمة
في نهاية هذا المقال يجب أن ننوّه أننا حاولنا الحديث عن كروية الأرض والإجابة عن تساؤل يشغل كل من يحتك بهذه المسألة أو يفكر فيها ومحاولة الحديث عنها بشكل علمي بحت خاليا من أي خرافات أو كلام مرسل مؤكدين على أننا لا ننحاز لفريق على الآخر ولا نتعصب لنظرية علمية دون الأخرى ولا نحاول إثبات كروية الأرض لأنها مسألة مقطوع بصحتها علميا حتى الآن أو أنها في الجانب الأقوى علميا لأننا لا ينبغي أن نعتمد على مشاهداتنا البصرية المحضة لتكذيب نظرية علمية مدعومة بالأدلة وبسنوات من البحث والتدقيق والتجريب والقياسات الرياضية والفيزيائية المعقدة والدقيقة للخروج بهذه الحقيقة العليمة والعمل على برهنتها بكافة الإثباتات العلمية ولكننا في النهاية ليس لنا مصلحة من إثبات كروية الأرض أو نقضها، لكننا ننحاز نحو العلم لأنه وسيلتنا الهامة إن لم تكن الوحيدة نحو التقدم وفهم العالم الذي نعيش فيه.