كآبة الشتاء من الأمور المسلم بها وهي لا تحدث لشخص أو اثنين أو بشكل استثنائي بين البشر بل تحدث بشكل كبير وملحوظ والعديد من الناس يمرون بها، بل ولها مسمى علمي أيضًا حيث تعرف بحالة “اضطراب العاطفة الموسمي” لذلك سنتحدث في هذا المقال حول كآبة الشتاء وحدوثه للكثيرين من الناس وما هي الأسباب التي تدفع هؤلاء الأشخاص لهذه الحالة في السطور التالية:
الليل الطويل والتفكير
أحد أهم مسببات كآبة الشتاء هو الليل الطويل حيث تزداد ساعات المساء وتتضاءل ساعات النهار لحدودها القصوى في بعض أوقات الشتاء مما يدفع الإنسان للبقاء لأطول فترة ممكنة داخل المنزل ومما ينتج عنه أيضًا إيوائه لفراشه وتدثره بالأغطية لعدد ساعات أكبر وبالتالي اختلائه بنفسه لمدة طويلة مما يدفع إلى رأسه الأفكار والتي منها ما يكون إيجابيا حول التأمل والحلم ومنها ما يكون سوداويا وسلبيا وقد تتولد الأفكار السلبية هذه في ذهن الإنسان حينما يكون وحيدا ولمدة طويلة خصوصًا في فراشه، مما يجلب الكآبة على نفس الإنسان بسبب طول الليل والتفكير المتواصل والمبالغ فيه والذي يشعر معه بأن الحياة ليست ذات جدوى وهذه الفكرة التي تنمو بشكل متصاعد في فصل الشتاء بسبب زيادة ساعات الليل.
العزلة والاضطرار للجلوس في المنزل
يدفعنا الجو البارد للجلوس في المنزل، دعك من هؤلاء الذين يعشقون الصقيع ويستمتعون باختراق البرد عظامهم وتجميد أطرافهم، لا أعتقد أن هؤلاء قد تصيبهم كآبة الشتاء من الأساس، ولكن نتحدث عن الأشخاص الذين تصيبهم هذه الحالة وبسببها يضطرون للعزلة والجلوس في المنزل، ولا ريب أن العزلة عن الناس والخروج فقط للضرورة إما للعمل أو للتسوق أو ما شابه ستخلق جوّا كئيبا يجعل الإنسان يشعر كم واقعه منهارا وكم هو وحيد ومنعزل ولا أحد يهتم به على الإطلاق، ربما يكون هذا منافيا للحقيقة إلى حد كبير ولكن مع حالة العزلة والاضطرار إليها ولأن كل شخص يلوذ بمنزله ويجلس فيه محتميا من الصقيع الخارجي بالتالي من الأمور التي تشعر الإنسان بحالة كآبة الشتاء هي ما يفرضه الشتاء على الناس بجلوسهم في المنزل ومن ثم شعورهم بالعزلة والوحدة.
أصوات الرعد والبرق
الرعب الذي تحدثه أصوات الرعد والبرق من أهم الأشياء التي تسبب كآبة الشتاء ولعل هناك الكثير من الأشخاص الذين يشعرون بالكآبة بسبب أصوات الرعد والبرق ومدى رعبها التي تذكرنا بحدوث شيء غير طيب ولعل هذه العقدة مرتبطة أكثر ما ترتبط بالطفولة حيث نذكر ونحن أطفال حينما كانت تفاجئنا أصوات الرعد والبرق السابقة للمطر نجري لنختبئ في منازلنا أو في أحضان أمهاتنا شاعرين بأن ثمة شيء سيئ سوف يحدث سيلي هذه الأصوات غير المعتادة وهذه الومضات التي تشبه الصواعق الكهربية في السماء، وربما ساعد في إضفاء هذا الجو ولا نقول أنه أوهمنا به لأن الخوف من أصوات الرعد والبرق حقيقي ولا يحتاج لإيهام ولكن نقول ساعد في ترسيخه أكثر الأفلام التي لم تعامل الرعد والبرق بأي شكل شاعري بل جعلتهم رمزا للرعب والذعر وتليهم دائما أحداث غير طيبة تحدث للأبطال في الأفلام لذلك إن كنت من هؤلاء الأشخاص الذين يرتعبون من الرعد والبرق فإن كآبة الشتاء ستصيبك لا محالة.
المطر والحنين
أعتقد أن الرعد والبرق يختلف بشكل كبير عن المطر حيث إن كان معظم الأشخاص يرتعبون من أصوات الرعد والبرق فإنه على الجانب الآخر المطر قد يكون محببا لأشخاص كثيرين خصوصًا إن كان هذا المطر عبارة عن رذاذ خفيف وليست سيول غزيرة، لكن المطر الذي يخلق هذه الحالة الشاعرية يستدعي أيضًا على الجانب الآخر الذكريات والحنين وفتح الجروح المغلقة أو التي ربما قد ظننت أنها التأمت منذ زمن، لذلك المطر من أهم دوافع حالة كآبة الشتاء لأنه يجعلنا نفكر في الأشياء التي ظننا أننا نسيناها ونستحضرها في أذهاننا مرة أخرى سواء كان موقفا في الطفولة أو فراق حبيب أو وداع لراحلين.
الحاجة لحبيب في الشتاء
مع كل هذه العزلة والوحدة والشعور بالحنين وكل هذه المشاعر المتضاربة والمضطربة التي تحدثها كآبة الشتاء يحتاج الإنسان لحبيب يشاركه هذه المشاعر ويترفق به ويحنو عليه، لذلك ليل الشتاء من غير حبيب يصبح موحشا وخاليا من أي شعور بالأمان والطمأنينة لذلك كآبة الشتاء في مثل هذا الوضع تصبح ردة فعل طبيعية تجاه ما ينتج عن الشتاء من شعور بالوحدة والاحتياج لحبيب لذلك الأشخاص العزاب والذين ليسو في علاقات عاطفية يكونون أكثر عرضة للشعور بهذه الحالة والإصابة بالاكتئاب في الشتاء وذلك لعدم وجود احتواء حقيقي لعواطفهم ومشاعرهم في مثل هذه الأوقات بينما الأشخاص الذين في علاقات بالفعل يكونون أقل عرضة للإصابة بهذه الحالة.
كآبة الشتاء نتيجة خلو الشوارع والشعور بالوحشة
لا ريب أن الأمور السابقة التي تحدثنا عنها والتي تسبب كآبة الشتاء تخلق أمورا فرعية أخرى تعضد وتدعم هذه الحالة وترسخها أكثر وأكثر وهي خلو الشوارع خصوصًا في أوقات متقدمة من الليل هذه الشوارع التي كانت مكتظة بالبشر في الصيف حتى بعد منتصف الليل، نجدها خاوية على عروشها من الساعة العاشرة مساء غير أن في أوقات الأمطار أو العواصف أيضًا نجدها خاوية تماما بنفس النمط مما يخلق لدى الإنسان شعور بالوحشة والوحدة ويضطر للإيواء بشكل أكبر للمنزل وإن كان وحيدا فإن هذا سيخلق هذا الشعور المتنامي بالوحدة والعزلة ولكن بصورة أكثر حدة مما يساعد على خلق حالة الكآبة بشكل أكبر، لذلك خلو الشوارع والشعور بالوحشة من أهم الأمور التي تسبب كآبة الشتاء .
الغيوم وقلة الضوء
يذهب بعض المختصين والأطباء إلى أن قلة ضوء الشمس أو تضاءل تعرضه لها يصيبه بالاكتئاب وهذا يحدث بالفعل مع بدايات الشتاء وضعف أشعة الشمس وقلة الضوء الذي يتعرض له الإنسان ناهيك عن الغيوم التي تغلف الأجواء مما تمنح الإنسان شعورا بالغروب والغياب والوداع وهذه المشاعر لذلك الغيوم وقلة الضوء من الأشياء المسببة لكآبة الشتاء.
مستوى السيروتونين
مادة السيروتيونين هي عبارة عن مادة كيميائية في الدماغ أو ناقل عصبي يكاد يكون مسئولا عن المزاج أو تغير الحالة المزاجية للإنسان وهذه المادة ممكن أن يكون مؤثرا عليها قلة ضوء الشمس والتغير في نظام اليوم وتغير الساعة البيولوجية للإنسان وقض استقراره البدني والنفسي.
تغير نظام النوم
من الأسباب أيضًا التي تشكل تغيرا في النظام البيولوجي للإنسان هو اضطراب ساعات نومه بسبب تغير الفصول ولا ريب أن النوم وهو المسئول الأول عن حالة الاسترخاء والحفاظ على الحالة المزاجية في وضعها المستقر للإنسان تكاد تكون المؤثر الأول على حالة الإنسان المزاجية وبالتالي إحدى مسببات حالة كآبة الشتاء التي هي موضع حديثنا اليوم.
خاتمة
في نهاية المقال لا يسعنا أن نقول أن الصيف جنة أو أن الشتاء جحيم ومثلما وجد اكتئاب الشتاء يوجد أيضًا كآبة للصيف وللخريف ولكن كآبة الشتاء هي الحالة الأكثر انتشارا وللشتاء مميزات عدة ولكننا أردنا الوقوف على أهم الأسباب لإحدى أهم الظواهر الغريبة فيما يتعلق بتغير الفصول وارتباطها بالحالة المزاجية للإنسان ألا وهي حالة اكتئاب الشتاء .