يعد فيلم Black Panther أو الفهد الأسود أحد أفلام الأبطال الخارقين المنتمية إلى عالم مارفل السينمائي، الفيلم من إخراج ريان كلوجر وبطولة شادويك بوسيمان، مايكل بي. جوردون، لوبيتا نيونجو، دانييل كالويا، داناي جوريرا. حقق الفيلم نجاحاً كبيراً فور طرحه في دور العرض العالمية، حيث تجاوزت إيراداته حاجز المليار دولار أمريكي خلال فترة زمنية وجيزة وكذلك حظي بإشادة كبيرة من النقاد والجماهير، حتى أن البعض اعتبره أحد أفضل أفلام الأبطال الخارقين التي تم تقديمها حتى الآن بينما ذهب البعض لأبعد من ذلك معتبرين إياه الأفضل على الإطلاق.. ترى لماذا ؟ وما هي العوامل التي ميزت هذا العمل السينمائي لتلك الدرجة وأكسبته تلك المكانة والأهمية؟
عوامل تميز فيلم Black Panther :
تمكن فيلم Black Panther من تحقيق المعادلة السينمائية الأصعب وهي تحقيق النجاح الجماهيري والنقدي على السواء، ويمكن إرجاع السر في ذلك إلى مجموعة من العوامل الفنية التي منحته الأفضلية ومكنته من التفوق على غيره من الأفلام المنتمية لذات النمط السينمائي.
التوازن بين استقلالية الفيلم وارتباطه بأعمال مارفل الأخرى :
يأتي فيلم Black Panther في المرتبة الثامنة عشر ضمن ضمن تسلسل أفلام عالم مارفل السينمائي الممتد الذي انطلق في عام 2008 من خلال فيلم Iron Man، وبسبب طول المدة وكثرة الأفلام أصبح ذلك العالم شديد التشابك والتعقيد ولا يمكن بأي حال فصل أحد أفلامه عن مجموعة الأفلام الأخرى، وبقدر ما هذا ممتع فهو مزعج أيضاً، حيث أنه يتطلب من المشاهد التركيز بصورة أكبر للتمكن من ربط أحداث الأفلام المختلفة ببعضها البعض.
إلا أن صُنّاع فيلم بلاك بانثر استطاعوا الإفلات من هذه المعضلة دون التأثير على الطابع المميز لهذه السلسلة السينمائية أو الإخلال بحالة الترابط بين مختلف أفلامها، وذلك من خلال الإقلال في عدد النقاط المشتركة بين أحداث هذا الفيلم والأفلام التي سبقته، والتي يمكن اختذالها في تأسيس القصة على خلفية اغتيال حاكم وكاندا الأصلي والذي شاهدناه في فيلم Captain America: Civil War، بالإضافة إلى بعض النقاط التي قد تكون ذات تأثير على الأفلام المستقبلية وخاصة فيلم Avengers: Infinity War، بينما ظلت حبكة الفيلم الرئيسية مستقلة ومنغلقة على ذاتها وهذا بالتأكيد ساهم في جعل الفيلم أكثر تماسكاً وإحكاماً وتفرداً.
القضايا الاجتماعية والسياسية :
حققت أفلام مارفل السابقة نجاحاً ساحقاً في شباك التذاكر ونالت تقييمات مرتفعة من قبل النقاد وهي بكل تأكيد أعمالاً سينمائية مميزة، لكنها في النهاية تبقى مجرد أفلام إثارة يشوبها شيء من السطحية ولا تملك عمقاً فكرياً أو فلسفياً، إلا أن هذا أيضاً لا ينطبق على فيلم Black Panther الذي أعاد بشكل أو بآخر ثلاثية فارس الظلام The Dark Knight للمخرج كريستوفر نولان إلى الأذهان.
اختار المخرج ريان كلوجر ألا يجعل المغامرة والتشويق الهدف الرئيسي من فيلمه، بل جعل منهما إطاراً عاماً للأحداث التي استغلها في تسليط الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية المعاصرة، وهذا الأسلوب ليس جديداً على أفلام هوليوود ولكنه جديد بالنسبة لأفلام مارفل، وتتجلى براعة المخرج في تجنب أسلوب المباشرة الملل مما يعني أنه أضاف إلى فيلمه بعداً فكرياً أكثر عمقاً دون أن يُضر ذلك بروعة الجانب الفني، وتضافر تلك العوامل معه حقق تجربة مشاهدة مميزة وفريدة استحق بسببها فيلم بلاك بانثر أن يُصنف كأحد أفضل أفلام الأبطال الخارقين المقتبسة عن الكوميكس.
تصميم مشاهد الحركة والإثارة :
حققت أفلام الخيال العلمي وأفلام الأبطال الخارقين انتشاراً واسعاً خلال السنوات الأخيرة وتضاعفت معدلات إنتاجها بشكل غير مسبوق، السر في ذلك يرجع بشكل رئيسي إلى تطور آليات صناعة الخدع البصرية مما مكن المخرجين والمصورين من تقديم مشاهد إثارة أكثر إبهاراً وأكثر محاكاة للواقع.
وضع صُنّاع فيلم Black Panther -وفي مقدمتهم المخرج- أنفسهم أمام تحدي بالغ الصعوبة، حيث كان واضحاً منذ اللحظة الأولى أنهم اتخذوا قراراً بتقديم فيلماً سينمائياً استثنائياً يوازن ما بين المتعة الفنية والقيمة الفكرية، لكن كان يجب أن يتم ذلك دون الإخلال بتصنيف الفيلم الأصلي كأحد أفلام المغامرة والتشويق القائمة في الأساس على الإبهار البصري.
قدم فيلم بلاك بانثر مشاهد حركة وإثارة مناسبة من حيث الكم ومميزة من حيث التنفيذ ومتنوعة من حيث الأسلوب، حيث اشتمل الفيلم على مشاهد الالتحام الجسدي والمطاردات وغير ذلك من أشكال مشاهد الحركة، والتي جاءت جميعها مُنفذة بحرفية شديدة وبعضها مُقدم بأسلوب مبتكر وغير مُنساق وراء المألوف، وقد ساهم هذا كله في زيادة حجم المتعة وتقديم تجربة مشاهدة بالغة التميز.
حبكة الفيلم المميزة :
اعتمد فيلم Black Panther في بنائه الدرامي على حبكة بالغة القوة والترابط وهو ما جعل الأحداث -وإن كانت خيالية بالكامل- تحظى بشيء من المصداقية لدى المشاهد الذي انخرط بها وتفاعل معها منذ المشهد الأول وحتى النهاية، هذا بالإضافة إلى أن حبكة الفيلم وأسباب الصراع والدوافع التي قادت إليه جميعها كانت غير مكررة وغير مألوفة بأي من أفلام الأبطال الخارقين السابقة.
كذلك حرص السيناريو على أن تكون القصة التي يتناولها متماسكة وقائمة على أساس راسخ ولهذا أضاف إليها الكثير من الأبعاد التي منحتها ثقلاً درامياً، بدلاً من أن يحولها إلى سلسلة أحداث هزلية الهدف الوحيد منها هو تأجيج الصراع بين البطل والخصم لتقديم مجموعة من مشاهد الحركة الجوفاء كما كان الحال بالعديد من أعمال الأبطال الخارقين الأخرى.
يمكن القول بأن أحد أبرز عوامل تميُز حبكة فيلم Black Panther تتمثل في طبيعة الخصم ودافع الصراع، حيث جاء كلاهما بعيداً كل البعد عن المعتاد والمتكرر في هذا النوع من الأفلام، فالبطل هنا ليس شريراً بالمعنى الحرفي أو الشكل التقليدي والهدف الذي يسعى خلفه ليس تخريبياً بالكامل، وقد ساهم ذلك في إخراج الفيلم من الدائرة الضيقة التي طالما دارت داخلها أفلام الأبطال الخارقين الأخرى والتي أصبح المشاهد في حال تشبُع منها.
محيط الأحداث “وكاندا” :
أحد أبرز العوامل التي مَيّزت فيلم Black Panther ولفتت انتباه كل من شاهده كان الأسلوب المستخدم في تصميم الأجواء التي تدور بها الأحداث، حيث خرجت أفلام مارفل بصفة خاصة -وأفلام الأبطال الخارقين بشكل عام- من نطاق المدن الأمريكية والفضاء الخارجي، حيث أن أحداث الفيلم بالكامل تدور داخل مدينة خيالية بالكامل، قد يرى البعض أن الأمر نفسه قد تحقق قبل ذلك في مختلف أفلام شخصية باتمان التي تدور أحداثها داخل مدينة جوثام، لكن الحقيقة أن جوثام عبارة عن مدينة خيالية ذات مقومات طبيعية وهذا يختلف تماماً عن بلدة وكاندا التي جاءت خيالية بالكامل.
بلدة وكاندا هي بلدة بالغة التقدم تقع في أحضان الطبيعة الخلابة التي تمتاز بها قارة إفريقيا وقد ساهم ذلك في إثراء المحتوى البصري وتقديم صورة سينمائية فريدة ومميزة توازن ما بين الإبهار والطبيعة الخلابة، كما أبدع صُنّاع الفيلم في تصميم مدينة خيالية متقدمة تكنولوجية دون الإخلال بالطابع الأصيل المميز لشعوب القارة السمراء.
خاتمة :
يعتبر فيلم Black Panther بكل المقاييس تجربة سينمائية مميزة تمكنت من الاختلاف عن السائد بالأفلام المنتمية لذات النوع، قد يرى البعض أن هناك مبالغة في الاهتمام بالفيلم والتقييمات الحاصل عليها، لكن لا يمكن أن يُنظر إليه باعتباره فيلماً سيئاً أو ضعيف البناء، فهو أحد أفضل أفلام عالم مارفل السينمائي حتى الآن على صعيد الفكرة والهدف وأسلوب التنفيذ وبكل تأكيد يستحق المشاهدة.