في كثير من الأحيان يصيبنا فتور القراءة الذي يفقدنا شهيتنا للقراءة وشغفنا المعتاد بها، ونجد أنفسنا عند قراءة صفحتين نمل ونشرد ولا نركز مثلما كنا في السابق حول القراءة والموضوعات التي نقرأها أو نعيش بكامل حواسنا في أحداث الرواية التي بين أيدينا أو نشعر بكل حرف مكتوب في ديوان الشعر الذي نطالعه أو نستعيد الأزمنة التي نحياها مع كتاب التاريخ الذي معنا، لذلك نتحدث عن هذه الحالة المزعجة في السطور التالية:
أسباب الإصابة بـ فتور القراءة
ما هي الأسباب التي تعمل على إصابة الإنسان بفتور القراءة؟ هناك عدة أسباب:
الإجهاد النفسي والعصبي
لا ريب أن القراءة تحتاج إلى ذهن صافي ومتقد حتى نستطيع الاستمتاع بالقراءة والقدرة على استشعار اللذة في كل سطر نقرأه لذلك فتور القراءة قد ينتج من الإجهاد النفسي والعصبي والإرهاق الناتج عن العمل أو الذهن المنشغل بحل مشكلة ما أو التعرض لأزمة ما من أزمات الحياة المتنوعة لذلك تحدث لنا حالة فتور القراءة المزعجة التي لا نتحملها خصوصًا إن كنا من الأشخاص المداومين على القراءة وهي هوايتنا الأولى لذلك فإن الإجهاد العصبي والذهني والإرهاق الذي نتعرض له قادرا على إصابتنا بهذه الحالة.
قراءة كتب مملة متتالية
من الأمور المحبطة التي تدفعنا إلى حالة فتور القراءة أن نقرأ عدة كتب مملة وغير ممتعة بشكل متتابع مما يجعلنا نفقد الثقة في الكتب بشكل عام ويجعلنا نشعر أن كل كتاب سنختاره بعد هذه المجموعة من الكتب سيلحق بسابقيه وسيكون مملا مثلهم لذلك قراءة الكتب المملة من الأشياء التي تؤثر على شهيتك للقراءة بشكل سلبي وتجعلك تفقد شهيتك نحوها وتحبط من الكتب والقراءة بشكل عام.
قراءة أعمال ضخمة ومرهقة
من الأشياء التي تجعلنا نحس بـ فتور القراءة أيضًا قراءة أعمال ضخمة تحتاج إلى جهد ذهني كبير وإفراغ وقت كبير لإنهائها مثل المجلدات التي تتحدث عن فترة تاريخية هامة أو أمهات الكتب في الفلسفة أو في النظريات الاقتصادية وهي بالضرورة ليست ممتعة في بعض أجزائها مما ينتج بعد إنهائها عن فتور القراءة والشعور بأنك لا تريد أي شيء لقراءته بعد هذا ومن هنا تنتج هذه الحالة.
اعتياد القراءة بشكل دائم ويومي
اعتياد القراءة بشكل دائم ويومي يسبب لك شعورا بالرتابة والملل ولذلك عليك ألا تعتاد القراءة بشكل يومي لأنه سينتابك الرتابة والملل وتشعر أنه روتين يومي يجب عليك فعله بغض النظر عن استمتاعك به أم لا وذلك ما سيسبب فتور القراءة بدافع كراهيتنا لملل والروتين ورغبتنا الدائمة في التغيير.
إرغام نفسك على قراءة كتب مملة لأنها مهمة
من الأشياء التي يتورط فيها الكثير من الناس ويظنون أنها عادة جيدة أنهم يرغمون أنفسهم على قراءة كتب مملة لا يستمتعون بها على الإطلاق بل يملون منها وينفرون من استكمالها ولكن يواصلون إرغام أنفسهم على قراءتها بسبب أن الناس يقولون عنها أنها كتب مهمة ويجب أن يقرأها كل شخص شغوف بالقراءة ومثقف وبالتالي يعذبون أنفسهم بهذا الشكل لمجرد فقط حمل صفة أنه قرأ هذا الكتاب وهذا بالطبع ما يخرج عن منطق القراءة وعن غايتها وهدفها الأساسي تماما.
قراءة نفس نوعية الكتب باستمرار
أنت تقرأ الروايات على الدوام أو تقرأ الكتب العلمية على الدوام أو تقرأ كتب التاريخ على الدوام أو تقرأ في الفلسفة على الدوام أو تقرأ الشعر على الدوام وهذا بالطبع سيسبب لك الملل بعد فترة وتشعر أنك تسجن نفسك في سجن من ورق وسيدفع حالة فتور القراءة للاستيقاظ بداخلك ولكن احرص على الدوام على استكشاف نوعيات أخرى من الكتب.
شعورك بالعزلة بسبب القراءة
أنت دائما تشعر بالعزلة بسبب القراءة وتشعر أنك وحيد فقط مع كل هذه الكتب التي قرأتها وأن القراءة تعزلك عن العالم الخارجي وعن التجارب الحقيقية ولمس الواقع بأناملك، حيث تقرأ روايات عاطفية كثيرة ولكن لم تجرب في حياتك علاقة واحدة على سبيل المثال، وهذا بالطبع يجعل إيمانك بالكتب يتضاءل ويصيبك فتور القراءة وهذا الإدراك لا يصيب الكثير من الناس بل هناك من يظل يعيش حياته بأكملها مع الكتب وكلما ازداد عزلة بسبب الكتب كلما شعر أن أمانه قد ينقض من دونها.
عملك في وظيفة مختصة بالقراءة أو الكتابة
عندما يصبح أي شيء إلزاميا نصاب مباشرة بالنفور منه وبالتالي فتور القراءة ممكن أن يكون سببه الرئيسي أن وظيفتك لها علاقة بالقراءة أو بالكتابة أو أنك تقرأ كثيرا مما نتج عنه أنك في أوقات فراغك تحب أن تقوم بأي شيء غير القراءة التي هي صلب عملك ووظيفتك حتى ولو ظللت محدقا في السقف لذلك إن أصبت بفتور القراءة وأنت تعمل في شيء له علاقة بها فهذا من الطبيعي.
كيفية حل مشكلة فتور القراءة
والآن بعد أن تحدثنا باستفاضة عن الأسباب التي يمكن من شأنها أن تسبب حالة فتور القراءة سنتحدث عن العلاج والحل وكيف يمكننا أن نزيل هذه الحالة أو نتخفف منها؟
أخد استراحة من القراءة
إذا أصابك فتور القراءة لا ترغم نفسك على المزيد من القراءة، خذ استراحة منها على الفور، استراحة محددة بوقت معين كأن تأخذ استراحة أسبوعا مثلا وهذا الأفضل أو استراحة إلى أجل غير مسمى وهو أن تعود للقراءة وقتما تشعر أنك يمكنك العودة للقراءة مرة أخرى، وهذا حلا جيدا ولكن في بعض الأحيان قد يأخذك لفتور طويل من القراءة قد يصل لشهور وربما لسنين لذلك من الأفضل أن تأخذ استراحة على شكل مدة محددة وتحدد كتابا معينا أيضًا لقراءته عند العودة.
مشاهدة الأفلام
بدلا من القراءة غير هوايتك قليلا، قم بمشاهدة الأفلام سواء كانت أفلاما وثائقية أم روائية، قم بمشاهدة أكبر كم من الأفلام الجميلة والممتعة حتى تشعر أنك قد تشبعت منها بالكامل وفي النهاية ستجد نفسك عدت لأحضان القراءة من جديد، مشاهدة الأفلام عموما من الأمور الممتعة جدا ولا مانع إن كنت من غير محبي الأفلام أن تبدأ في المداومة على مشاهدة فيلم ولو مرة بشكل أسبوعي لأنها فن عظيم وجميل ويستحق منك أن تلتفت إليه.
مشاهدة البرامج الحوارية
الكتب عادة تكون رائعة لأنها تنقل لك عقل شخص آخر ورؤيته تجاه قضية معينة ولكن البرامج الحوارية لها ميزة وخصوصا تلك التي تهتم بالمناظرات وإحضار شخصين يمتلكان وجهتي نظر مختلفتين لمناقشتهما وعرض كل شخص حجته وهذا ما لا ستوفره لك الكتب المعتمدة على رأي أحادي وسيتوجب عليك قراءة كتاب من الجهة الأخرى أما السجال الذي تحققه البرامج الحوارية يجعل الآنية في الرد تشعرك بالمتعة وأنت تشاهد وجهتي نظر تتصارعان بهذا الشكل لذلك إن أصابك فتور القراءة وأردت أن تأخذ استراحة فلا مانع أن تفعل ذلك كتدعيم وتشجيع لإرجاعك للقراءة مرة أخرى خصوصا أن مثل هذه البرامج تعرض شذرات عن كل وجهة نظر دون الخوض في تفاصيل بالتالي تحتاج أن تعود للكتب مرة أخرى من أجل المراجعة والاستزادة.
مشاهدة الاسكتشات الكوميدية
بعيدا عن جو القراءة الجاد والكئيب ربما في بعض الأحيان، ما الذي يمنعك من جعل أسبوع التوقف عن القراءة الذي ستأخذه لمعالجة حالة فتور القراءة أسبوعا من الضحك والكوميديا والفكاهة كتعويض عن جدية الكتابة وموضوعية الكتب، لماذا لا تنظر للعالم نظرة هازلة هازئة وأنت تشاهد الاسكتشات الكوميدية التي الهدف منها هو الإضحاك والإضحاك فحسب دون النظر لأي شيء آخر، الكوميديا مهمة جدا ومشاهدة الاسكتشات أو الفقرات أو حتى الأفلام والمسلسلات الكوميدية من الأمور الممتعة والمبهجة حقا وتجعلك تشعر بالسعادة والفرح في حياتك، واجعلها عادة دائما على العموم للانفصال عن جدية الكتب وتجهُم الكتاب.
الخروج للتنزه والقيام برحلة لأي مكان قريب
هل قرأت من قبل عن أي مكان أثري ويكون موجودا في بلدك؟ هل أتى في أحداث رواية قرأتها من قبل ذكر مكان ولو حتى مقهى قديم ومتاح إليك أن تذهب للجلوس فيه؟ ما الذي يمنعك من فعل هذا؟ قم بتنظيم رحلة لأي مكان قريب إليك، قم بلمس الواقع إن كنت قد ضقت بالعزلة التي تفرضها عليك القراءة، قم بالتنزه في أقرب مكان يمكن أن تذهب إليه أو قم بزيارة بقعة قديمة تمثل لك ذكرى سعيدة في الماضي، كل هذه الأشياء مهمة لمواجهة فتور القراءة بشكل أفضل، ولكن عليك البحث عن السبب لمعالجته بالعلاج المناسب له.
الالتقاء بأشخاص تحبهم
من أهم الطرق التي يمكن أن تسلكها لمواجهة العزلة التي تشعر بها من أثر مداومتك على القراءة والمطالعة الالتقاء بأشخاص تحبهم وتستريح إليهم سواء كانوا أصدقاء أو أقارب أو غير ذلك ويستحسن على نهاية الأسبوع تقوم بالتقاء أشخاص قراء مثلك لأنهم سيتحدثون معك عن الكتب وعن القراءة وسيرشحون لك كتبا بعينها وسيتحدثون معك عن قراءاتهم التي أنهوها وعما يقرؤونه حاليا وما هي خططهم المستقبلية للقراءة وستتبادلون الحديث حول الكتب والكُتاب مما سينشط رغبتك في القراءة وتستعيد شهيتك للقراءة مرة أخرى.
البدء بقراءة أشياء خفيفة
عندما تعود إلى القراءة مرة أخرى قم بقراءة أشياء خفيفة، تلك الألبومات الساخرة أو التي تتحدث عن مواقف لطيفة للمشاهير أو لكتاب ساخرين، ولا تبدأ بقراءة شيء دسم، لتكن هذه الكتب بمثابة المقبلات التي تستمتع بقراءتها قبل أن تصلك الوجبة الرئيسية، لذلك فتور القراءة يمكن أن يواجه بقراءة أشياء خفيفة كتنشيط لشهية القراءة وكفاصل بين الكتب الجادة والموضوعية.
قراءة الموضوعات التي تهمك فقط
مهما حدث، إن كان هناك كتابا لا يعجبك لا تكمله مهما أقنعوك أنه مهما، إن لم تستشعر المتعة وأنت تقرأ فهذا الكتاب ليس لك، العمر قصير وأنت لن تستطيع قراءة كل الكتب في الدنيا لذلك اعمل على إمتاع نفسك، لو كتابا مملا ألقه في القمامة، الكتاب الجيد هو الكتاب الذي يعجبك فحسب ولا تهتم كثيرا بآراء الناس لأن كل شخص يحكم من وجهة نظره هو وحسب تجربته ونفسيته الصالحة لتلقي الكتاب.
القراءة عن القراءة
أكثر ما يجعلك تستعيد شهيتك للقراءة مرة أخرى هو أن تقرأ عن القراءة، القراءة عن القراءة من أكثر الأمور التي تحفزك للقراءة وتشجعك عليها مرة أخرى لذلك حارب فتور القراءة بالقراءة عن القراءة كآلية دفاع عكسية.
خاتمة
فتور القراءة حالة طبيعية ممكن أن تأتيك في أي لحظة لكن لا تستسلم لها واعمل دائما على مواجهتها ولكن لا شك أنك يجب عليك أن تأخذ فاصلا من القراءة كل فترة والاستمتاع بفعل أشياء أخرى.