في منتصف شهر رمضان من العام الثاني للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى، والتي استشهد فيها أربعة عشر مسلم، وسبعين قتيلًا من القرشيين، وهي تعد أول غزوة في الإسلام ولها العديد من الأسباب الغير مباشرة مثل الجهاد لاسترداد الحقوق التي أخذت من المسلمين وقت خروجهم من مكة من أموال وديار وتجارة، خوف بني قريش من التجاء المسلمين للأنصار في المدينة لأنهم سيساندونهم ويقفون بجانبهم حتى تقوى شوكة المسلمين، هذا بجانب أن المسلمين كانوا في منطقة هامة من بلاد الحجاز والتي لابد للمشركين أن يمروا من خلالها مما يجعلهم في موضع تهديد وخوف طول الأمد، وأيضًا عدم اتفاق الإسلام مع الكفر فهذا حق وهذا باطل ولا بد من زوال الباطل إن الباطل كان زهوقا، وأخيرًا نأتي للسبب المباشر وهو اعتراض الرسول وأصحابه لعير قريش كانت في الشأم وقادمة إلى مكة، وهذه العير كانت محملة بالكثير من المتاع والمأكل والمشرب وهذه هي حقوق المسلمين التي سلبت منهم وقت خروجهم من مكة.
غزوة بدر نتيجة مباشرة لاعتراض المسلمين لعير قريش
السبب المباشر في وقوع غزوة بدر الكبرى هو اعتراض المسلمين لعير قريش القادمة من الشام، فكما هو معروف كانت تقام رحلتين كل عام رحلة الشتاء لبلاد اليمن ورحلة الصيف لبلاد الشام، وعندما كانت قريش تجهز قوافلها للخروج من مكة إلى الشام علم الرسول بذلك وخرج لكي يقطع الطريق عليهم، ولكنه وصل متأخرًا والمشركين قد سابقوه إلى طريقهم فرجع الرسول إلى المدينة مرة أخرى، وقد أبقى أحد الصحابة لكي يقتص خبرهم ويعلم وقت عودتهم، وفي جمادى الأخر وعندما كان طلحة بن عبيد الله صاحب الرسول منتظر عير قريش وجدها في الحوراء، فقام بالعودة سريعًا إلى الرسول ليخبره بذلك الأمر، فتجهر رسول الله هو ومائة وسبعين من أصحابه وخرج إلى الطريق ليعترضهم، ولم يكن في نيته القتال بل كان قاصدًا الأموال والمتاع المحملين في القوافل لأنها في الحقيقة أموال المسلمين التي أخذت منهم وقت خروجهم من مكة.
وقد علم أبو سفيان قائد القوافل بذلك الخبر فذهب مسرعًا ليسلك طريقًا أخر لكي يهرب من المسلمين، وبالفعل تمكن من الهرب وعاد إلى مكة ليخبر القرشيين بذلك فاغتاظوا من تلك الفعلة لأنهم سادات مكة وكيف بمحمد بن عبد الله أن يقف في وجهم، وخرجوا لمقاتلة المسلمين في تسعمائة وخمسين مقاتل فالوقت الذي كان المسلمون لا يتعدون الثلاثمائة وخمسين بعدما قدم إلى الرسول بعد الأنصار، وحدثت غزوة بدر في أقصى الجنوب الغربي من المدينة المنورة عند آبار بدر بالتحديد.
تمركز المسلمين في منطقة هامة
نأتي هنا للحديث عن أحد الأسباب الغير مباشرة لقيام غزوة بدر وهي تمركز المسلمين في منطقة هامة وخطير بالنسبة للقرشيين، فقد خرج الرسول الكريم من مكة إلى المدينة المنورة هربًا من بطش المشركين وإيجادًا لمكان مناسب للدعوة، وتعد المدينة المنورة هي أحد الأماكن التي تمر عليها قوافل قريش الذاهبة لبلاد الشام ومن الصعب العبور من أي مكان أخر، مما جعل المشركين يخافون من هذا التواجد الذي من الممكن أن يعترض طريقهم ويأخذ ما تحمله قوافلهم من مال ومتاع ومأكل ومشرب، مما جعل تجارة بني قريش في خطر شديد من أي مداهمة مفاجئة للقوافل، وهذا ما حدث بالفعل قبيل وقوع غزوة بدر وكان سببًا في خروج مشركي مكة لمقاتلة المسلمين، ظنًا منهم أن هذه المعركة سوف تكلل بالنجاح ويشتت المسلمين ويصبحون بلا قوة، ولكن حدث ما لم تكن تتوقعه قريش في الحرب.
غزوة بدر توقعًا نية بني قريش في القضاء على الأنصار
السبب الثاني من الأسباب الغير مباشرة لقيام غزوة بدر هو نية بني قريش في القضاء على أنصار المدينة، كانت العلاقات قبل هجرة الرسول محمد وأصحابه من مكة إلى المدينة يسودها السلام والأمان بين بني قريش وأنصار المدينة، ولكن بعد استقبالهم للرسول وأصحابه بكل حب ومودة واعتناق أغلبهم للإسلام خاف المشركون على أنفسهم من هذا التعاون، وبدأت روح العداوة تخترق قلوب بني قريش ويترقبون الفرصة للقضاء على الأنصار، وذلك لأن الأنصار هم من نصروا الرسول وعزروه وفتحوا ديارهم له ولأصحابه بعدما كانوا مضطهدين ومعذبين في مكة ولا أمل في انتشار الدعوة الإسلامية أو زيادة شوكة المسلمين، ولكن مع خروجهم ازدادت الأعداد وقويت شوكة المسلمين وخاف المشركون على أنفسهم وعاداتهم وتقاليدهم من الانهيار، فقد كانوا قوم أعزاء وتهابهم كل المدن المجاورة ومع قوة المسلمين تندثر قوتهم وتصبح آلهتهم في طي النسيان، ولذلك كانوا يتحينون الفرصة لمقاتلتهم جميعًا.
سلب ونهب بني قريش لديار المسلمين
بعدما خرج المسلمون من مكة هربًا من بطش الكفار وبحثًا عن مكان أمن لنشر الإسلام، قام بني قريش بنهب وسلب ديار المسلمين فقد أخذوا ما فيها من أموال ومتاع وأي شيء ينتفع به بالامتلاك أو البيع، هذا بجانب بيع أبو سفيان لأحد ديار بني جحش إلى عمرو بن علقمة أحد سادات مكة، وقد ذكرت المصادر أيضًا أن ديار بني البكير وبني مظعون وبني رئاب ظلت مغلقة لفترة من الوقت فقام بني قريش بكسر أقفالها وسرقة كل ما فيها، مما أثار غضب أصحابها المسلمين وقرروا الانتقام من ذلك وكانت قافلة أبو سفيان هي أمثل شيء لذلك، حيث أن أغلب أموالها كانت من حقوق المسلمين التي سلبت منهم، فلذلك خرج الرسول وأصحابه لكي يأخذ ما هو حق له فأعترض القافلة ولكن تمكنت من الهرب وبعدها خرج المشركون لمقاتلة المسلمين، ولذلك يعد هذا السبب من أهم عوامل قيام غزوة بدر الكبرى.
تعفف المهاجرين من كثرة كرم الأنصار
يعتبر هذا العنصر مشابه للعنصر الذي قبله في بعض الأشياء، حيث أن الرسول محمد وأصحابه المهاجرين ذهبوا للمدينة وأستقبلهم الأنصار بكل سرور وكرم وأدخلوهم ديارهم وأعطوهم من ملابسهم ومأكلهم ومشربهم، ومع مرور الوقت كان لابد من تغير هذا الحال ولم يتفوه الأنصار بأي كلمة تخص هذا الموضوع بل زادوهم كرمًا ومودة، ولكن الأمر خرج من المهاجرين بأنهم يريدون التعفف وأخذ ما لهم من حق قد سلب أثناء خروجهم من مكة، ومع ازدياد قوتهم وعددهم قرروا الخروج لقطع طريق قافلة أبو سفيان الضخمة نظرًا لأحقيتهم بها، وهذا من ضمن الأسباب الغير مباشرة لقيام غزوة بدر.
اغتياظ المشركين من سرايا الرسول
قبل اعتراض المسلمين لهذه القافلة كانت النبي يرسل سرايا بسيطة لعمل مناوشات بالقرب من مكة، وقد وصل مقدار هذه السرايا إلى سبعة يتراوح أعداد جنودهم بين العشرة إلى الثمانين جندي من المسلمين، وهذا ما أزعج بني قريش كثيرًا وخاصة عندما خرج الرسول محمد بنفسه لقيادة أحد هذه السرايا مما أثخن الأمر كثيرًا وجعل الحرب حتمية الوقوع، ولذلك تعد السرايا من أهم أسباب وقوع غزوة بدر الكبرى والتي انتهت بانتصار المسلمين.
الكاتب: أحمد علي