تُعتبر غزوة أحد بلا أدنى شك واحدة من أهم الغزوات التي خاضها المسلمون في تاريخهم، فالجميع بالطبع يعرف تاريخ الجهاد الطويل الذي يعج به التاريخ الإسلامي وما قاد إليه ذلك التاريخ من تأسيس دولة إسلامية لم يكن يجرؤ أحد على مقارعتها، وحتى لو كانت تلك الدولة قد تفرقت الآن فإن الفضل لهؤلاء المجاهدين، بعد الله بكل تأكيد، في نشر الإسلام في كل مكان، والحقيقة أننا إذا كنا سنتناول الغزوات التي شهدها التاريخ الإسلامي فسنكون بحاجة بالتأكيد إلى الكثير والكثير من المقالات، وخاصةً غزوة أحد الشهيرة التي يُمكننا التحدث عنها حتى الصباح، بيد أننا فقط سوف نكتفي بذكر الجانب المُتعلق بعدم انتصار المسلمين في تلك الغزوة على الرغم من عدم مرور وقت طويل على انتصار بدر المُدوي، عمومًا الأسباب موجودة بالطبع، وإذا أردنا البدء بالسبب الأهم فسوف يكون بالتأكيد عدم التزام الرماة بتعليمات النبي.
عدم التزام الرماة بالتعليمات التي أمر بها النبي
النبي صلى الله عليه وسلم كان القائد لجيش المسلمين في كل المعارك التي خاضوها وهو على قيد الحياة، كان يضع الخطط ويرسم خط سير المعركة، كان مُدبرًا حكيمًا، وكان مؤيدًا من الله في كل ما يفعله، لذلك يكون من المنطقي في النهاية أن يُصبح النصر حليفًا لجيش المسلمين حتى ولو لم يكن هو الأقوى من حيث العدة والعتاد، لكن في غزوة أحد تبدلت الأمور، فبعد أن وضع النبي الكريم خطته لم يلتزم جزء من الجيش بها، ومن هنا جاء الخلل الذي قاد في النهاية إلى عدم الانتصار في معركة كان يظن البعض قبل بدايتها أنه محسومة للمسلمين.
كان النبي قد أمر الرماة قبل بدء المعركة بعد ترك مواقعهم مهما كلف الأمر، حتى ولو شاهدوا بأنفسهم آخر مُسلم وهو يُقتل على أيدي المشركين، لكن ما حدث أنه فور رؤية بعض الرماة لكفة المسلمين وهي تُرجح أثناء المعركة ظنوا أن النصر قد جاء ليرقص معهم فتركوا مواقعهم ونزلوا إلى الميدان من أجل البدء في جمع الغنائم، وهنا كان المشركين يستعدون للعودة من جديد وقلب الطاولة على الجيش الذي بدأ أفراد منه في جمع غنائم معركة لم تنتهي بعد!
وجود خالد بن الوليد ضمن جيش المشركين
ربما يُدهشكم ذلك، لكن وجود خالد بن الوليد ضمن جيش المشركين كان سببًا كافيًا لقلب الطاولة على جيش المسلمين، فهذا الرجل كان داهية حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، وداهية حرب مثل هذا يستطع بكل سهولة استغلال أقل الأخطاء وقلب الهزيمة إلى الانتصار، أجل كما تسمعون تمامًا، في بعض الأحيان يُمكن لرجل واحد أن يصنع الفارق، لكن إذا كان هذا الرجل الذي نتحدث عنه هو خالد بن الوليد فإنه دائمًا ما يصنع الفارق، وأكبر دليل على ذلك أنه عندما دخل الإسلام أُطلق عليه لقب سيف الله المسلول، لكن يا تُرى ما الذي فعله خالد وتسبب في قلب الطاولة؟
كما ذكرنا، لم يكن خالد قويًا فقط، وإنما ذكيًا كذلك، ولهذا فإنه لم يفر هاربًا عندما كانت كافة المسلمين تُرجح في الحرب، وإنما أخذ يبحث عن الثغرة أو الخطأ الذي من الطبيعي تمامًا تواجده في المعارك الكبيرة مثل هذه، وقد كانت هذه الثغرة هي ترك بعض المسلمين من الرماة مواقعهم والنزول لجمع الغنائم، أو بمعنى أكثر توضيحًا، مخالفتهم لتعليمات النبي، وهذا ما جعل خالد يستحوذ على موقع الرماة ويضرب الجيش في مواقعه الخلفية لتبدأ الخسائر تتحول من جيش المشركين إلى جيش المسلمين، ولهذا لم ينتصر المسلمين في غزوة أحد .
تسرب أخبار كاذبة عن موت النبي
مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الرجل الأول بين المسلمين ومُلهمهم، كان كل شيء، فبعيدًا عن كونه نبي كان كذلك القائد داخل الحرب وواضع الخطط العسكرية، فجميعنا يعلم بكل تأكيد أن الصحابة كان أغلبهم لا يُجيد القتال، بل كانوا جديدين عليه، ولهذا كانوا في حاجة دائمًا إلى من يقودهم، وهو النبي بالطبع، ولهذا لم يكن من المنطقي أبدًا ألا يشعروا بالانهيار عقب سماع خبر موته، أجل، فقد تسرب ذلك الخبر أثناء الغزوة وبات أكثر من ثلثي الجيش يُقاتل وهو يُظن أن النبي قد مات، وهنا بدأت النفوس الضعيفة تخور، وبدأ البعض يقولون أن النبي إذا مات فلا يوجد ما يستحق القتال من أجله، هذا بخلاف الأصوات العاقلة التي كانت تدعو إلى الموت على ما مات عليه النبي.
أخبار موت النبي جاءت كالنار في الهشيم، فعقب انتشارها بدأ الجيش يتقهقر أكثر وأكثر، وبدأ القتلى يزيدون في صفوف المسلمين حتى بدأت الكِفة تميل بشكل واضح إلى المشركين بقيادة القائد خالد بن الوليد، وبدا جليًا أن ميدان المعركة قد أصبح له حاكم جديد، كل هذا وأخبار النبي منتشرة لتُضعف نفوس المسلمين وتقوي على الجانب الآخر من قلوب المشركين، لكن في النهاية استعاد الجيش عافيته وانتشرت الأخبار الصحيحة حول كون النبي لا يزال على قيد الحياة.
اغترار بعض المسلمين بقوتهم أمام المشركين
الثقة في الله أمر جيد بكل تأكيد، فيجب علينا أن نتوكل عليه في كل خطوة نقوم بها، لكن التوكل شيء والتواكل شيء آخر مُختلف تمامًا، وهذا ما حدث بالضبط من قِبل بعض المسلمين خلال غزوة أحد ، حيث ظنوا أنهم لن يُهزموا ولن ينتصر المشركين عليهم فقط لكونهم مسلمين، في الوقت الذي نسوا فيه أمرًا هامًا، وهو أن نصر الله يهبط على أولئك الذين يستحقونه، ولا نقول طبعًا أن المسلمين يوم أحد لم يكونوا مستحقين النصر وإنما فقط لم يطلبوه بالطريقة الصحيحة لطلبه، لم يطلبوه مثل طلبوه يوم بدر مثلًا، يوم أن قاتلت معهم الملائكة.
هذا الأمر ما زال يحدث حتى الآن لكن على نطاق ضيق، فعندما نرى الغرب الأوروبي ودولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على العالم نعتقد أن الله قد خذلنا ولم يعد يقف بجوارنا، ولا نُفكر أبدًا في أن التقصير من عندنا نحن، وأننا لم نعد نفرق بين التوكل والتواكل، فأصبحنا نطلب النصر من الله ونحن نائمين على بطوننا، في الوقت الذي نجد فيه ذلك الغرب الكافر يبذل قصارى جهده من أجل إحراز التقدم والانتصارات واحدة تلو الأخرى، صحيح أننا في النهاية سوف نحظى بالجنة ونعيمها لكوننا مسلمين لكنه لم يثبت أبدًا تحريم العمل والسعي من أجل الحصول على النعيم في الدنيا أيضًا، وبطريقةٍ أو بأخرى كانت تلك الثقة الغير مُستندة على أفعال سببًا مباشرًا في عدم الانتصار يوم أحد.
فرار بعض المقاتلين من المعركة
كما ذكرنا من قبل، بعد أن تسربت أنباء كاذبة عن موت النبي صلى الله عليه وسلم ضعفت بعض النفوس وفقدت توازنها، وهنا كان الفرار من ساحة المعركة الحل الأنسب بالنسبة لهم، وطبعًا آخر شيء يُريد أي جيش حدوثه أن يفرّ جنوده من ساحة المعركة، فهذا الأمر لا يعني فقط أن الأعداد ستتناقص، وإنما كذلك المعنويات الخاصة بالجنود المُتبقين سوف تبدأ في التناقص كذلك، فقط تخيل أنك عزيزي القارئ في ساحة معركة الآن ثم علمت بأن القائد قد مات وأن زُملائك يفرون من أرض المعركة، ما الذي ستكون عليه معنوياتك في هذا التوقيت؟ وهذا ما حدث بالضبط في غزوة أحد وأدى في النهاية إلى عدم انتصار المسلمين في هذه المعركة.
الذين فروا من ساحة القتال لم يكونوا بالضرورة ضعفاء النفوس فقط، بل أيضًا أشخاص آخرين أرادوا الخروج من وسط هذا الجحيم من أجل إعادة ترتيب القوة والعودة مجددًا في صورة أفضل، وذلك لأن ساحة القتال كان تنعم بحالة من الهرج والمرج الغير طبيعيين، وكل هذا في الحقيقة قد حدث في المقام الأول بسبب عدم التزام الرماة بتعليمات النبي ونزولهم لجمع الغنائم في وقت كانت المعركة فيه قريبة من الحسم لصالح المُسلمين.
مقتل أسد الله حمزة بن عبد المطلب
المصائب لا تأتي فُرادى بلا أدنى شك، ففي الوقت الذي انتشرت فيه إشاعة كاذبة عن موت النبي صلى الله عليه وسلم خرجت معلومة أخرى لكنها كانت صحيحة هذه المرة، وتلك المعلومة هي موت أسد الله حمزة بن عبد المطلب، والذي كان يُمثل مع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب قوة كبيرة في جيش المُسلمين، ثم أن الطريقة التي قُتل بها كانت مروعة كذلك ومُرعبة، حيث قيل صراحةً أن هند بنت عتبه قد مثلت بجثته، وهو أمر مُهين بالطبع يملأ القلب بالألم، ناهيكم أنه قد حدث مع علم من أعلام جيش المسلمين، ولهذا نقول أنه كان سببًا مُباشرًا من أسباب عدم الانتصار في أحد.
حمزة بن عبد المطلب لم يكن مجرد مقاتل عادي في جيش المسلمين، فقد كان قوة كبيرة لهم، وهذا ما اتضح بشدة لحظة اسلمه، كما أن النبي كان يُحبه كثيرًا ويعتمد عليه في قيادة الجيش، لهذا كان موته بهذه الطريقة ضربة قوية جعلت الجميع في حالة تخبط شديدة، حالة التخبط تلك قادت في النهاية إلى النتيجة التي لم يكن أحد يتوقعها قبل بداية الغزوة، وهي عدم فوز المسلمين على الرغم من التفوق المعنوي الكبير.
غياب بعض المسلمين عن غزوة أحد
أيضًا يُمكننا أن نذكر سبب آخر كان من ضمن الأسباب القوية لعدم انتصار المسلمين في غزوة أحد ، وهو غياب بعض المسلمين وعدم انضمامهم للجيش لأسباب مختلفة، فطبعًا من المعروف أنه في غزوة بدرٍ الأولى تجمع كامل الجيش، وعلى الرغم من أن الأعداد في النهاية لم تكن كبيرة إلا أن تلك الغزوة شهدت تجمع المسلمين بكامل قوتهم، وعلى العكس تمامًا كانت غزوة أحد ، صحيح أن الجيش في هذه الغزوة كان عدده أكبر بكثير من الجيش الذي قاتل في بدر إلا أن المُحصلة في النهاية تقول أنه في الغزوة الأولى تجيش الجميع بينما في الغزوة الثانية تخلف البعض، وقد تم اعتبار ذلك كما ذكرنا سببًا من أسباب عدم الانتصار، تلك الأسباب التي كانت كثيرة وفارقة بحق.
ختامًا، انتهت غزوة أحد ثم جاءت بعد ذلك الكثير من الغزوات التي انتصر بها المسلمين بعد أن تعلموا الدرس جيدًا، ذلك الدرس الذي يقول بأنه خلال المعركة، وبعد التوكل على الله، يجب عليك أن تلتزم جيدًا بتعليمات وتوجيهات القائد.