يُمثل عمر الثلاثين نقطة فاصلة في مسيرة أي إنسان ويرى العلماء أن طبيعة الحياة تختلف بعده بصورة كبيرة عما كانت عليه قبل ذلك، وقد تم إثبات هذا الأمر علمياً من خلال العديد من الدراسات التي دامت لفترات طويلة إحداها استمرت نحو 75 عاماً واستعرضت التغيرات التي تطرأ على حياة الإنسان وطبيعة علاقاته بالآخرين في كل مرحلة عمرية.. فترى لماذا تختلف الأمور بعد عمر الثلاثين تحديداً؟ وما مظاهر ذلك؟
مظاهر وأسباب اختلاف الحياة بعد عمر الثلاثين
حدد العلماء مجموعة العوامل التي تجعل عمر الثلاثين نقطة فاصلة في حياة الإنسان وكذلك حددوا مظاهر التغير الذي يطرأ عليها بعده، وكانت كالآتي:
بلوغ ذروة النضج
يصبح الإنسان أكثر نضجاً بعد بلوغه عمر الثلاثين ومن ثم يتوقف عن القيام بمجموعة التصرفات الطائشة الغير مدروسة التي تليق أكثر بالشباب في مرحلة المراهقة، وكذلك سوف يتوقف عن التخبط ويصبح أكثر قدرة على التحكم في مُجريات حياته؛ حيث كشفت بعض الدراسات العلمية أن نمو الدماغ البشري لا يتوقف إلا بعد بعد بلوغ الإنسان عمر الثلاثين وقد يستمر الأمر لبضعة سنوات بعد ذلك.
أكدت إحدى الدراسات التي أجريت مؤخراً حول تكوين المخ والوظائف الإدراكية لدى الإنسان أن نمو بعض أجزاء المخ وخاصة قشرة الفص الجبهي يستغرق نموها فترات طويلة، وذلك الجزء هو المسؤول عن بعض الوظائف بالغة الأهمية مثل صناعة القرار والتخطيط للمستقبل والسلوك الاجتماعي والتواصل مع الآخرين وغير ذلك.
معرفة الذات بدرجة أكبر
“أنا لا أجد نفسي.. لا أعلم ماذا أريد أو ماذا احتاج”، تتردد هذه الشاكلة من العبارات بكثرة على ألسنة الصبيان والشباب ولكنها تختفي تقريباً بعد تجاوز عمر الثلاثين بقليل، وذلك لأن الإنسان بالفعل في هذه المراحل يكون جاهلاً بحقيقة ذاته وهذا لسبب واحد هو أن شخصيته لم تكتمل بعد ولا تزال في طور التكوين.
حين يصل الشخص إلى عمر الثلاثين أو يتجاوزه تكون شخصيته قد تكونت واكتملت بفعل ما العديد من العوامل المتشابكة، في مقدمتها المواقف والتجارب التي شهدها خلال السنوات الماضية وكذلك البيئة التي نشأ داخلها ومستوى التعليم والثقافة وغير ذلك من الأمور، ومن ثم يستشعر الإنسان أنه على دراية كاملة بنفسه ومُتحكماً بها ولم تعاود تلك الأسئلة إزعاجه مرة أخرى.
الخبرات الحياتية أمراً لا يُستهان به
الفشل في تحقيق الأهداف والصدمات العاطفية والخيبات وانقطاع العلاقات كلها أمور نرى بها الجانب السلبي فقط، لكن الحقيقة أن كل تجربة يمر بها الإنسان في حياته مهما بلغت درجة قسوتها تترك أثراً في نفسه وعقله؛ حيث يتعلم منها بعض الأمور وتضيف إليه عدداً من الخبرات.
يقول أطباء النفس أن الإنسان الحالي ما هو إلا نتاج التجارب والمواقف العديدة التي مر بها خلال الفترة الماضية من حياته، وحين يصل المرء إلى عمر الثلاثين يكون بكل تأكيد قد مر بعدد كبير من التجارب الحياتية -التي قد يكون بعضها مؤلماً- لكنها بكل تأكيد أضافت شيء ما إلى العقل والنفس وبالتالي تجعله أكثر نضجاً ووعياً وبالتالي تُشكل ما يشبه حائط الصد، حيث أن الإنسان عادة لا يتجرع ذات الكأس مرتين ولا يسمح أبداً لآلام الماضي بالعودة إلى حياته مرة أخرى، ومن ثم يمكن القول بأن الوصول إلى عمر الثلاثين يضمن بنسبة كبيرة تحقيق نجاحات أكبر والتعرض إلى خيبات أمل أقل.
العلاقات الإنسانية أكثر صحية واستقراراً
تشهد العلاقات الإنسانية في مرحلة ما قبل عمر الثلاثين قدر كبير من التخبط وانعدام الاستقرار وقد ينتج عنها تعرض الإنسان لأكثر من خيبة أمل أو صدمة عاطفية، لكن عند تجاوز هذه المرحلة العُمرية تختلف الأمور بصورة كبيرة وهذا يشمل مختلف أنواع العلاقات، حيث أثبتت الدراسات المقارنة أن الزواج يصبح أكثر استقراراً عند بلوغ هذا العمر، كما أن ارتباطات الصداقة تصبح أكثر صحية وعمقاً، ويؤكد الباحثون أن الصداقات التي تدوم إلى عمر الثلاثين فإنها غالباً ما تستمر إلى نهاية العمر.