يحتفل هذه الأيام عمرو دياب بعيد ميلاده السادس والخمسين، ولا زال الشباب في سن أبنائه يستمعون إليه بمزيد من الشغف والانبهار، ويمكنك أن تجد جدًا وابنًا وحفيدًا يستمعون لأغاني عمرو دياب في مراحل مختلفة من مشواره الغنائي، فلماذا حقق عمرو دياب كل هذا النجاح الغنائي في عالم الغناء ولماذا أصبح الهضبة بحق الذي لا يستطيع أن يعلو عليه أحد؟ إليك ما سنتحدث عنه في السطور التالية:
منذ متى وعمرو دياب يغني؟
عمرو دياب من مواليد مدينة بور سعيد عام 1961، بدأ حياته كمطرب في الملاهي الليلية إلى جانب دراسته بالمعهد العالي للموسيقى، ثم التقى بالملحن والموسيقار الشهير هاني شنودة الذي تبناه موسيقيًا ولحن له أول أغنية بعنوان “الزمن” وكانت تحمل في كلماتها بعدًا فلسفيًا ووجوديًا، وفي نفس العام 1983 أصدر عمرو دياب ألبومه الأول يا طريق أي أنه مر ما يزيد على 34 عامًا وعمرو دياب يغني لنا وللأجيال المتوالية، لذلك لا عجب حينما تجد ثلاثة أجيال يستمعون لعمرو دياب، ثم توالت ألبوماته “هلا هلا، ميال، شوقنا، أيامنا، حبيبي، يا عمرنا، ويلوموني، راجعين، نور العين، قمرين، علم قلبي”، تزوج عام 89 من الممثلة شيرين رضا ثم طلقها بعد ثلاث سنوات بعد أن أنجب منها نور التي غنى لها “حبيبي يا نور العين يا ساكن خيالي”، وتزوج من السيدة زينة عاشور سعودية الجنسية وأنجب منها عبد الله الذي كتب اسمه كوشم على ذراعه في إحدى ملصقات ألبومه وكنزي التي غنى لها أغنيته الشهيرة “يا كنزي وكل ما ليا”، وجنى ولكن ما هي مقومات عمرو دياب كي يحظى بكل هذه الشهرة والنجاح والتميز؟
الموهبة
لا ريب أن عمرو دياب يمتلك الموهبة بالفعل ولولا الموهبة ما كان عمرو دياب صمد حتى الآن أو استمر، لأن الكثيرون استطاعوا تحقيق نجاح مدوِّ إلى حد كبير جابوا به السماوات والأرض، رددت أغانيهم المحلات والشوارع والمنازل ووسائل المواصلات، أشعلوا الدنيا حفلات ولكن بعد عامٍ واحد لا يذكرهم أحد، وذلك لنقص الموهبة، يمكنك أن تصنع النجاح بدون موهبة ولكنك لا تستطيع الاستمرار في هذا النجاح، لذلك امتلاك عمرو دياب الموهبة الحقيقية هو ما مكنه من الاستمرارية التي يثابر فيها حتى الآن، لذلك الموهبة كانت وقود عمرو دياب منذ البداية.
تفهم السوق
منذ لحظاته الأولى وعمرو دياب يفهم السوق ماذا يريد، لم يفرض نفسه وفنه فرضًا على السوق بل كان يعده في الحسبان مهما حدث ومن يراعي السوق لابد وأن السوق يراعيه ولذلك قارن بين عمرو دياب وكلمات أغانيه مثلا والتي كانت تناقش قضايا وجودية وفلسفات عميقة في بداياته حيث كان السوق ممتلئا بمطربين وفرق موسيقية يثيرون القضايا في أغانيهم وبين عمرو دياب الآن والذي امتلك الأدوات التي تمكنه لكي يصبح هو من يصنع السوق ويصنع اتجاهات الساحة الموسيقية ويشكل الذوق الموسيقي لكافة الوطن العربي، فكيف يمكن لهذا الشخص المثابر والموهوب ألا يستمر حتى الآن على القمة ما لم يكن يمتلك الذكاء الذي يمكنه من قراءة السوق إلى كل هذا الحد؟ هو عمرو دياب وحده من يستطيع فعل هذا ولا أحد سواه.
إحاطة عمرو دياب نفسه بالشباب
عمرو دياب في حلقة أذيعت عنه للإعلامي بلال فضل كشف فيها أنه يحيط نفسه بالشباب ولا يسمح بأن يعمل معه من هم أكبر من عمر الخمس وعشرون عامًا لا في مجال الإنتاج الموسيقي فحسب بل في كافة المجالات الأخرى، قد يكون هذا أسلوبًا متطرفًا قليلا، ولكن رؤيته هذه لا تنم إلا عن شخص يصنف نفسه من البداية على أنه مطرب للشباب ولذلك هو لا يسعى لأن يكون قريبًا من الشباب حتى يتفهم دماغهم بل يذهب لما هو أبعد من ذلك ويجعل نفسه هو من الشباب، وهو ما يريد أن يحققه حيث يستهدف عمرو دياب الشباب من هم تحت الخامسة والعشرين وهذا ذكاء منه حيث استهدف الشريحة التي يمكنه توجيه ذوقها وهذا صحيح حيث ما استمع له أحد إلا وهو شاب ومن المستحيل أن يستمع شخص لعمرو دياب أو يشكل ذوقه الموسيقى وهو مراهق أن يحبه وهو كبير وناضج، لابد أن يصمك عمرو دياب من البداية في مرحلة مبكرة حتى تحبه وأنت في مرحلة متأخرة، وبهذه الطريقة نستطيع أن نتفهم جزءًا من رؤية عمرو دياب لإنتاجه الموسيقي.
الموسيقى المعاصرة
لو نظرنا إلى عمرو دياب وموسيقاه لاستنتجنا أنه يقدم الموسيقى المعاصرة الجديدة وقليلا جدا ما استخدم موسيقى فلكلورية أو ذات طابع تراثي في أغانيه باستثناء أغنية “أشوف عينيك” التي استخدم فيها الفلكلور البورسعيدي مسقط رأسه أو أغنية “عودوني” التي احتوت على طبول نوبية، إلا أن عمرو دياب يتجه دائمًا نحو صنع موسيقى معاصرة ونتفهم تمامًا أن عمرو دياب قد يعمل مع شاعر واحد لعشرون عامًا ولكن لا يصبر على موزع موسيقي أكثر من ألبومين بل هناك من يوزع له ألبومه كاملاً وينجح الألبوم جدا ولكنه لا يجد نفسه منجذبًا للعمل معه مرة أخرى بهدف تجديد الموسيقى، ولا شك حيث عمل مع هاني شنودة ثم مع حميد الشاعري وعلى الرغم من النجاحات العظيمة التي حققها مع حميد الشاعري إلا أنه انتقل سريعًا إلى طارق مدكور وأتى نادر حمدي عضو فريق واما ليوزع له ألبوم ليلي نهاري ولا عجب أن يذهب بعده سريعًا إلى عادل حقي ويعود إلى طارق مدكور مرة أخرى ثم يجرب حسن الشافعي في ألبوم الليلادي ويتركه إلى أسامه الهندي، والتعامل مع المصريين لا يعني ألا يترك الأمريكيين والبريطانيين والكولومبيين والأسبانيين والفرنسيين دول أن يستفيد منهم، أما الدويتوهات فدائمًا ما يقوم بالدويتوهات مع مغنيين أجانب حتى يستفيد منهم ومن موسيقاهم، هذا دائمًا ما جعله على القمة، هذا هو عمرو دياب الذي لا يترك موسيقى معاصرة إلى ويذهب وراءها.
التركيز في عمله فحسب
ميزة عمرو دياب الأهم من وجهة نظري أنه لا ينجر إلى أي خلافات جانبية مهما حاول المغرضون جره بتصريحاتهم وهجماتهم المستمرة، لا يقوم بإطلاق التصريحات ليل نهار متطوعًا بإلقاء آرائه عن زملائه سواء بالسلب أو بالإيجاب لا تجده في كل برنامج من أجل بضعة آلاف من الدولارات ولا يقوم بالعديد من الحفلات رغم شعبيته العظيمة هذه، عمرو دياب لا يفعل شيئًا سوى إطلاق الألبومات والأغنيات فحسب، حتى أننا لا نعرف الكثير عن حياته إلا ما يريد هو أن يعرضه لنا، أو ما يتم التناقل عنه من شائعات، شخص لا يعبأ بشيء وهو متعمد ذلك، لا شك أن هذا يجعله على الدوام متفردًا، بترفعه الدائم عن الانجرار لهذه التفاهات، وهو ما يرسخ مكانته الرفيعة في قلوب الناس أكثر وأكثر.
خاتمة
بعد كل هذا الذي قلناه بخصوص عمرو دياب وتاريخه لا عجب وصول عمرو دياب للعالمية، أعتقد أن العالمية هي التي تتشرف بوصول عمرو دياب لها، شخص مجتهد وذكي وموهوب مثله لا بد أن يصل للعالمية.