عمار الشريعي الموسيقار العبقري المصري الذي ولد كفيفًا وغير قادر على الرؤية. يعد واحد من أفضل الموسيقيين العرب في القرن الأخير، وقد تسامى ظهوره خصوصًا في أخر 40 عام. وكان هذا الموسيقار العبقري ذو مدرسة موسيقية خاصة به وحده بين الموسيقيين العرب. وقد عزف على عدة آلات بجودة عالية جدًا مثل الأكورديون والبيانو والعود وأيضًا الأورغ. وقد ترك لجهوره المرهف إرث كبير من ألحان الأغاني يقدر بأكثر من 300 لحن أغنية لأكبر المطربين العرب قامة وقيمة. أيضًا ألف الموسيقى التصويرية ل50 فيلم سينمائي. والموسيقى التصويرية ل150 مسلسل تلفزيوني. وقدم 20 عمل إذاعي، وقام بتلحين 10 مسرحيات غنائية. وبكل هذا التراث الموسيقى العظيم يكون الشريعي قد وضع نفسه ضمن أعلى القامات الموسيقية العربية. ولكن ما هي التحديات التي واجهته كي يكتسب كل هذا التقدير؟
تحدى الحياة
ربما أي شخص سليم لو أصابه العمى لشعر أن هذه هي نهاية الحياة بالنسبة له. ولكن ما بالك بالشريعي الذي عشق الموسيقى وهو للأسف كفيف ولا يرى. ظهرت موهبة هذا الموسيقار في عامه الثالث وهو لا زال طفلًا. وصار يبدأ عزفه على آلة الأوكرديون ثم درس البيانو لمدة 8 سنوات. وحينما بلغ من العمر 14 عام تعلم أسرار العزف على آلة العود. وتعلم المقامات العربية. وكونه كفيف لم يكن أكبر مشاكله في ذلك الوقت. بل كيفية استكمال تعلم الموسيقى، لأن هذا الشغف عرضه لأن يخسر تعاطف أهله معه، وقطعوا عنه الإمدادات المادية التي كان يستخدمها في تعلم الموسيقى.
إعجازه في تعلم الموسيقى
قالت “نهى السقا” صاحبة رسالة الماجستير بعنوان (أسلوب عمار الشريعي في تلحين أغنية الطفل). أن هذا الموسيقار قد ولد وهو يعشق الموسيقى وكانت ابنة عمه تقوم بتعليمه العزف على البيانو والأكورديون عن طريقة تسمية النغمات الموسيقية بأسماء أصابع اليد. حتى بدأ هو أن يتعلم العزف بالطريقة السماعية وهي الطريقة التي لا يحتاج سوى لأذنه حتى يترجم ما يسمعه لنغمات أو ما يدور في عقله لنغمات موسيقية. مما جعله يقوم بعزف الكثير من النوتات العربية الصعبة وهو في عمر صغير. ثم تعلم التدوين الموسيقي وهو بعمر السبعة سنوات فقط. ثم التحق بمدرسة للمكفوفين. وعندما وصل للتاسعة من عمره استطاع أن ينتج أول لحن خاص به وهو أغنية (أمي) التي أهداها لوالدته. أحب العود كثيرًا من كثرة تأثره بفريد الأطرش وهو بعمر ال14 ومن كثره تدربه بعصبية على إحدى النوتات التي كان يعزفها فريد بسرعة وحرفية، حدث لعمار الشريعي خلع في كتفه من شدة ولعه بهذه المقطوعة الصعبة.
علاقته بفريد الأطرش
كان فريد الأطرش في وقت بلوغ الشريعي هو نجم الشباك السينمائي والغنائي في مصر وكل الدول العربية آنذاك. وكانت له من الشهرة والنبوغ في عزف آلة العود لا يضاهيها غيره. ومن حسن حظ عمار الشريعي، أن فريد الأطرش كان صديق لعائلة الشريعي وعندما علم الفنان فريد الأطرش أن هناك شخص في عائلة الشريعي يحب الموسيقى والعائلة ترفض هذا. فقرر أن يقيم حفلة على شرف عمار الشريعي في بيته. حينها عزف عمار الشريعي على آلة الأكورديون وبعدما انتهى، قال له فريد الأطرش أنه يريد أن يسمع عزفه للعود. فتردد حينها لأنه كان يعلم أن فريد الأطرش هو أمهر عازف عود في هذا الوقت. ولكنه بعد إلحاح عزف وأعجب فريد الأطرش. ومن ثم أخذ فريد منه العود وعزف هو مقطوعاته. فكان هذا بمثابة تشجيع عظيم لعمار الشريعي في هذه الفترة من حياته.
عمار الشريعي ورأفت الهجان
موسيقى مسلسل رأفت الهجان هي من تأليف عمار الشريعي. والتي تعتبر من أهم النوتات الموسيقية العربية على الإطلاق والحية حتى الآن. والتي قدمها الموسيقار الشهير (ياني) في إحدى حفلاته كنوع من الاقتناع الشخصي له أنها من أعظم النوتات الموسيقية في التاريخ. أيضا مسلسل دموع وقحة بطولة صلاح قابيل، وقال الملحن المصري حلمي بكر أن هناك مبارزة مستمرة بين عمر خيرت الموسيقي المصري العالمي وبين عمار الشريعي. فكلاهما وصل إلى العالمية بفضل موسيقاهم التي سكنت الذاكرة الموسيقية.
ألحانه مع كبار الفنانين
كون ملحن معين هو المغذي الرئيسي لأغاني أشهر المغنيين على مدار عقود من الزمن، فهذا ينبئ بعبقرية هذا الملحن وأنه قادر على موازاة جميع الحقب الموسيقية. باختلاف أنواع الموسيقى والتغير فيها. ومن أمثال المغنيين والأغاني، فهناك أغنية (قبل النهاردة) للفنانة العظيمة وردة الجزائرية. (أقوى من الزمن) التي غنتها المطربة والممثلة المصرية شادية عام 1982. وأغنية (امسكوا الخشب) التي غنتها الفنانة مها صبري. والتي كانت أول لحن دخل به عمار الشريعي عالم الفن والأغاني المعروضة في الأفلام. (سيبولي قلبي) للفنانة الشهيرة ميادة الحناوي. (على مهلي) للفنان محمد ثروت. أيضًا لحن أوبريت “سينا جينا” الذي غناه على الحجار وعفاف راضي في أول احتفالية بعيد تحرير سيناء.
عدل على آلة الأورغ الكهربائية
في الثمانيات لم تكن التكنولوجيا مثل الوقت الحالي في مجال الموسيقى بل كانت الآلات الموسيقية الكهربية مجرد آلات ذات إمكانيات محدودة جدًا. ولكن كان الشيء الغريب أن الموسيقار الكفيف عمار الشريعي، استطاع أن يدخل على آلة الأورغ بعض التعديلات بحيث يدخل إليها إمكانية عزف الربع نغمة أو “السيكا”، والتي تميز كثيرًا المقامات الشرقية والعربية. فأصبحت آلة الأورغ بدلًا من آلة تقتصر على النغمة والنصف نغمة، الآن تمتلك الربع نغمة أيضًا. وقام عمار بتسجيل هذه التغيرات وأرسلها لشركات صناعة الأورغ العالمية وبالفعل قبلوها وتم حفظ حقه في هذا الاختراع.
لماذا موسيقى عمار الشريعي نالت احترام الجميع؟
إجابة هذا السؤال تكمن في أن عمار الشريعي كان ضمن الموسيقيين العظماء الذين لديهم بصمة خاصة على ألحانه. وهذا يظهر جليًا في أعماله التلفزيونية التي كان هو المسئول عن الموسيقى التصويرية داخلها. مثل مسلسل أرابيسك. أيضًا قام بعمل كنشرتوا لآلة العود وعزف ألحان عربية في حفل أوركسترا عمان عام 2005 التي نال عليها جائزة السلطان قابوس للمرة الثانية في حياته. شارك مع شركة ياماها في عمل ربع النغمة لأجهزة الأورغ، ألف العديد من الإيقاعات الجديدة. أعماله تُدرس في المعاهد الموسيقية العربية والعالمية.
كان شخصية مرحة وأحبه الجميع
قال الفنان والممثل المصري سمير صبري المقرب لعمار الشريعي نظرًا لعلاقة الصداقة التي كانت تربطهم من الصغر، أنهم كانوا يغنون كل ليلة مع الفنان محمد عبد الوهاب والشاعر صلاح فايز. وجعل عمار الشريعي سمير صبري يدخل مجال الغناء في الأعراس والأفراح. وعن هذه النقطة قال سمير صبري؛ أنه صعد في أحد الأفراح وقدمه عمار الشريعي ومن ثم قال للناس والجمهور أنه سيغني شيئًا مختلفًا. وكانت أغنية من فيلم (لعبة الست) حيث كانت تصف الزوج بالغراب. مما جعل أم العريس تذهب إلى المسرح وتقول لعمار أن ابنها ليس شبه الغراب بل العروس هي من تشبه الغراب. مما جعل أم العروس تقوم من مجلسها وتتشاجر مع أم العريس ولكنهم سيطروا على الوضع. قال سمير صبري أن عمار الشريعي طالما كان يحب المزاح ولا يخاف من ذلك. مما جعله محبوبًا عند الجميع، وهذا كان سرًا أخر من حب الناس والمقربين له.
ختام
عمار الشريعي له أعمال فنية كبيرة. وتوج بجوائز عالمية وعربية كبيرة جدًا أيضًا. منها الفوز بجائزة مهرجان فالنسيا الموسيقي بإسبانيا عن مقطوعة رأفت الهجان. والفوز بجائزة السلطان قابوس مرتين وجوائز أخرى كثيرة جدًا.