عذاب فرعون وأتباعه كان مضمون دعوة موسى عليه السلام والتي استجاب لها الله عز وعلا، وهذا وفقاً لما ورد في سورة يونس بالآيتين 88 و89، ولكن بعض الفقهاء أكدوا بأن المدة بين الاستجابة للدعاء وتحقيقها أربعون عاماً، ومن بين القائلين بأن عذاب فرعون قد تأجل كل هذه المدة، الإمام الطبري في تفسيره وكذلك ابن جريج وابن الجوزي، واختصاراً فإن السلف الصالح جميعهم قد توافقوا حول هذا الرأي، وبالتأكيد أن الله سبحانه له الأمر وهو وحده لا يُسأل عما يفعل، ولكن هذا لا ينهي عن طرح السؤال إن كان بغرض الاسترشاد والتعرف على حكمته عز وجل، فالسؤال هنا : لماذا تأخر عذاب فرعون قرابة أربعون سنة بعد دعوة النبي موسى عليه السلام؟
لماذا تأجل عذاب فرعون أربعون سنة ؟
بعد الإقرار والتوافق حول أن عذاب فرعون قد وقع بعد الاستجابة للدعوة بأربعون عاماً، اجتهد المفسرين والفقهاء للتوصل إلى الحكمة من هذا، وقد قادهم اجتهادهم إلى ثلاثة آراء تم إبطال أحدهما بإجماع الآراء في وقت لاحق، وتلك التفسيرات الاجتهادية هي:
1- ازدياد الآثام وتغليظ العقاب :
إمهال عذاب العباد وكذلك عذاب فرعون المُفسد في الأرض، يمكن أن ينظر إليه على إنه فرصة للتوبة والتراجع عن الذنوب، هو كذلك فعلاً لكن بالنسبة لمن يهتدي ويتوب، أما بالنسبة لفرعون ومن هم على شاكلته من الظالمين، فإن زيادة مدة طغيانهم يرافقها زيادة فيما يرتكبوه من معاصي وجرائم، وبالتالي فإن ذلك يزيد من آثامهم فتمتلئ صحيفتهم بسيئات الذنوب، فيحق عليهم شديد العذاب في الحياة الدنيا وكذلك الآخرة، ويرى بعض الفقهاء والمفسرين إن ذلك قد يكون أحد أسباب تأجيل عذاب فرعون أربعون عاماً، وربما يكون هو السبب الأوحد، والمؤيدون لهذا القول يستندون فيه إلى القرآن الكريم، وتحديداً ما ورد بآيات سورة آل عمران، لقوله تعالى “ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي عليهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين” صدق الله العظيم.
2- عبرة وآية :
الله عز وجل هو العدل ولا يُعذب إلا بذنب، ومن ثم اتجه بعض المفسرين والفقهاء إلى القول بأن سبب إرجاء عذاب فرعون ،وتأجيله لمدة تقترب من الأربعين عاماً أو تتجاوزها بقليل، هو إن الله أراد من فرعون ومعاونه هامان وأتباعهما من الجنود، أن يتمادوا في الطغيان والظلم، حتى تتملك منهم مشاعر الغرور ويظنون زوراً إنهم مخلدون في الأرض، وإنهم لن يحاسبوا على ما يرتكبوا، ثم بعد ذلك يأخذهم الله عز وجل أخذة عزيز مُقتدِر، فينالوا جزاءهم على ما ارتكبوه وفي ذات الوقت يصبحوا آية لكل أمة تالية عليهم، وهذا التفسير جاء مستند إلى ما ورد في سورة الأنعام، لقوله تعالى “حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون” صدق الله العظيم، وهذا وارد في تفسير الإمام السعدي.
3- ها كان فرعون باراً بأمه؟
بعض المفسرين والفقهاء هداهم اجتهادهم إلى أن تأجيل عذاب فرعون كان منحة ومنة من الله عز وجل، وهو بالتأكيد كذلك فكلما تأجل العذاب كلما كانت أمام العبد فرصة للعدول عن أفعاله، والتوبة مما يرتكبه من جُرم ومعصية، ولكن الخلاف هنا يكمن في سبب إمهال الله له، إذ قال البعض بإن ذلك كان لبره بأمه، ولكن هذا القول غير متفق عليه، بل إن هناك تشكيك في صحته، فإن فرعون دينياً وتاريخياً لم يعرف عنه سوى سوء الخلق، وإنه من المتجبرين في الأرض والمفسدين فيها، ولم يرد في أي مرجع إنه كان باراً بأمه أو بغيرها، ومن ثم تم استبعاد أن يكون ذلك سبب إمهال الله عز وعلا له.