مما لا شك فيه أن النجم السينمائي الشهير عادل إمام يُعتبر أحد رموز وأعلام التمثيل في مصر والوطن العربي، وصدقوا أولا تصدقوا، يُمكن كذلك اعتباره أحد رموز التمثيل في العالم بأكمله، ونحن هنا لا نتحدث عن قدراته التمثيلية، وإن كان هذا بالتأكيد مفروغ منه، وإنما كذلك قدرته على الاحتفاظ بمكانته كنجم الشباك الأول كل هذا السنوات دون أن تتزحزح مكانته ودون أن يجلس يوم واحد والمنتجين غير واقفين على بابه من أجل طلبه في أحد أفلامهم أو مُسلسلاتهم، فحتى أعظم النجوم الذين حصلوا على الأوسكار وحققوا الكثير من الإنجازات جاؤوا في فترة من الفترات وأصبحوا من نجوم المرتبة الثانية أو توقف الطلب عليهم، لكن هذا لم يحدث مع عادل إمام، وتلك هي الظاهرة التي تستحق التحدث عنها كثيرًا في السطور القليلة المُقبلة، عمومًا، دعونا نُجيب السؤال الذي يتصدر هذا الموضوع ونعرف الأسباب التي قادت لهذه المعجزة الصغيرة، ولتكن البداية مثلًا مع الكاريزما الخاصة التي يتمتع بها هذا النجم.
يتمتع بكاريزما وحضور لا يتواجدان في أي شخص آخر
كم عدد الممثلين الذين يُجيدون التمثيل في مصر الوطن العربي؟ بالتأكيد أعداد كثيرة جدًا لا حصر لها، لكن كم عدد الذين لا يزالون محتفظين بحب الناس ومكانتهم العالية؟ لا أحد تقريبًا، أو أشخاص قليلين يُعدون على أصابع اليد الواحدة، عمومًا، احجز من الآن أحد هذه الأصابع للنجم عادل إمام، فقد استطاع بكاريزمته الخاصة الفريدة وحضوره القوي أن يفرض وجوده على قلوب جميع المشاهدين، ثم كان دور النقاد الذين تمكن إمام كذلك من السيطرة عليهم، ولا نعني بذلك أنه قد استخدم طرق غير شرعية من أجل تحقيق غايته، وإنما فقط كل ما احتاج إليه موهبته الربانية التي وُلد بها، والتي ظهرت بوضوح منذ المرة الأولى التي أطل فيها على خشبة المسرح مع الرائع فؤاد المهندس.
ظهور عادل إمام لم يكن ظهورًا عاديًا يُشبه ظهور أولئك الذين نسمع عن ظهورهم واختفائهم كل يوم، ممثلين يمرون مرور الكرام دون أن يعلقوا في أذهان الناس أو قلوبهم، لكن عادل إمام كان صاحب ظهور مختلف، فبالرغم من أنه كان يُمثل للمرة الأولى إلا أنه قد تمكن من لفت الأنظار إليه متجاوزًا بذلك بطل المسرحية وبطل مصر الأول في هذه الفترة فؤاد المهندس، لدرجة أن الناس باتوا يحفظون مرات الظهور القليلة التي أطال بها خلال العرض، ثم استمرت تلك الكاريزما المُلفتة بعد ذلك في جميع أفلامه ومسلسلاته لتؤسس لوجوده على رأس الهرم التمثيلي وحيدًا.
قيامه ببطولة أعمال خالدة في الأذهان
عندما نتحدث عن أي نجم في أي مجال فإن الحديث وحده لن يكون كافيًا ما دمت لن تُدعمه ببعض الإثباتات المُتمثلة في الأعمال التي قام بتأديتها ذلك الشخص، فمثلًا بالنسبة للاعب كرة القدم فإن جودته تتحدد من خلال الفرق التي لعب بها والبطولات التي حققها، أما ما يتعلق بالنجم السينمائي فإن ما يُحدد نجوميته أفلامه والأعمال الإبداعية التي شارك بها، وفي حالة الزعيم عادل إمام فإن كثير من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات سوف تقف لتُعلن عن نفسها وبقوة في هذا الصدد، فخلال فترة تزيد عن خمسة عقود شارك الزعيم في أكثر من مئتي عمل إبداعي، يُمكننا القول أن نصفهم على الأقل قد علق في ذاكرة أذهان المُشاهد العربي والمصري ليكون هذا الأمر دافعًا لاستمراره على القمة دائمًا.
من أعمال عادل إمام الخالدة مثلًا أعمال التسعينات التي كانت كلها قضية جادة بعيدة كل البعد عن نوعية الأفلام الكوميدية التي كان يحرص على تقديمها قبل ذلك، لكن هذه المرحلة كانت تستوجب قيامه بهذه الأفلام، والتي نذكر منها أفلام طيور الظلام والإرهاب والكباب والحريف وأحلام الفتى الطاير، ومن المسرحيات هناك مسرحية الزعيم ومسرحية الواد سيد الشغل، وكلها أعمال كانت تُناقش قضية خطيرة تهم المجتمع المصري والعربي، كلها أعمالها خالدة حتى الآن حفرت اسمها في ذاكرة الجميع، وحفرت معها كذلك اسم الزعيم عادل إمام.
عدم الانخراط في أي أعمال أخرى بخلاف الفن
الشائع في عالم التمثيل أن النجم السينمائي عندما يلمع نجمه وتكثر أعماله وتكون لديه الكثير والكثير من الأموال فإنه على الفور يُفكر في استغلال هذه الفترة بحجة تأمين المُستقبل الذي لا يعلم بعد ما الذي يحمله له، ولذلك فإنه يبدأ في مزاولة أنشطة أخرى بجوار التمثيل، تلك الأنشطة التي قد تكون غالبًا افتتاح شركة إنتاج سينمائي وإنتاج أعماله لنفسه، وفي هذه الحالة طبعًا يتوزع الجهد ولا يكون الممثل قادرًا على التوفيق بين الأمرين فيبدأ نجمه في السقوط، وهذا ما فطن إليه عادل إمام منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها عدم الانخراط بأي عمل آخر بخلاف التمثيل مهما كانت المُغريات، حتى ولو كان أثرى مواطن في العالم فإنه لن يُفكر يومًا في الإنتاج لنفسه والدخول في هذه اللعبة.
فنانين كبار في مصر والوطن العربي بدؤوا في السقوط منذ اللحظة التي قرروا فيها دخول ذلك الميدان الذي لم يكن من المناسب أبدًا دخولهم فيه، وقد أدى ذلك الأمر إلى فقدان شعبيتهم لدرجة أنهم لا يجرؤوا على المخاطرة بالإنتاج لأنفسهم بسبب وجود احتمالية كبيرة بفشل الأعمال التي سينتجونها، وإذا ما نظرنا للأمر نظرة قريبة فسنجد أن أغبى قرار يُمكن أن يتخذه مُمثل كبير هو الدخول في أرض مثل هذه لا يُمكنه الوقوف عليها.
تحطيم الأرقام القياسية في شباك التذاكر
من المعروف أن الفيصل بين نجم وآخر، والدليل على جودة هذا الفيلم وعدم جودة الآخر، هو شباك التذاكر، حتى ولو كان للنقاد رأي آخر فهو في النهاية لا قيمة له أمام رأي الجمهور الذي يدفع الأموال من أجل الولوج إلى السينما وخطف المتعة لمدة ساعتين أو أكثر، هذا الجمهور في الحقيقة هو الذي أقر بنجومية عادل إمام كنجم أول لأكثر من أربعين عام، وذلك من خلال شراء تذاكر أفلامه والتهافت عليها، حتى يُقال أننا إذا جمعنا إيرادات أفلام عادل إمام فسنجد أنها تُمثل تقريبًا نفس إيرادات جميع الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية، وهذا هو النجاح الساحق بكل تأكيد، النجاح الذي لم يصل إليه أي شخص آخر بخلاف عادل إمام، فتى الشاشة الأول طوال فترة شبابه.
في تسعينات القرن المُنصرم قام عادل إمام ببطولة ما يقترب من العشرين فيلم يُقال إنهم أفضل ما أُنتج في تاريخ السينما المصرية على الإطلاق من حيث أداء إمام وكذلك أداء الجمهور الذي كان يملأ السينمات في الوقت الذي كانت هناك موجة إرهاب كُبرى تجتاح البلاد، وبمناسبة موجة الإرهاب هذه، هناك من يقول إن عادل إمام هو الفنان الأول عالميًا من حيث القدرة على محاربة الإرهاب بالفن، والتسعينات تشهد تمامًا على ذلك الأمر.
مواجهة عادل إمام الإرهاب بأعمال خالدة ومؤثرة
في تسعينات القرن المُنصرم اجتاحت مصر موجة كُبرى من الإرهاب وانتشرت الجماعات التكفيرية وبدأ البعض يعرف ما يُسمى بقائمة الاغتيالات التي طالت الكثير من الشخصيات الشهيرة سواء سياسيين أو علماء أو رياضيين أو فنانين، وكان على رأس هذه القائمة الزعيم عادل إمام وعدد آخر من الفنانين، والذين بالطبع فضلوا عدم المخاطرة بحياتهم والرضوخ حتى تنجلي تلك الموجة، لكن إمام كان له رأي مُختلف تمامًا وجريء إلى أبعد حدٍ ممكن، حيث أنه قد قام بصناعة العديد من الأفلام التي تحمل على عاتقها في المقام الأول مُحاربة الإرهاب، ومنها الإرهابي والإرهاب والكباب وطيور الظلام، وغيرها الكثير من الأفلام التي حققت نجاحًا كبيرًا وأظهرت بطولة إمام التي ثبت أنها لا تقتصر على الأفلام فقط.
تأدية عادل إمام لهذه الأفلام لم يكن أمرًا سهلًا بالمرة، حيث أن ذلك القرار قد أدى إلى محاولة اغتياله في العديد من المرات ولولا عناية الله لكان إمام قد فقد حياته بسبب فنه، أو لنقل بمعنى أدق بسبب حبه لوطنه، فتلك الأفلام كانت حرب صريحة ومباشرة على الإرهاب، وقد علم الجميع وقتها أن الكثير من الممثلين رفضوا المشاركة بها خوفًا على حياتهم، إلا أن عادل إمام، وبصفته بطل شعبي، شارك فيها وواجه الموت بسببها.
تغلبه على الكثير من عظماء السينما
في المنافسة المباشرة بين عادل إمام وغيره من النجوم يُمكنك أن تقول لماذا ظل إمام على القمة حتى الآن على الرغم من أن غالبية الذين كانوا يعيشون في هذا العصر كانوا أكثر موهبة من ناحية التمثيل، فمثلًا محمود عبد العزيز ونور الشريف ويحي الفخراني، كل هؤلاء النجوم من جيل عادل إمام وخرجوا معه في نفس الوقت تقريبًا، وإذا ما نظرت إلى موهبتهم وقدراتهم التمثيلية فستجد أنها تفوق إلى حدٍ ما الفنان الجماهيري عادل إمام، لكنهم مع الوقت تأخروا أو سقطوا قليلًا بينما بقي إمام كما هو على مقدمة هؤلاء النجوم، ولذلك فهو يُعتبر أفضل ممثل في تاريخ مصر لأن التاريخ لا يتذكر للنجم فترة معينة من حياته وإنما حياته التمثيلية ككل، وإن كانت المنافسة قد لا تبدو عادلة لنور الشريف ومحمود عبد العزيز لوفاتهما، لكن حتى قبل وفاتهما كان إمام نجم أول ويحظى بنسبة جماهيرية أكبر تؤكد الحقيقة التي نتحدث عنها منذ البداية، وهو كونه أفضل الفنانين في تاريخ مصر والوطن العربي.
قبول نجوم الصف الأول حاليًا العمل كمساعدين له
عندما تصل إلى مرحلة النجومية في الفن فإن القرار الأول لك سيكون بلا شك هو عدم العودة للوراء أي خطوات مجددًا، بمعنى أنك سوف تبذل قصارى جهدك كي تبقى في مقدمة الصفوف، وهذا ما يحدث بالتأكيد مع نجم بحجم عادل إمام، لكن مع بداية الألفية الثالثة ظهرت في السينما المصرية صفوف جديدة من نجوم المستوى الأول كم يتم تسميتهم، وهؤلاء غالبًا ما يكونون في أفلامهم النجوم الوحيدين لها، بمعنى أنه لا يتواجد معهم من يُنازعهم في نجوميتهم، وحتى لو طلبهم النجوم القدامى فإنهم يرفضون ذلك أو يشاركون معهم كأبطال لهم نفس القدر والمساحة، لكن مع إمام الأمر يختلف.
أعمال عادل إمام الحديثة، والتي تُنتج في الألفية الثالثة، يُشارك فيها نجوم الصف الأول الشباب بصورة طبيعية جدًا، لكنهم يُشاركون كمساعدين وليس كأبطال، وفي هذا اعتراف منهم بمكانة وقدر إمام، وأيضًا يُمكن اعتباره إجابة للسؤال الذي نطرحه منذ بداية المقال، فهؤلاء يُدركون حقًا أن نجم ظل على عرش السينما لمدة تزيد عن الأربعين عام لا يُمكن أبدًا رفض المشاركة معه في أعماله أو زحزحته مع على ذلك العرش.