طه حسين لا شك إنه واحد من أهم وأبرز الأدباء والمفكرين في التاريخ، فذلك الكاتب الذي عاش متنقلاً ما بين مصر وفرنسا خلال الفترة ما بين (1889م: 1973م)، استحق عن جدارة أن يحمل لقب عميد الأدب العربي، ولكن يبقى السؤال المُلح هو لماذا تم إلحاق ذلك اللقب باسمه؟..
طه حسين لماذا هو عميد الأدب العربي ؟
غزارة الإنتاج الأدبي وجودته وتنوعه هي سمات تجعل من صاحبه كاتباً عظيماً، ولكن ثمة أمور أخرى يمكنها أن تصف صاحبه بإنه للأدب عميداً، وقد توافرت تلك السمات المميزة في شخص طه حسين وتجلت وبرزت في كتاباته، فترى ماذا كانت؟ وما إسهاماته التي رفعته إلى ذلك المقام الرفيع.
الاهتمام بالشأن العام :
الثقافة لا تعني إن تكون هواية القراءة هي الأهم والأكثر متعة بالنسبة للشخص، والمثقف لا يصير مثقفاً باحتساب كم الكتب التي طالعها في حياته، إنما المثقف هو من ينطلق من إطاره الخاص الضيق إلى الإطار العام الشامل، وهكذا كان طه حسين ،فهو لم يكتف بطرح رؤاه وأفكاره أو منشغلاً بتدوين مؤلفاته، بل كان مهموماً بالشأن الثقافي المصري بشكل عام، وكان يسعى بصفة دائمة إلى تطويره وتحسينه والنهوض به، وقد برز هذا في العديد من كتابات ومؤلفات دكتور طه حسين ،وأبرزهم على الإطلاق والذي ناقش من خلاله تلك القضية بوضوح، هو أصغر مؤلفاته والذي صدر في عام 1938م بعنوان مستقبل الثقافة في مصر.، والذي كتبه بعد توقيع معاهدة 1936م التي منحت مصر استقلالاً صورياً، وكان يرى إن السبيل الوحيد للارتقاء بالوطن ووضعه في مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة، هو تنمية المجال الثقافي ونشر الوعي بين ابناء الشعب على اختلاف طبقاتهم.
الموهبة والدراسة :
دوماً ما نسمع المبدعون يرددون أن الدراسة تُصقل المواهب، وإن أردنا الإتيان بنموذج حي يدلل ويبرهن على صدق هذا القول، فالمثال الأبرز والأجل والأكثر وضوحاً هو طه حسين ،فرغم دراسته الأزهرية التي كانت سبباً في تنمية الحس اللغوي والذوق الأدبي لديه، ومكنته من إتقان اللغة العربية والإلمام بقواعد صرفها ونحوها، إلا إنه لم يتردد في الانتساب إلى جامعة القاهرة عند افتتاحها في 1908م، ويعد طه حسين هو أول أديب مصري ينال درجة الدكتوراه من الجامعات المصرية، وقد كان ذلك في عام 1914م بعد أن قام بتقديم رسالة تتناول أطروحتها أدب أبي العلاء المعري.
دعوته إلى التعليم :
في إطار انشغال طه حسين بالشأن العام، لا يمكن إغفال إنه أحد أبرز التنويريين في تاريخ مصر والدول العربية بصفة عامة، والقول الشهير بأن التعلم حق لكل إنسان مثله كمثل الماء والهواء، كثيرون ينسبونه إلى الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، وصحيح إنه قام بترديده أكثر من مرة في خطاباته، إلا إن أصل ذلك القول يعود إلى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ،والذي كان يؤمن إيماناً تاماً بأن النهضة لن تتحقق بالزراعة أو الصناعة دون التعليم، فهو الأساس الذي لا يمكن إقامة أي بناء بدونه.
أطروحاته الفكرية :
كان طه حسين دوماً ما يحلق بفكره بعيداً ويطرح أصعب الأسئلة الوجودية ويحاول إيجاد إجابات لها، ويعد ذلك من السمات الأساسية المُميزة لإنتاجه الأدبي والثقافي، فمنذ رسالة الدكتوراه الأولى والتي حملت عنوان “ذكرى أبي العلاء”، وحتى آخر يوم في حياته، لم يتوقف لحظة عن إثارة الجدل بما يقدمه من أطروحات وأفكار، حتى إن بعض الجماعات المتشددة قد وجهت إليه التهمة التي يلصقونها بكل مخالف لهم، وهي الزندقة والكُفر والخروج عن الدين الإسلامي، وهي ذات التهمة التي وجهت لكتاب آخرين مثل فرج فودة ونجيب محفوظ، كذلك بعض المؤسسات الدينية قامت بمقاضاة طه حسين بساحات المحاكم، لكن حصل على البراءة لعدم تقيدم خصومه لدليل واحد يثبت أن مناقشاته قد تضمن ثمة إساءة للشريعة الإسلامية.