صندوق النقد الدولي ويعرف اختصاراً IMF هو عبارة عن وكالة متخصصة منبثقة عن منظمة الأمم المتحدة ويتبعها إدارياً، ويقع المقر الإداري الرئيسي للصندوق في ولاية واشنطن عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان تأسيس ذلك الصندوق أحد الآثار المترتبة على الحرب العالمية، حيث تم التوافق العالمي على فكرة إقامة الصندوق خلال مباحثات مؤتمر النقد الدولي في 1944 والمعروف بالمسمى الشائع اتفاقية بريتون وودز نسبة إلى الموقع الذي أقيم به، وقد كان الهدف الأساسي من تأسيس الصندوق خلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً بالإضافة إلى الحد –قدر الإمكان- من الآثار المدمرة التي لحقت به في أعقاب تلك الحروب التي نشبت بأرجاء العالم وأبرزها حالة الكساد الصناعي والتجاري، ومع مرور الوقت تزايدت الأدوار المنوطة بوكالة صندوق النقد الدولي وأصبح يمثل أهمية بالغة بالنسبة لأغلب دول العالم وخاصة مجموعة الدول الصناعية الكبرى.. ترى لماذا ؟ وما مهام صندوق النقد التي تشكلت أهميته من خلالها؟
إنماء التجارة العالمية :
يتمثل الهدف الأول لوكالة صندوق النقد الدولي وفقاً لما ينص عليه ميثاق إقامته في المساهمة الفعالة في تنمية التجارة العالمية، وذلك عن بعدة طرق أبرزها السماح لمجموعة الدول الأعضاء بالاستفادة من موارده الاقتصادية بشكل مؤقت من أجل تنفيذ مجموعة المشروعات الخاصة بتنمية الموارد الإنتاجية لديهم.
الهدف من تلك السياسة التي يتبعها الصندوق ليس الارتقاء بالمستوى الاقتصادي لدولة محددة، إنما الهدف الأساسي من ذلك هو الارتقاء بالمنظومة الاقتصادية العالمية ككل وضمان استقرار واستمرارية حركة التجارة الدولية وتنمية الموارد الإنتاجية لدى جميع البلدان الأعضاء، كما أن الصندوق من شأنه اتخاذ العديد من الإجراءات التي تضمن إلغاء القيود المفروضة على عمليات الصرف والتي تتسبب في إعاقة حركة نمو التجارة العالمية.
إقراض الدول المختلفة :
ساهم صندوق النقد الدولي بصورة مباشرة في إعادة إعمار عدد كبير من دول العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال بروتوكول التعاون بينه وبين البنك الدولي للإنشاء والتعمير -الذي تم تأسيسه في نفس الفترة- حيث عمل الصندوق على اتخاذ التدابير اللازمة للاستقرار المالي الدولي من خلال تقديم المساعدات ذات الأجل القصير لمجموعة الدول المتضررة من الحروب والتي تعاني من عجز ميزانية المدفوعات، كما أنه قام في ذات السياق بتقديم قروضاً طويلة الأجل للدول الأكثر تضرراً وخاصة مجموعة الدول صاحبة معدلات النمو المتدني.
نجح الاقتصاد العالمي في التعافي من حالة الكساد التي أصابته في أعقاب الحروب العالمية، إلا أن دور صندوق النقد الدولي لم يقف عند هذا الحد، بل أنه لا يزال حتى اليوم مستمراً في ممارسته ويعمل على توفير القروض لمجموعة الدول التي تعاني من أزمات مالية أو مهددة بالإفلاس، إلا أن ذلك عادة ما يصاحبه تدخلاً مباشراً من الصندوق في السياسات الاقتصادية الخاصة بتلك الدول وعادة ما يقوم بفرض العديد من الشروط عليها وخاصة فيما يتعلق في كم الإنفاقات الحكومية غير الاستثمارية مثل إنفاقات رواتب موظفي القطاع الحكومي وحجم الدعم المقدم من الدولة لمختلف السلع والخدمات وغير ذلك.
الإشراف والمراقبة المالية :
يقوم صندوق النقد الدولي بمهمة الإشراف على اقتصاد الدول الأعضاء ومراقبة وتسجيل حركة التجارة العالمية وكذلك رصد مؤشرات النمو الاقتصادي على مستوى العالم، كذلك يهتم صندوق النقد الدولي بتحديد مستوى الأداء الاقتصادي لكل دولة وكذلك مستوى أداء الاقتصاد العالمي أو ما يعرف باسم الاقتصاد الكلي وذلك قياساً على معدلات أداء الإنفاق الكلي المتمثل في الإنفاقات الاستهلاكية والإنفاقات الخاصة بالاستثمارات.
يقوم الصندوق في ضوء التقارير المفصلة الناتجة عن أعمال الإشراف والمراقبة بتوقع مستقبل الأوضاع الاقتصادية والأزمات المالية التي قد تلم بدولة واحدة أو مجموعة من الدول، كما يعمل على تقديم المشورة إلى الدول الأعضاء حول كيفية تحسين السياسات الاقتصادية لديه، خاصة فيما يتعلق بنظم الإنفاق الحكومي ومكافحة التضخم وتنظيم آليات العمل في البنوك وداخل المؤسسات المالية المختلفة.
ضمان استقرار أسعار الصرف :
يعتبر تثبيت أسعار صرف العملات المختلفة والحرص على عدم إحداث تغيرات بها إلا بنسب ضئيلة أحد أبرز المهام الموكلة إلى صندوق النقد الدولي حيث يعد ذلك أحد الأسس الرئيسية الواجب توافرها لخلق بيئة تنافسية تتمتع بالنزاهة والشفافية، ويُلزم صندوق النقد الدولي مختلف الدول بعدم تخفيض أسعار العملات الخاصة بها تخفيضاً تنافسياً أو لأي أغراض أخرى قد تنعكس بالسلب على الدول الأخرى.
كان تثبيت سعر صرف العملات الأجنبية أحد المبادئ الرئيسية لسياسة صندوق النقد الدولي التي تم الإعلان عنها فور تأسيسه في عام 1944م، حيث وافقت الدول المشاركة في المؤتمر آنذاك على عدم تعديل قيمة عملاتها إلا في نطاق ضيق عند الحاجة قدرها الصندوق آنذاك بنسبة 10% فقط، وقد تم التوافق في مؤتمر النقد الدولي ” بريتون وودز” على أن يكون الدولار الأمريكي هو العملة المرجعية التي تقاس قوة العملات الأخرى مقارنة به، وقد استفادت الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً من ذلك القرار الذي كان بمثابة إعلاناً بانتقال الهيمنة الدولية إليها بدلاً من الدول الأوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا، مما مهد الطريق أمامها لإعلان نفسها قوة عظمى جديدة تفرض سيطرتها على مجريات الأمور في مختلف بقاع الأرض.
تشجيع التعاون الدولي :
يكمل صندوق النقد الدولي المهمة الرئيسية المنوطة بها منظمة الأمم المتحدة وهي حفظ السلام العالمي و وأد أسباب الحروب بين الدول، ويقوم الصندوق بذلك عن طريق السيطرة على السوق المالي وإرساء القواعد والضوابط المنظمة لعملية التنافس الاقتصادي العالمي، كما يتبع الصندوق عدة سياسات تهدف إلى تشجيع الدول الأعضاء على التعاون في الميدان النقدي حيث أنه يعد بمثابة نقطة تلاقي مختلف الدول ويشجع دائماً على التشاور من خلال الجلسات والمؤتمرات التي يعقدها سعياً وراء إيجاد حلول لمختلف المشكلات التي تتعلق بالسياسات النقدية الدولية.
كيف يتم تمويل صندوق النقد الدولي ؟
لعل السؤال الملح الذي يفرض نفسه هو إذا كان صندوق النقد الدولي يمثل الجهة المعنية بالرقابة على حركة المال والأوضاع الاقتصادية حول العالم، فمن أين يحصل هو على المال خاصة إنه ليس مؤسسة ربحية؟ أو بصيغة أخرى: ما هي مصادر تمويل صندوق النقد نفسه؟.
يتم تمويل صندوق النقد الدولي بالعديد من خلال عِدة مصادر إلا أن أبرزها وأكثرها تأثيراً على الإطلاق يتمثل في قيمة اشتراكات الدول الأعضاء به أو ما يسمى بـ”حصة الدولة”، والتي يتم سداد قيمتها بوسيلتين هما الذهب الورقي -ويمثل 25% من قيمة الحصة- بالإضافة إلى العملة الوطنية الخاصة بالدولة -والتي تشكل 75% من قيمة الحصة الموقعة عليها- مع الإشارة إلى أن قيمة الحصة ليست ثابتة، بل إنها تتغير بين دولة وأخرى تبعاً حجم اقتصاد الدولة ومدى اتساع تجارتها وتنوع مصادر الدخل القومي لديها.
تعد الولايات المتحدة الأمريكية -باعتبارها صاحبة الاقتصاد الأقوى- أكبر ممولي صندوق النقد الدولي حيث تبلغ حصتها نحو 17,5% تقريباً من إجمالي حصص التمويل، هذا بالإضافة إلى أن القوة التصويتية للدولة الواحدة يتم احتسابها تبعاً لحجم حصتها التمويلية، ومن ثم يمكن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك حق التصويت الأقوى على مختلف قرارات الصندوق.