صلاة الأبناء من الأمور التي يرغب الآباء بغرسها في نفوسهم منذ نعومة أظافرهم، حرصاً منهم على تنشئتهم تنشئة دينية قويمة باعتبار الصلاة عماد الدين والركن الأول من أركان الإسلام الخمس، لكن عادة ما تتصادم آمال الآباء مع نفور الأبناء وعدم التزامهم بأداء تلك الفريضة.. ترى لماذا يفشل البعض في تحفيز الأبناء على إقامة الصلاة؟ وما الأخطاء التي يرتكبوها وكيف يمكن تفاديها؟
أسباب تقطع صلاة الأبناء وعدم الالتزام بها :
حدد الخبراء الأسباب المؤدية إلى عدم صلاة الأبناء أو تقطعهم بها والتي من الممكن أن توجز فيما يلي:
غياب القدوة :
أثبتت العديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية أن الأطفال يميلون إلى تقليد الكبار أكثر مما يستجيبون إلى الأوامر التي توجه إليهم، وبناء على ذلك فإن غياب القدوة الأسرية يأتي على رأس العوامل المسببة لعدم صلاة الأبناء ،حيث أنهم يتلقون الأوامر طيلة الوقت من الأم والأب بضرورة الحفاظ على الصلاة وإقامتها في أوقاتها وغير ذلك، لكن السؤال الأهم هل الأبوين يؤدون الفرض قبل أن يأمروا الأطفال بالقيام به؟
إذا لم يكن الأب والأم ملتزمون بأداء فريضة الصلاة فمن المستبعد أن يلتزم بها الطفل، حيث أن ذلك السلوك يصدر للطفل إحساساً بدنو قيمة الصلاة والعياذ بالله، خاصة أن الأطفال -وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة- يروا أبويهما رمزاً للكمال.
غياب الوعي الديني :
يرجع عدم صلاة الأبناء أو أدائهم لتلك الفريضة بصورة متقطعة أي يلتزمون بها فترة ثم ينقطعون عنها لفترة أخرى لأسباب متعددة، وقد يحدث ذلك على الرغم من وجود القدوة الحسنة داخل الأسرة الصغيرة وحرص الأبوين على دعوة الأبناء إلى أداء الصلوات الخمس، وفي تلك الحالة عادة ما يكون ذلك راجعاً إلى غياب الوعي الديني.
عند العمل على تحفيز الأبناء وتشجيعهم على الالتزام بأداء الصلوات علينا أن ندرك أن الطفل في هذا العمر لا يعي قيمة الفريضة، حيث أنها في نظره ليست أكثر من حركات جسمانية تؤدى بتسلسل معين، وبناء على ذلك يجب على الآباء مناقشة الطفل والتحدث معه بشأن الفريضة ولماذا أمر بها المولى عز وجل وكيف يعود الالتزام بها على الفرد بالعديد من الآثار الإيجابية في الحياة الدنيا والآخرة، والإتيان بما يثبت ذلك من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأمي عليه الصلاة والسلام، بالطبع يجب الحرص على تبسيط المعلومات المقدمة للطفل حتى يتمكن من استيعابها.
قد أثبتت الدراسات أن أسلوب الإقناع هو الأفضل والأقوى تأثيراً ولذلك ينصح الخبراء باتباعه في تربية الأطفال، أما أسلوب الإجبار فهو واحد من أفشل أساليب التربية وقد يؤدي إلى نتائج عكسية وخيمة وقد أكد أساتذة طب النفس أن الإجبار على أفعال معينة يعد نوعاً من القهر وأحد مسببات عدوانية الأطفال
اتباع أساليب الترهيب :
يأتي أسلوب الترهيب ضمن المسببات الرئيسية لعدم صلاة الأبناء ونفورهم من الالتزام بأداء تلك الفريضة على عكس ما يعتقده النسبة الأكبر من الآباء، حيث أن معظمهم من أجل تحفيز الطفل على إقامة الصلاة يرهبه من مخالفة ذلك الأمر الرباني الذي هو ركن من أركان الإسلام الخمس ويتوعده بتلقي العقاب على ذلك في الدنيا والآخرة.
يؤكد الخبراء التربويون وكذلك عدداً من علماء الدين أن ذلك الأسلوب لا يجد نفعاً ومن المستبعد أن يحفز الطفل على الالتزام بأداء الفريضة، وإن حدث ذلك فهو عادة ما يكون بصفة مؤقتة يعود الطفل بعدها إلى الانقطاع مجدداً، أما الأفضل أن تكون الرغبة في الصلاة نابعة من نفس الطفل وأن يقبل عليها بمحض حريته وذلك لن يحدث إلا عن طريق الترغيب، أي أن على الآباء التحدث مع الأطفال حول فضل الصلاة وجزاء المسلم المصلي وكيف هي مصدر البركة في الحياة الدنيا والسبيل إلى جنات النعيم في الحياة الآخرة.
يشار هنا إلى أن الأطفال يمتلكون إدراكاً محدوداً للحقائق -خاصة الغيبية منها- وفي ذات الوقت يمتلكون خيالاً واسعاً خصباً، وبالتالي فإن كثرة الحديث معهم حول عذاب جهنم قد يؤدي إلى تكوين صورة ذهنية خاطئة لديهم حول الدين الإسلامي والذات الإلهية.
مرافقة الأصدقاء غير الملتزمين :
يميل الطفل بفطرته إلى تقليد الأطفال الآخرين ويكون ذلك في الغالب راجعاً إلى سيطرة روح المنافسة عليهم ورغبتهم الملحة في التفوق وإثبات ذاتهم، ولذلك قد تكون صلاة الأبناء أو عدمها راجعة لنوعية الأصدقاء الذين يقضون معهم فترات طويلة، وقد يكون وصف “رفقاء السوء” غير دقيقاً باعتبار أننا نتحدث عن فئة الأطفال، لذلك من الممكن أن نطلق عليهم في هذه الحالة الرفاق غير الملتزمين دينياً.
يحرص الآباء دائماً على تشجيع أطفالهم على مصاحبة الأطفال المهذبين وذلك للحفاظ على ما يغرسونه في نفوس الأبناء من قيم أخلاقية ودينية، ولذات السبب ينصح بضرورة تشجيعهم على مصاحبة الأطفال الملتزمين دينياً بدرجة أكبر ويحرصون على أداء فريضة الصلاة في أوقاتها، حيث أن ذلك سيدفع الأبناء إلى تقليدهم والتسابق معهم إلى المساجد ومشاركتهم أداء الصلوات المختلفة.
عدم إظهار التقدير المناسب :
يهتم أغلب الآباء بتقديم الهدايا المختلفة إلى الأطفال عند اجتيازهم الامتحانات الدراسية، حيث تعد الهدايا في تلك الحالة حافزاً للطفل لمواصلة التفوق الدراسي في السنوات اللاحقة، وعادة ما يحقق ذلك الأسلوب نتائجاً مبهرة ويساعد الطفل على التحصيل الدراسي بصورة أفضل والاجتهاد في مذاكرة الدروس والاستعداد للامتحانات.
يمكن اتباع الأسلوب نفسه من أجل ضمان صلاة الأطفال بشكل منتظم، حيث ينصح بضرورة حرص الآباء على تقديم الدعم المعنوي للأطفال في حالة التزامهم بأداء الفروض لعدة أيام متتالية، ويكون ذلك في صورة تقديم هدية -حتى لو كانت رمزية- الهدف منها إشعار الطفل بأنه حقق إنجازاً كبيراً بالتزامه في إقامة الصلاة وكذلك ذلك التقدير يشعر الطفل بقيمة الصلاة نفسها ومدى أهميتها، الأمر الذي يحفزه على الاستمرار في الالتزام بها وعدم الانقطاع عنها مدى الحياة.
ملل الآباء من النصح والإرشاد :
أثبتت الدراسات النفسية أن بعض الأطفال قد يميلون إلى التمرد ورفض القيام ببعض الأفعال التي يمليها عليهم الآباء، خاصة إذا كانوا يجهلون قيمتها وأهميتها أو الهدف المراد تحقيقه منها، وذلك قد يدفع الأبناء إلى الامتناع عن أداء الصلاة أو الانقطاع عنها بعد فترة وجيزة من بدء الالتزام أو عدم الانتباه إليها في حالة غياب الرقابة.
عدم صلاة الأبناء في تلك الحالة يكون راجعاً إلى ملل الأبوين من تقديم النصح والإرشاد ومراقبة مدى التزام الأطفال بتأدية الفريضة، حيث أن البعض يعتقد أن دوره ينتهي عند تذكير الطفل بضرورة الصلاة ومدى أهمية الالتزام بها، لكن الحقيقة أن مهمة الأبوين لا تنتهي عند هذا الحد بل أنها تبدأ بذلك ومن ثم يكون عليهم مراقبة الطفل والاستمرار في حثه وتشجيعه وتقديم الدعم المعنوي له بشكل دائم.
إهمال دور العقاب :
تلعب سياسات العقاب دوراً محورياً في تربية الأطفال وتوجيههم ولكن يجب ألا يكون العقاب بدني مؤذ أو نفسي مهين، وذلك حرصاً على سلامة الطفل البدنية والنفسية على السواء، فيجب أن نتذكر دائماً أن الهدف من العقاب هو تقويم سلوك الطفل وليس إيذائه.
ينصح الخبراء بضرورة معاقبة الأبناء في حالة عدم التزامهم بالصلاة لإشعارهم بمدى أهميتها وتعريفهم بحجم الخطأ الذي ارتكبوه، وليس من الضروري أن يكون العقاب شديداً خاصة خلال المرحلة الأولى، فمجرد الهجر والامتناع عن الحديث مع الطفل لفترة معينة أمر كافي لإشعاره بالذنب وتحفيزه للالتزام بأداء الفريضة.