شخصيات الكوميكس هي من أشهر وأنجح الشخصيات الخيالية في العالم، ودليل هذا النجاح هو استغلالها بأكثر من شكل، فحالياً نجد شخصيات الأبطال الخارقين تتصدر ملصقات الأفلام، وقصصها المصورة تنتشر بأكثر من لغة حول العالم، وغزت الشرق في وقت مبكر بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، والعلامات التجارية لـ شخصيات الكوميكس باتت تقدر بملايين الدولارات، ودائماً ما اقترن الفن بنشر التوعية والارتقاء بالفكر، فوجد البعض في شخصيات الكوميكس وسيلة جيدة لتحقيق ذلك، فاستغلوها في نشر أفكارهم والترويج لها..
شخصيات الكوميكس والترويج للأفكار :
لماذا وقع الاختيار على شخصيات الكوميكس تحيداً؟، وما الأدلة التي تثبت صحة ذلك القول؟.. لنتعرف معاً على الإجابة من خلال الفقرات التالي ذكرها.
أولاً : لماذا الكوميكس تحديداً ؟
لعل السؤال الذي يفرض نفسه الآن، هو لماذا شخصيات الكوميكس تحديداً اُختيرت لهذا الغرض؟، والإجابة تبدأ بنفي ذلك الاعتقاد، حيث أن أغلب ألوان الفن تم استغلالها في تشكيل الوعي، ومنها الفن السابع أي السينما والمسرح أبو الفنون، فجميعهم أولاً وأخيراً سلع ثقافية، الهدف الأساسي منها هو الإمتاع والارتقاء بالوعي، إلا أنه في أحيان كثيرة تم استغلال هذه الفنون، في تزييف الوعي لا الارتقاء به، أو بمعنى أدق ترسيخ أفكار معينة تخدم أيدولوجيات محددة، أما عن استغلال شخصيات الكوميكس أو القصص المصورة لهذا الغرض، فقد كان لما يتميز به هذا اللون الأدبي من مميزات، جعلته الأجدر على إتمام مثل تلك المهما، والتي تتمثل في الآتي:
أ) الانتشار السريع :
يختلف المؤرخون حول تاريخ إصدار أول قصة كوميكس، إلا أن المتفق عليه أن ذلك كان قبل 80 عاماً تقريباً، كما أن المعتقد أن شخصية “فانتوم” كانت أولى شخصيات الأبطال الخارقين، أما الأمر المتفق عليه، هو أن شخصيات الكوميكس جذبت القراء منذ ظهورها الأول، وحطمت الأرقام القياسية بمراكز بيع المطبوعات، وحققت انتشاراً سريعاً، الأمر الذي لفت انتباه أصحاب دور النشر وكذلك الساسة والمفكرين، ورأوا أن تضمين كتيبات الكوميكس لأفكارهم، سيضمن لها الانتشار بين العامة بنفس السرعة.
ب) الفئة العمرية المستهدفة :
حين يتم إصدار أي منتج جديد، فإن الفئة العمرية المستهدفة منه تكون من أوائل البنود المحتوية عليها دراسة الجدوى، وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة للأفكار المراد بثها ونشرها، وفئة الصبيان والمراهقين أصلح أنواع التربة لزراعة الأفكار، فهؤلاء يكون لا يزال وعيهم وإدراكهم في طور التكون والتبلور، وتلك الفئة تحديداً كانت هي الأكثر تعلقاً بـ شخصيات الكوميكس ،ولذلك كان الأبطال الخارقين هم خير وسيط بين مُطلقي الأفكار ومُتلقيها.
ج) مادة ممتعة :
أهل الفن تفوقوا دائماً على رجال السياسة والمفكرين، وذلك لأن خطابهم يمتاز بالتشويق والإمتاع، وللتأكد من ذلك فقط اعقد مقارنة بسيطة، بين عدد مشاهدي خطابات الساسة والأفلام السينمائية، فإن كانت لديك فكرة أو رؤية ما تود نشرها على أوسع نطاق، احرص على أن ترد على لسان شخصية محببة للجماهير، هذا أفضل من تقديمها بكلمات رنانة ضمن خطبة عصماء، ولأن شخصيات الكوميكس تمتاز بالإمتاع الذي يفتقر إليه المفكرين والساسة، كانوا هم الأجدر بحمل تلك الأفكار، والتحليق بها على صفحات المجلات وبعقول الجماهير، وتقديم الأفكار متوارية خلف ستار من الإثارة والتشويق، لهو أفضل من تقديمها بأسلوب مباشر أشبه بالتلقين.
د) سهولة الحصول عليها :
شخصيات الكوميكس أو الفن القصصي بشكل عام، يمتاز عن غيره من ألوان الفنون برخص ثمنه نسبياً، وكذا سهولة الحصول عليه في أي وقت، بعكس العروض السينمائية أو المسرحية، والتي مشاهدتها تتطلب الانتقال إلى صالات العرض المخصصة لها، وهذا أيضاً من العوامل التي جعل شخصيات الكوميكس ،هي الوسيلة الأفضل لنشر مجموعات الأفكار، خاصة وإن ذلك بدأ في زمن لم يكن التلفاز منتشر به، كما كانت قصص الكوميكس من أرخص الكتيبات سعراً، الأمر الذي جعلها في متناول الجميع.
ثانياً : ما أمثلة ذلك ؟
الأمثلة الدالة على استغلال شخصيات الكوميكس لترويج الأفكار، بالغة التعدد وتفوق ما يمكن حصره، وما سنقوم برصده ضمن الفقرات التالية، هو فقط عرض للحالات الأبرز ولكنها ليست الوحيدة، والتي وصل بها الأمر في بعض الأحيان إلى التخلي عن الرمزية، وانتهاج أسلوب المباشرة في تقديم المعلومة إلى المتلقي.. ومن أمثلة ذلك:
أ) الظل ومحاربة الجريمة :
على الرغم من أن شخصية الظل “The Shadow” هي البذرة الأولى لنمط الخارقين، إلا أن نجمه قد خفت فيما بعد وانحسرت شعبيته، أمام شخصيات الكوميكس التي تلته في الظهور، مثل باتمان وسوبر مان والرجل العنكبوت.. الظل تم تقديمه لأول مرة من خلال حلقات إذاعية، وعرفه الجمهور كطيار حربي شارك في الحرب العالمية الأولى، ثم أعلن تقاعده وكرس حياته لمكافحة الجريمة.. الظل حمل رسائل توعوية ضد عواقب الجريمة الوخيمة، وكيف يجب على المجتمع محاربتها ولفظها خارجه، وذلك المحتوى لم يكن مجرد عنصر يخدم السياق الدرامي، بل كان يأتي في هيئة رسائل مباشرة، يمكن معها القول بأن شخصية الظل قد ابتكرت في الأساس، كي يُقدم من خلالها برنامج توعية، خاصة إن ذلك كان في زمن تفشت فيه الجريمة وارتفعت معدلاتها، وفي عام 1931م تم تقديم شخصية الظِل من خلال صفحات الكوميكس، وفي عام 1940م تم تطوير الشخصية ومنحها بعض القدرات الخارقة، كي تتمكن من منافسة الشخصيات الأخرى مثل سوبر مان ورفاقه.
ب) كابتن أمريكا وصفع هتلر :
أمريكا القوية أو أمريكا الدولة العظمى حامية الحمى، هي رسالة تم توجيهها كثيراً من خلال الفن الأمريكي، ولا يزال القائمون على صناعة الفن بتلك الدولة، يحرصون على تضمينها بأغلب أعمالهم حتى اليوم، ومن بينها أفلام الإثارة التي تنتج سنوياً بأعداد كبيرة، والتي تقول شيء واحد هو أن البطل الأمريكي لا يُقهر.. وشخصية كابتن أمريكا وهي واحدة من أشهر شخصيات الكوميكس ،كانت واحدة من الحلقات بتلك السلسلة المديدة، وتخلى مبتكري تلك الشخصية من شخصيات الكوميكس عن الرمزية، واتجهوا إلى استعمال الإشارة المباشرة إلى القوة الأمريكية، فقاموا بإطلاق لقب “كابتن أمريكا” على شخصيتهم الجديدة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فبعكس ما هو معمول به مع شخصيات الكوميكس الأخرى، لم يكن ظهوره الأول ضمن الأعداد المجمعة، بل اتخذ الناشر مارتن جودمان قراراً بتقديمه من خلال سلسلة مستقلة.
كابتن أمريكا هو تجسيد لبطل قومي أمريكي، رجل حاول التطوع بجيش بلاده ليحارب الجحافل الأمريكية، وحين تم رفضه بسبب ضعفه الجسماني، تطوع لتجربة علمية تحول على إثرها إلى جندي أمريكي خارق، ولم تكن تلك الرسالة المباشرة الوحيدة لكابتن أمريكا، بل أن تلك الشخصية التي تتميز بالرداء المكون من ألوان العمل الأمريكي، ظهر على غلاف إحدى الأعداد يصفع هتلر على وجهه، في تجسيد مباشرة لهزيمة القائد النازي على يد أمريكا والحلفاء.
ج) وندر ومان وريادة المرأة :
وندر ومان أو المرأة العجيبة هي محاولة للتمرد على السائد، فبينما كانت شخصيات الكوميكس الخارقة تقتصر على الرجال، جاءت شخصية المرأة العجيبة معبرة عن الأصوات المنادية بالمساواة، متوافقة مع الأفكار المساندة للمرأة والمطالبة بحقوقها، والتي انتشرت بصورة ملفتة للنظر خلال ثلاثينات القرن المنصرم.. الظهور الأول لها كان ضمن قصة مجمعة لـ شخصيات الكوميكس ،فظهرت كمعاونة لأبطال فريق العدالة باتمان وسوبر مان والبرق وغيرهم، وتمكنت وندر ومن من تحقيق شعبية طاغية في زمن قياسي، خاصة لدى النساء والفتيات المراهقات، اللواتي وجدن أخيراً واحدة من بني جنسهن، تضاهي في قدراتها الخارقون الرجال الذين احتكروا صفحات المجلات لسنوات.
الشخصية رسمياً من ابتكار الكاتب ويليام مولتون مارتسون، لكن في الحقيقة زوجته هي من قامت برسم تفاصيلها، فالكاتب كان يهدف إلى تقديم نمط آخر لـ شخصيات الكوميكس ،بطلة لا تهدف إلى إبادة الأشرار، بقدر ما تسعى لنشر السلام والمحبة وسط المجتمعات، واختار لها أن تكون واحدة من فتيات قبائل الأمازون الأسطورية، ورجحت زوجته أن يمنحها صفات آلهة اليونان القديمة، لتكون بذلك عبارة عن النموذج الأروع للمرأة، فهي تحمل جمال أفروديت وحكمة أثينا، وقد حققت هذه الشخصية من شخصيات الكوميكس الهدف المراد منها، إذ تحولت فيما بعد إلى رمز لعدد من الجمعيات المعنية بدور المرأة وحقوقها.. كذلك لم يغب الجانب السياسي عن سلسلة وندر ومان، فهي كأغلب شخصيات الكوميكس في ذاك الوقت، لعبوا دوراً في محاربة الجيش الألماني النازي، وكانت أولى مغامرات المرأة العجيبة بسلسلتها المستقلة، تتمثل في إنقاذها لطيار أمريكي مصاب وإعادته لمدينته.
د) إكس مين ومناهضة العنصرية :
فكرة هذا الإصدار من القصص جاءت تقليدية، سعت شركة مارفل لاستثمار النجاح الذي تحققه شخصيات الكوميكس ،فقامت بابتكار عدد كبير من شخصيات الأبطال الخارقين دفعة واحدة، وقامت بتخصيص سلسلة منفصلة لهم، تقدم في كل عدد مجموعة كبيرة من الأبطال، في محاولة منها لمنافسة قصص البطل الأوحد المنتشرة آنذاك.. فريق إكس مين مكون من شخصيات الكوميكس النمطية، بل محور أحداثه أيضاً جاء مستهلكاً مفتقر للتجديد، يعتمد على تقديم المعارك الضارية بين الأبطال الممثلون للخير، في مواجهة أباطرة الشر الساعون لتدمير الأرض.. لكن رغم ذلك لم تغب الرسائل الضمنية عن الأحداث، ويرى النقاد أن فريق X-Men يحارب العنصرية، مقدماً أروع مثال للاستيعاب ونبذ العنصرية والتفرقة.
هـ) سوبر مان والهيمنة الأمريكية :
سوبر مان أو أشهر شخصيات الكوميكس على الإطلاق، وشهدت تلك الشخصية العديد من مراحل التطوير، وقد كانت هذه التطورات متوافقة دائماً مع التطورات على الساحة السياسية، الأمر الذي دفع البعض للاعتقاد بأن سوبر مان، ما هو إلا تجسيد فني للقوة الأمريكية، يظهرها في صورة القوى الخارقة التي تتولى حماية كوكب الأرض، وتحارب قوى الشر في كل مكان بهدف إحلال السلام الشامل، وهناك العديد من النظريات والتحليلات المتعلقة بتلك الشخصية، والتي تربط بين ظهور سوبر مان والحرب العالمية.
و) باتمان ومحاربة الخميني :
موقف الإدارة الأمريكية من النظام الإيراني معروف للجميع، وكلا الدولتين لا تخفيان تربصهما ببعضهما البعض، والصراع السياسي الدائر بينهما منذ أمد بعيد، انتقل إلى صفحات المجلات والقصص المصورة، وقام الكتاب بإقحام شخصيات الكوميكس فيه رغماً عنهم، ولضمان ترسيخ تلك الفكرة في عقول الأطفال والمراهقين، اختاروا هذه المرة واحدة من أكثر شخصيات الكوميكس شعبية، وهي شخصية المليونير محارب الجريمة بروس واين أو باتمان.
باتمان من شخصيات الكوميكس التي لديها كثير من الأعداء، فخلال رحلته الطويلة في محاربة عالم الجريمة، تصارع مع أباطرة الشر مثل ذو الوجهين وباين وإيفي السامة، وقد كره القراء تلك الشخصيات بسبب إلحاقهم الأذى ببطلهم المحبوب، وهنا قرر كتاب السلسلة إضافة شخصية الخميني إلى قائمة أعداء الرجل الوطواط، فأظهروه بشخصيته الحقيقية ضمن أحد الأعداء، والذي حمل عنوان “موت في العائلة”، ونرى الخميني يظهر ضمن الأحداث في صورة خاطف للبنات الصغار، وقد تحالف مع ألد أعداء باتمان وأكثرهم شراً وهو المهرج أو الجوكر، وقد قام الكتاب بتمييز ذلك العدد الخاص بأكثر من حدث هام، ليزيدوا من أهميته ويضمنوا تحقيقه أكثر نسبة مبيعات ومطالعة، ولعل أبرز تلك الأحداث هو موت إحدى شخصيات الكوميكس الرئيسية، وهي شخصية جيسون تود أو روبن الذراع الأيمن للبطل الخارق باتمان.