سلاحف النينجا هي مجموعة من القصص المصورة، صدرت بالولايات المتحدة للمرة الأولى في عام 1984م، لكن زادت شهرة فريق سلاحف النينجا ،حين تم تقديمه من خلال عرض تلفزيوني لأول مرة في 1987م، وخلال سنوات قليلة تمت ترجمته للعديد من اللغات، وبات من البرامج الرئيسية على مختلف الشاشات حول العالم، ثم صارت صور أبطاله تطبع على الملابس، والأدوات الدراسية للأطفال، هذا بالتأكيد بجانب إصدارات عديدة من ألعاب الفيديو، ثم تم استغلال هذا النجاح من قبل صُناع السينما، فتم تقديم سلاحف النينجا من خلال عِدة سلاسل سينمائية، صدر آخر أفلامها في عام 2014 بعنوان TMNT، ويجرى حالياً الإعداد للجزء الثاني من السلسلة نفسها.
سلاحف النينجا .. أنجح برامج التسعينات للأطفال ؟
ما أصاب العالم بعد عرض مسلسل سلاحف النينجا بآواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، أقل ما يمكن وصفه به إنه “هوس”، فقد كانت صور أبطال النينجا الخياليون تتواجد بكل مكان وتتصدر كل شئ، فكان لابد من أن نسأل : لماذا أصاب العالم هوس سلاحف النينجا ؟، وما العوامل التي كفلت له التميز وجعلته يتفوق على منافسيه؟
الخروج عن النمط المألوف :
يمثل مسلسل سلاحف النينجا خروجاً صريحاً عن المألوف، فالسائد في عالم السوبر هيروز أو الأبطال الخارقون، هو أن البطولة تكون مسندة إلى البشرة، فحتى وإن كان ذلك البشر يمتلك قوى خارقة يبقى بشراً، والأمثلة على ذلك تفوق ما يمكن حصره، وأشهرهم شخصيتي فارس الظلام باتمان والعنكبوت سبيدر مان، بل إن الخارق الأشهر سوبر مان رغم إنه في الأصل كائن فضائي، إلا إنه يظهر ممتلكاً لخصائص البشر الجسمانية الظاهرية. أما مبتكري شخصيات سلاحف النينجا فقد حطموا تلك القاعدة، وجردوا الجنس البشري من صفة البطولة، وأسندوها إلى أربعة من السلاحف المطورة جينياً، وجعلوهم يحملون على عاتقهم مسئولية حماية مدينة نيويورك والعالم، والدليل على تعمد مبتكري شخصيات سلاحف النينجا سلب البشر صفة البطولة، هو تجريدهم لشخصية المعلم سبلنتر من خصائصه البشرية، وتحويله إلى جرذ عملاق يجيد فنون النينجا القتالية.
فريق من الأبطال :
لعلك لاحظت -في الآونة الأخيرة- اتجاه أغلب شركات الإنتاج لتقديم هذا النمط، فقد جمعت شركة مارفل كافة الأبطال الخارقين الواقعون ضمن ملكيتها الفكرية، وقدمتهم سينمائياً من خلال سلسلة المنتقمون أو Avengers، كما ستشهد السينما قريباً أول لقاء بين سوبر مان وبات مان، وهما الشخصيتان المملوكة حقوق إنتاجهما لشركة دي سي كوميكس، هذا بالطبع بجانب المسلسل الكرتوني الشهير “فريق العدالة”، وتجدر الإشارة هنا إلى أن سلاحف النينجا قد سبقوا كل هؤلاء، وكانوا أول فريق أصيل يقدم على صفحات الكوميكس، ثم أعيد تقديمه مرة أخرى من خلال مسلسل كرتوني، ويُقصد بالأصيل هنا هو إنه ليس فريقاً مجمعاً، كما هو الحال مع الفرق المذكورة، التي تشكلت من خلال ضم أكثر من سلسلة في قصة واحدة، إنما سلاحف النينجا كان ظهورهم الأول على هذه الشاكلة، ويعتبر “الفريق” أحد أهم عوامل الجذب، وهو الأمر الذي فطن إليه ذهن مبتكري هذه السلسلة، فتعدد الشخصيات الرئيسية يُبعد شبح الملل عن المتلقي، ويقي المؤلف من السقوط في فخ الروتين والتكرار.
الجانب الكوميدي :
إذا كنت من متابعي حلقات سلاحف النينجا الكرتونية، أو إنك تابعت أفلام السينما التي قدمتهم، أو حتى اطلعت يوماً على واحدة من قصصهم المصورة، فحتماً إن هناك ابتسامة قد رُسمت على شفتيك أكثر من مرة.. فرغم إن سلاحف النينجا ينتمون إلى عالم التشويق والإثارة، والأحداث في مُجملها تدور في إطار المغامرة وخوض المخاطر، إلا أن اللمحة الكوميدية المرحة سمة أساسية بهذه السلسلة، فمن منا يمكنه أن ينسى المواقف الكوميدية التي نتجت عن غباء الأشرار روك ستيدي وبريجو، واللذان قدما في النسخة العربية باسم صخر وشنخر، ومن منا لا يذكر خفة ظل شخصية مايكل أنجلو، ذلك السُلحف الثرثار دائم الساخر دوماً من رفاقه وخصومه.. ونشير هنا إلى أن الكوميديا ليست مقحمة على سلسلة سلاحف النينجا ،بل إنها تمثل ضرورة درامية، ففريق سلاحف النينجا مكون من أربعة سلاحف في عمر المراهقة، وكما هو حال كافة المراهقين، دائماً ما تتسم شخصيتهم بالمرح وسلوكهم بالتهور، وهما صفتان لابد أن ينتج عنهما مواقف طريفة وكوميدية.
التوازن بين العنف والقيم :
مع تطور نظم تنفيذ أعمال الرسوم المتحركة، وكذلك تطور تقنيات صناعة الخدع البصرية السينمائية، جنح أغلب منفذى الاعمال الفنية إلى العنف، وضاعفوا عدد مشاهد الإثارة على حساب القصة والمضمون، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لمطوري شخصيات سلاحف النينجا ،فقد تمكنوا وببراعة من إحداث التوازن الفريد والبديع، بين كم العنف ومشاهد المعارك والصراعات، وبين تقديم مجموعة من الرسائل الإيجابية، الهادفة إلى ترسيخ القيم والمبادئ في نفوس المتلقي، خاصة وإن سلاحف النينجا في المقام الأول، هو عمل فني موجه إلى فئتي الأطفال والمراهقين، وهذا كله بالطبع دون الإخلال بالسياق الدرامي أو عنصر التشويق، فأحداث سلاحف النينجا تأتي دوماً مترابطة ومتماسكة، في تصاعد مستمر يجعل المشاهد دوماً في حالة من التشوق والتلهف لمعرفة المزيد
ترسيخ القيم بعقول الأطفال :
فور إصدار المسلسل التلفزيوني الأول لـ سلاحف النينجا خلال الثمانينات، ومع غزوه شاشات الدول العربية في اوائل التسعينات، علت بعض الأصوات التي هاجمت من صرحوا بعرضه، بادعاء إن المسلسل يحفز عدوانية الأطفال، لكن هذه النظرة أقل ما توصف به هو إنها سطحية لحد السذاجة، فالمسلسل يصنف كمسلسل مغامرات تشويقي، ومن البديهي أن يحتوي على بعض مشاهد الحركة، بينما إن نظرنا إلى الأحداث بشئ من التمعن، سنجد إنه جاء ليرسخ العديد من القيم الحميدة في نفوس الأطفال وعقولهم، ومن أمثلة ذلك :
- التعاون : يقدم مسلسل سلاحف النينجا أبهى صور تعاون الأفراد، فنجد أن طاقم السلاحف الأربعة طاقم متكامل، فكل منهم يمتلك مهارة أو صفة يفتقر إليها الآخرون، فالسلحف دوناتيلو هو المخترع العبقري، الذي يقوم بتصنيع الأسلحة والمركبات التي يستخدمونها، بينما ليوناردو هو القائد الحكيم الذي ينجو بفريقه من المصاعب، وهكذا…
- الترابط الأسري : تُظهر أحداث المسلسل مجموعة سلاحف النينجا على إنهم أسرة واحدة، أفرادها متحابون ومترابطون، وإن قوتهم الحقيقة تكمن في ترابطهم هذا.
- العقل يسبق العنف : كل انتصار حققه سلاحف النينجا على عدوهم اللدود شريدر، كان باستخدامهم لقواهم العقلية قبل قواهم العضلية، فالمسلسل يقدم رسالة صريحة وهي إن امتلاك القوة أمر هام، لكن الأهم هو امتلاك عقل راجح يروض هذه القوة ويحكمها ويحسن استغلالها.
توافر مختلف عناصر الجذب :
هناك مجموعة من العناصر تعد من أساسيات العمل الفني، ويُعرفها المتخصصون في مجالي صناعة الأفلام وكتابة السيناريو بمسمى عناصر الجذب، وجرت العادة على أن يحتوي كل عمل درامي تلفزيوني أو سينمائي أو قصصي، على واحد أو اثنين على الأكثر من هذه العناصر، ولكن سلاحف النينجا من الحالات القليلة الفريدة، والتي احتوت أحداثها على العديد من عوامل وعناصر الجذب الفني، فإن كان المشاهد من حبي الإثارة والتشويق، فبالتأكيد قصص سلاحف النينجا ستكون خياراً مثالياً بالنسبة له، فالمغامرة والإثارة هي الأساس الذي يقوم عليه العمل، إما إن كان من هواة الكوميديا والمرح، فسيجد ضالته أيضاً ضمن أحداث الاعمال المتناولة لـ سلاحف النينجا ،الأمر نفسه ينطبق على مفضلي الخيال العلمي وعالم الفضاء، واختصاراً يمكننا عد سلسلة سلاحف النينجا ،وجبة فنية دسمة ومتكاملة مرضية لجميع الأذواق.
الجانب التعليمي :
حرص مؤلفي سلسلة سلاحف النينجا على إضفاء قيمة علمية عليها، أي يجعلون سلستهم بمثابة مصدر للمعلومات العامة، ورغم إنهم لم يحققوا هذا بنسبة كبيرة، إلا أنه أمر يحسب لهم، خاصة وإن صانعي الرسوم المتحركة والقصص المصورة بشكل عام، والقصص المتناولة لمغامرات الأبطال الخارقين بصفة خاصة، لم يهتموا بتضمين السياق الدرامي لقصصهم لأي جانب تعليمي، بينما حلقات سلاحف النينجا تضمنت العديد من المعلومات الحقيقية الصحيحة، وقد تجلى ذلك في الموسم التلفزيوني لـ سلاحف النينجا ،الذي صدر تحت عنوان ” سلاحف النينجا حول العالم”، والذي اصطحب المؤلفين الأطفال خلاله في رحلة عبر حدود الدول، فكل حلقة كانت تدور في مدينة مختلفة، ومن خلال المغامرة التي يخوضها السلاحف في مواجهة شريدر، يتم رصد أهم المعالم السياحية بتلك المدينة، مما يعني إن مشاهدة الأطفال لهذه الحلقات التلفزيونية، هو أمر يعادل دراسة التاريخ بصورة مبسطة.