وجدتني أتساءل مرة: ما معنى سؤال الناس على بعضهم وما هو أهميته، ولماذا عندما هاتفت أحدهم مرة لأمر ما وجدته يعاتبني قائلا: لماذا لا تسأل؟ حسنا سوف أسأل.. سنخوض هذه المحادثة المكررة عشرات المرات من قبل، سأسألك كيف حالك وستجيبني: أنا بخير. هل هذا هو الذي تريده؟ حسنا سأفعله إن كان سيعفيني من عتابك لي، ولكن بعد أن أغلقت المكالمة وجدتني أتساءل: لماذا نكبر جدا سؤال الناس على بعضهم ونجده مقياسا لأشياء كثيرة من حولنا؟ لذلك فكرت في كتابة هذا المقال، إليك الأسباب التي تجعل سؤال الناس على بعضهم مهما وذو جدوى:
يعني أنني تذكرتك
عندما نقول أن سؤال الناس على بعضهم مهم لأن الإنسان حين يجلس وحيدا في غرفته أو منخرطا في عمله أو ضاربا في معامي الأرض هنا وهناك يبحث له عن رزق وعن لقمة عيش فإنه ينسى تماما أن هناك أشخاص بينه وبينهم مودة على الجانب الآخر من العالم بالتالي عندما يتذكرني شخص وسط كل هذا الكرب الذي أمر به من ضغط العمل وأزمات مادية ونفسية سيئة ليسأل عني ولو بشكل روتيني “هل أنت بخير” فأجيبه: “أنا بخير” وأكون صادقا من فرحتي أن هناك من تذكرني وسأل عني فإن هذا يعني أن سؤال الناس على بعضهم ذو أهمية كبيرة.
يجعلني أعرف المهم إن وجد
سؤال الناس على بعضهم تنبع أهميته على التأكيد الدائم على أن الأمور تسير بشكل جيد دون تغير، أي أن ما يحدث لا يهمني معرفته من تفاصيل يومية صغيرة فعندما أسأل: هل أنت بخير؟ فطبيعي أن يكون الرد: نعم أنا بخير. لأنني لن أحكي لك عن تفاصيل الأزمات في عملي أو عن الثلاجة المعطلة التي أريد إصلاحها وأشياء من هذا القبيل والموجودة في كل بيت ولدى كل إنسان، ولكن عندما يكون لدي خبر جلل، مناسبة كبيرة مثلا وتسأل عني فإنني سأقولها لك بالطبع، وهذا أهمية السؤال الروتيني: هو أن أعرف الأشياء الهامة التي يجب علي أن أعرفها عنك.
يشعرك بأن أحد إلى جوارك
الإنسان دائما يشعر أنه وحيد، وحيد تماما ولا أحد يتذكره ولا أحد يهتم لأمره، ولو غاب أو مات فلن يهتم لوجوده أحد، ولا لغيابه أحد، حضوره مثل غيابه ولا يترك أثرا لدى أي شخص، بالتالي سؤال الناس ببعضهم يهوّن هذه الحالة المأساوية قليلا، يجعلها على الأقل أقل حدة، بالطبع حينما أسأل عنك فإنني لا أقول لك أنني سأنتقل للإقامة في غرفتك لطرد شعورك بالوحدة ولكن على الأقل أقول لك أنك تترك أثرا لدي بدليل أنني أسأل عنك بهذا الشكل.
سؤال الناس على بعضهم يؤكد على اتصال حبل الود بيننا
الإنسان عادة تنتهكه أفكاره، هواجسه المُلحة تكاد تفترسه وبمجرد أن يبقى وحيدا ستوسوس له نفسه أن فلان هذا لا يهتم لأمرك وهو ينساك كليا بدليل أنه لا يسأل عنك على الإطلاق ولا يعيرك أي اهتمام، بغض النظر عن أن سؤال الناس على بعضهم يجب أن يكون متبادلا ولكن عندما يقوم فلان هذا بين فترة والأخرى بالسؤال عليك فإنه يؤكد على اتصال حبل الود ويقول لك: نعم نحن على العهد مهما أخذتنا الدنيا وابتلعتنا هموم الحياة لا زال حبل الود موصول.
سؤال الناس على بعضهم به الكثير والكثير من العبر والأغراض السامية التي تعيد قيم التكافل للناس وأنه لا يجب علينا أن نتنصل من كل الأشياء التي نظنها لا منطقية بهذا الشكل، طالما تجعل الأمور أفضل بيننا وبين الناس وتزيد المحبة بيننا، إما أن نتأملها لنعرف سرها بصورة أعمق أو نأخذها هكذا كما هي كأداة للمحبة فحسب.