أصبحت زيادة الوزن سمة رئيسية من سمات العصر الحالي وصارت السمنة إحدى الأمراض المتفشية في أغلب دول العالم، السر في ذلك يرجع إلى عدة عوامل من أبرزها انتشار التكنولوجيا واعتماد الإنسان عليها في مختلف المجالات مما أدى إلى انخفاض معدلات النشاط البدني، بالإضافة إلى سوء الأنظمة الغذائي وارتفاع معدلات استهلاك الأطعمة مرتفعة السعرات الحرارية مثل مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية والوجبات السريعة وغيرها، لكن زيادة الوزن -رغم انتشارها- لا تنتج فقط عن الشراهة واستهلاك الأطعمة مرتفعة السعرات بكميات كبيرة فحسب، بل أن تلك الحالة قد تأتي مترتبة على أسباب أخرى وقد تكون أيضاً مؤشراً على وقوع الإصابة بأحد الأمراض.
أسباب مختلفة لـ زيادة الوزن بخلاف استهلاك الطعام :
تنتج زيادة الوزن عن أسباب متنوعة بخلاف الخمول واستهلاك الأطعمة بنسب مرتفعة، ويؤكد الأطباء أن زيادة وزن الجسم قد تكون مؤشراً على تعرض الشخص لحالة مرضية ما، ومن أمثلة ذلك:
خمول الغدة الدرقية :
يمكن أن تشير زيادة الوزن إلى خلل ما في نشاط الغدة الدرقية في الجسم، حيث أن تلك الحالة تؤدي بشكل غير مباشر إلى تراكم الدهون في الجسم بشكل ملحوظ ومن ثم زيادة كتلته، حيث أن الغدة الدرقية هي العضو الأول المسؤول عن تنظيم معدلات استهلاك الطاقة المختزنة في الجسم، ومن ثم إذا كانت تلك الغدة خاملة فإن ذلك يقلل من معدلات حرق الدهون لعدم حاجة الإنسان إلى توفير الطاقة للتمكن من ممارسة الأنشطة المختلفة.
من مظاهر خلل الغدة الدرقية بخلاف زيادة الوزن الشعور بحالة عامة من الفتور وضعف العضلات والشعور الدائم بحالة من التعب والإرهاق، بالإضافة إلى ارتخاء الجلد في مناطق مختلفة من الجسم وكذلك تساقط الشعر، وفي المراحل المتقدمة من المرض قد تؤدي أمراض الغدة الدرقية إلى تساقط الشعر وتباطؤ ضربات عضلة القلب.
إجهاد العمل والضغوط الحياتية :
كشفت الدراسات العلمية عن مفاجأة كبرى حين أكدت أن الحالة النفسية للشخص قد تكون سبباً في زيادة الوزن ، حيث أن جسم الإنسان حين يتعرض لأي ضغوط متمثلة في مشاكل أسرية أو ضغوط نفسية أو حتى إجهاد العمل المعتاد يقوم بإفراز هرمون الكورتيزول، وذلك الهرمون يزيد من معدلات تراكم الدهون الثلاثية التي يتم تحويلها إلى خلايا دهنية مختزنة داخل الجسم وخاصة في منطقة البطن.
الاضطراب الهرموني :
عدد كبير من حالات زيادة الوزن لدى الرجال والنساء على السواء تكون ناتجة في الأصل عن معاناتهم من الاضطرابات الهرمونية، حيث لاحظ العلماء أن حوالي 10% من النساء حول العالم تزداد أوزانهن بعد انقطاع الدورة الشهرية عنهن، والسر في ذلك يرجع إلى حدوث تغيرات في نسب الهرمونات بالإضافة إلى احتمال إصابتهم بمتلازمة تكيس المبايض.
الأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة للرجال حيث تلاحظ أن عدد كبير من حالات زيادة الوزن غير المبررة لدى الذكور كانت راجعة إلى زيادة ملحوظة في مستويات هرمونات الذكورة.
بلوغ مرحلة الشيخوخة :
تطرأ الكثير من التغيرات على مظهر جسم الإنسان مع تقدم العمر وتعرف تلك التغيرات إجمالاً بمسمى مظاهر الشيخوخة ومن أبرزها شيب الشعر وانتشار التجاعيد والانكماشات الجلدية، وتعد زيادة الوزن وانتشار الترهلات في الجسم أيضاً أحد مظاهر تلك المرحلة العمرية، وفي تلك الحالة تكون زيادة وزن الجسم ناتجة عن سبب طبيعي وهو انخفاض معدلات عملية الأيض أو التمثيل الغذائي، مما يؤدي إلى اختزان النسبة الأكبر من الدهون داخل الجسم.
بالإضافة إلى ذلك هنا عامل آخر يؤدي إلى زيادة الوزن مع تقدم العمر ويجعل عملية التخلص من الكرش والوزن الزائد بشكل عامة أكثر صعوبة، وهو أن جسم الإنسان كلما تقدم في العمر فقد كم أكبر من الكتلة العضلية، ويقدر العلماء معدلات انخفاض الكتلة العضلية بنسبة 1% ابتداء من عمر الثلاثين وتزداد وتيرة فقدان العضلات مع بلوغ الشخص سن الأربعين، وهو ما يؤدي في الغالب إلى حدوث زيادة ملحوظة في وزن الجسم حتى في حالة اتباع الشخص نظام غذائي صحي.
مشكلات الكبد الصحية :
يعد عضو الكبد أحد الأعضاء النبيلة في الجسم وهو المسؤول عن الحفاظ على الصحة العامة للإنسان، وتعتبر زيادة الوزن إحدى النتائج الطبيعية التي تترتب على تعرض الكبد لأي مشكلة صحية، حيث أن تقاعسه عن القيام بدوره يؤدي إلى زيادة حجم الدهون وتراكمها داخل الجسم وخاصة في منطقة البطن.
تعتبر أمراض الكبد من أخطر المشكلات الصحية التي تشير إليها زيادة الوزن غير المبررة، حيث أن عادة ما تتفاقم تلك المشكلات إلى حالات أشد خطورة مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة السكر في الدم وزيادة مستوى الكوليسترول وآلام المفاصل وغيرها، وبناء على ذلك إذا لاحظ الفرد زيادة وزن في منطقة البطن ومحيط الخصر رغم اتباع نظام غذائي صحي عليه التوجه إلى الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من أن عضو الكبد يقوم بدوره بالشكل الصحيح.
حالات الاكتئاب :
أثبتت العديد من الأبحاث التي أجريت داخل مجموعة من أكبر المراكز البحثية في العالم أن الصحة الجسمانية تتأثر بأشكال متعددة بالحالة النفسية للأفراد، وقد رأى العلماء أن حالات الاكتئاب تنعكس بصور متعددة على حالة الجسم ومن بين الآثار المحتملة لها حدوث زيادة الوزن وتراكم الدهون الزائدة في مختلف أجزاء الجسم.
يؤكد الأطباء عن شراهة الطعام تزداد لدى بعض الأشخاص عند مرورهم بحالة من حالات الاكتئاب، حيث يعد استهلاك الأطعمة الزائدة عن الحاجة بمثابة وسيلة لتفريغ الطاقة المكبوتة، مما يؤدي بالضرورة إلى زيادة ملحوظة في وزن الجسم، والأسوأ من ذلك أن العقاقير والأدوية المستخدمة في علاج الاكتئاب من آثارها الجانبية مساهمتها في زيادة الشهية إلى الطعام وفي ذات الوقت تقلل من معدلات عملية الأيض مما يقود بالضرورة إلى رفع معدلات ترسب الدهون بالجسم.
زيادة نمو البكتيريا الضارة :
يعد نمو البكتيريا داخل الجهاز الهضمي -وخاصة الأمعاء- من الحالات الصحية الشائعة والتي تؤدي إلى شعور الأشخاص بحالة من الانتفاخ عادة ما تكون مؤقتة، إلا أن في بعض الحالات يكون نمو ذلك النوع من البكتيريا مفرطاً وفي تلك الحالة يؤثر على كفاءة الجهاز الهضمي ويؤدي إلى اضطراب حركة الأمعاء ويقلل من معدلات هضم الطعام، وفي حالة استمرار تلك المشكلة لفترة أطول دون تلقي العلاج المناسب يؤدي ذلك بالضرورة إلى زيادة الوزن بشكل ملحوظ.
يشار هنا إلى أن المشكلة الصحية المتمثلة في بُطء حركة الأمعاء لا تنتج فقط عن النمو المفرط للبتكتيريا الضارة، بل هناك عوامل عديدة قد تؤدي لذات النتيجة منها تناول وجبات دسمة على فترات متقاربة، حيث أن ذلك يزيد الحمل الواقع على الجهاز الهضمي ويعيق قدرته على أداء وظيفته الحيوية مما يؤدي إلى اختزان كمية أكبر من الدهون داخل الجسم في كل مرة يتم تناول الطعام بها، بالإضافة إلى زيادة احتمالات الإصابة بمختلف اضطرابات الجهاز الهضمي وخاصة الإمساك.
افتقاد بعض العناصر الغذائية :
تشير زيادة الوزن في بعض الحالات إلى افتقار الجسم لأحد العناصر الغذائية الهامة مثل المغنسيوم أو الحديد أو فيتامين د، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على الجهاز المناعي للإنسان واضطراب عملية التمثيل الغذائي مما يؤدي إلى زيادة في وزن كتلة الجسم، وفي تلك الحالة يجب إجراء التحليلات اللازمة وتعويض الجسم بتلك العناصر عن طريق أقراص المكملات الغذائية.
يشار في النهاية أن زيادة الوزن تعد أحد الأعراض الشائعة للعديد من المشكلات الصحية ومن ثم لا يجب الاستهانة بها، وعند ملاحظة ظهور أي زيادة غير مبررة في وزن الجسم يجب التوجه إلى الطبيب المختص وتوقيع الكشف الطبي للتعرف على أسبابها، حيث أن التدخل الطبي المبكر يضمن نجاح أي برنامج علاجي بنسبة كبيرة.