خيار البحر والذي يُعرف علمياً باسم Stichopus horrens، هو أحد الكائنات البحرية طولية الجسم، وهو سبب معرفته بذلك الاسم إذ أن شكله يشبه بنسبة كبيرة شكل ثمرة الخيار، ويعتبر خيار البحر ذو أهمية اقتصادية بالغة، فمنذ فجر التاريخ اتخذه الصينيون غذاءً لهم، وبعدما كشفت الدراسات قيمته الغذائية وما له من فوائد صحية عديدة، زادت معدلات استهلاكه وبالتبعية ارتفع ثمنه فكثر صيده، حتى صار مهدداً بالانقراض، وفي الآونة الأخيرة اتخذت الحكومات قراراً بتحريم صيد هذا الكائن البحري، وذلك ليس حماية له من الانقراض بقدر ما هو حماية للبيئة البحرية ككل.
أهمية خيار البحر في حفظ توازن البيئة البحرية :
كشفت الدراسات إن خطورة انقراض خيار البحر تفوق كل التصورات، وذلك لما يلعبه من دور هام في الحفاظ التوازن البيئي البحري، وبالتالي فإن النتيجة الحتمية لاختفائه حدوث العديد من الكوارث البيئية، منها:
هلاك بعض الأسماك :
يمثل خيار البحر أهمية بالغة بالنسبة لعدد كبير من الأسماك الصغيرة والديدان والطحالب، إذ إن تلك الكائنات تقوم بالتغذي على فضلات هذا الكائن البحري، وبالتالي تعرضه للانقراض أو انخفاض معدلاته انتشاره، يصاحبه بالضرورة انخفاض ملحوظ في أعداد هذه الأنواع من الأسماك والديدان، والتي هي بدورها تعتبر مصدراً غذائياً لكائنات أخرى، ومن ثم فإن انقراض خيار البحر أو انخفاض أعداده واضمحلال مساحة انتشاره، يترتب عليه حدوث خلل في السلسلة الغذائية البحرية بصفة عامة.
تصلب وتعفن الرواسب :
يعمل حيوان خيار البحر على تقليب التربة داخل نطاق المد والجزر، ويُحدث تأثيره هذا من خلال شفطه للرمال والحصى في المناطق الضحلة، والتي يقل عمقها عن خمسة عشر متراً تحت سطح الماء، ويقوم بهضمها واستخلاص العناصر المفيدة بالنسبة له ثم يطرد الفضلات مرة أخرى، والقيام بهذه العملية يستغرق حوالي إحدى عشر ساعة. ووجد العلماء إن تقليب خيار البحر للتربة أسفل المياه، يؤدي إلى إحداث تغير في تكوينات الدقيقة لرواسبها، بجانب إنه يخلص التربة من الرواسب العضوية العالقة بها، ومن ثم يمنعها من التعفن، بجانب إن تقليب المكونات الدقيقة للرواسب التحتية يحول دون تصلب قاع البحر.
ارتفاع معدلات قلوية الماء :
يلعب خيار البحر أيضاً دور هام وبارز في الحفاظ على معدل قلوية الماء، حيث يمتلك ذلك الكائن قدرة فائقة على امتصاص الأس هيدروجين (ph)، والذي تخرجه الكائنات البحرية نتيجة قيام أجسادها بالعمليات الحيوية، وارتفاع نسبة الأس الهيدروجيني في الماء يؤدي إلى ارتفاع درجة قلويته، الأمر الذي يغير من خواص البيئة البحرية، ويجعلها غير ملائمة بالنسبة للعديد من الكائنات ويلحق بها أضرار بالغة، ويمكننا القول بأن خيار البحر بمثابة حامي للكائنات البحرية القاعية، مثل الشعاب المرجانية والقواقع ومحار البحر وغيرها، إذ أن ارتفاع درجة قلوية الماء يُضعف هياكلها الصلبة ويجعلها مهددة.
اختلال التوازن البيئي :
خيار البحر مثله كمثل مختلف الكائنات الحية، هو حلقة ضمن السلسلة الغذائية البحرية الطويلة، ومن المعروف إن ذلك الكائن البحري يتغذى على يرقات وبويضات عدد آخر من الحيوانات البحرية، ومن ثم فإن تعرض خيار البحر إلى ظاهرة الانقراض أو نقصان أعداده بنسبة كبيرة، يترتب عليه زيادة معدلات تكاثر أنواع أخرى من الكائنات البحرية، مما يتسبب في إحداث خللاً كبيراً في الدورة الغذائية البحرية، مثال ذلك حين تنخفض أعداد خيار البحر تزداد بالضرورة أعداد نجم البحري الشوكي، والذي يتغذى تعد الشعاب المرجنية هي مصدر الغذاء الرئيسي له، مما يقود إلى موتها وينتج عنه الظاهرة المسماه أبيضاض الشعاب المرجانية، والتي تعتبر ملاذاً للعديد من الأسماك الصغيرة، التي تضطر حال موت الشعاب إلى الهجرة إلى نطاقات أخرى.
تلوث الماء :
يلعب خيار البحر دور بارز في حماية المسطحات المائية من ظاهرة التلوث المائي، وذلك لإنه يمكنه التغذي على فضلات ومخرجات الكائنات البحرية الأخرى، بجانب إن عملية تقليب التربة البحرية التي يقوم بها تخلصها مما يشوبها من مخلفات عضوية، ومن ثم فإن اختفاء ذلك الحيوان البحري يؤدي إلى تراكم تلك الرواسب العضوية، والتي تتسبب في تعكر المياه وتلويثها، وبعد فترة تصبح تتبدل خواص البيئة البحرية فتصبح غير ملائمة بالنسبة للعديد من الكائنات، الأمر الذي يؤدي إلى هجرة بعضها ونفوق البعض الآخر.
