كانت الأوضاع الجارية في الوطن العربي تستلزم وجود جامعة الدول العربية ، وذلك لتوحيد الوطن العربي والعمل على حل مشاكله الكثيرة بأسرع وقت، فالعمل الجماعي بالتأكيد يسرع من وتيرة حل المشكلات ويؤدي إلى التقدم والتنمية، حيث كانت توجد العديد من المشكلات مثل ظهور الحركة الصهيونية وتهجير أفرادها على شكل جماعات إلى الأراضي المقدسة فلسطين، أيضًا تطلع الدول العربية إلى تحريرها من الاستعمار الخارجي، وذلك لأنه قبل هذا التاريخ كانت بعض الدول العربية تحت وطأة التدخل الأجنبي، هذا بجانب زيادة التبادل التجاري والتعاملات المالية والتجارية والاقتصادية والبحرية والبرية، كل هذا سيتم بصورة أسلس وأسرع بعد إنشاء جامعة الدول العربية، ولذلك قام رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس بعرض الفكرة على وزراء بعض الدول حتى نالت أعجابهم، وأطلقت القمة الأولى لها في الثاني والعشرين من مارس عام 1945 بحضور كلًا من مصر والسعودية والعراق وسوريا والأردن ولبنان واليمن.
جامعة الدول العربية لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي والثقافي
بعدما استقرت الأحوال في بعض البلاد العربية كانت المصلحة العامة تهدف بإقامة مشروع تجاري واقتصادي بين هذه الدول، وكانت فكرة جامعة الدول العربية هي من ستكون المحفز لذلك التبادل، وذلك لأنه كانت تعاني بعض الدول من التدهور الاقتصادي وفي أمس الحاجة للمساعدة من الأشقاء العرب، ولذلك سعت الدول المؤسسة للجامعة إلى عمل مباحثات خاصة بالتعاملات التجارية لتسهيل عملية تحرك السفن، ونقل السلع المتوفرة إلى البلاد الغير متوفرة بها، وأيضًا محاولة توحيد التعريفة الجمركية لتصبح ثابتة في تعاملات الدول العربية فيما بينهم، هذا بجانب العمل على تنمية الاقتصاد العربي عن طريق التمويلات التي ستأتي على صورة بنوك تنشئ وتضخ أموالها لصالح تحسين أحوال البلاد الاقتصادية، ثم نأتي للعملية الثقافية فكان من أهداف جامعة الدول العربية هو التبادل الفكري والثقافي وذلك لكي تنفتح الشعوب العربية على بعضها فلكل شعب ثقافته وقد حان الوقت لكي تتعارف عليها الدول الشقيقة، ولذلك كان التعاون التجاري والاقتصادي والثقافي هو أحد أهم أسباب إنشاء جامعة الدول العربية.
العمل على تحرير البلاد المحتلة
قبيل تأسيس جامعة الدول العربية كانت العديد من الدول العربية تعاني تحت وطأة الاستعمار الذي دام طويلًا، فالسودان وقطر والبحرين والكويت والإمارات كانوا تحت الحكم البريطاني ولا يستطيعون التحرك إلا كما تشاء بريطانيا، فهي أقوى دولة في العالم وقواتها تعسكر في داخل هذه البلاد، ثم ننتقل إلى دولة استعمارية أخرى وهي فرنسا فكانت تسيطر على الجزائر والمغرب وتونس وجزر القمر، فكانت فرنسا تقوم بشن حملات اعتقاليه كبيرة وخاصة في الجزائر، وقامت بقتل الكثيرين ممن ثاروا ضد حكمها الغاشم حيث أنه في الجزائر فقط قتل على يديها مليون ونصف شهيد جزائري، ناهيك عن القتلى والجرحى في المغرب وتونس، مما كان له كبير الأثر في تحرك الشعوب العربية الحرة ممثلة في رؤساء الوزارة ثم بعدهم الرؤساء وهم بدورهم يتحدثون باسم شعب بلادهم، وبالفعل عملت جامعة الدول العربية فور تأسيسها على مد يد المساعدة للدول العربية الشقيقة عن طريق الأموال والمساعدات العسكرية، بجانب مناشدة الدول الكبرى في وقوف هذه التدخلات الاستعمارية التي لم تعد صالحة في القرن العشرين خصوصًا بعد الحرب العالمية الثانية.
الحد من التطور الصهيوني الحادث في فلسطين
كانت أهم أسباب تأسيس جامعة الدول العربية هو إيقاف الهجرات الصهيونية المتعددة إلى الأراضي الفلسطينية، فكما يعتقد اليهود أن فلسطين هي موعدهم وحقهم ولابد من الرجوع إليها بجانب اضطهادهم في الكثير من الدول الأوروبية وطردهم من النمسا وإسبانيا وفرنسا وقتلهم بكل وحشية في ألمانيا على يد هتلر النازي، فلذلك قاموا بالعديد من الهجرات الجماعية فمثلا في نهاية القرن التاسع عشر هاجر خمسة وثلاثين ألف يهودي إلى فلسطين، وفي الخمسة عشر عام الأولى من القرن العشرين هاجر أربعين ألف يهودي أغلبيتهم من بولندا وروسيا، ثم بعدها أربعين ألف أخرى، ثم تضاعف العدد ليصبح اثنان وثمانون ألف يهودي، وبحلول عام 1940 دخل ربع مليون يهودي إلى الأراضي الفلسطينية دفعة واحدة.
وهذا ما أثار غضب الفلسطينيين والعرب جميعًا لأنهم يعرفون نية اليهود الغير سلمية وهذا ما ظهر لنا الآن فكما نرى قد استحوذ الصهاينة على جزء كبير من الأراضي الفلسطينية وقاموا بالكثير من المجازر الحربية، وقد قاومته دول الجامعة بقدر المستطاع ولكن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية كانت تؤيد اليهود في ذلك، وهم بالطبع أقوى دول العالم فلذلك لم يقدروا العرب على إخراجهم وقتها، وفي الأخير كان التدخل اليهودي من أهم عوامل تأسيس جامعة الدول العربية.
جامعة الدول العربية استجابة لفكرة أنتوني إيدن الرائعة
يعد وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن هو الملهم لفكرة إنشاء جامعة تربط الدول العربية بعضها ببعض وتعمق العلاقات بين أعضائها، حيث أنه في عام 1941 قام إيدن بالحديث عن الوطن العربي وواجبه في الاتحاد سويًا حتى يصبح متصل اقتصاديًا وفكريًا وتجاريًا وثقافيًا، وتؤيد بريطانيا هذه الخطوة بشدة، وبعدها بعامين تقريبًا خرج إيدن يدلي في تصرح أخر أن ما ذكره مسبقًا لابد من الوقوف أمامه والتفكير فيه مطولًا لأهميته البالغة في تحديد مسار المنطقة، وسرعان ما استجاب إلى هذا الأمر مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري حينها، وقام بالاتصال بممثلي لبنان وسوريا وعرض الأمر عليهم وقد لقى قبول منهم، ثم بعدها أذيع الأمر أكثر حتى وصل للأردن والعراق والسعودية واليمن واتفقت عليه هذه الدول حتى بدأ التحضير لجلسة يُستمع فيها كل الآراء والاقتراحات حتى اتفق الجميع على إنشاء جامعة الدول العربية دون المساس بسيادة واستقلال أي دولة في الجامعة.
وتم إطلاق أول جلسة رسمية للجامعة في الثاني والعشرين من مارس عام 1945، وكانت في الإسكندرية بمشاركة سبعة دول هم مصر وسوريا والعراق والسعودية والأردن ولبنان واليمن، ولذلك ينسب لأنتوني إيدن أنه هو أساس فكرة جامعة الدول العربية، ومصطفى النحاس من قام ببلورتها للعرب.
لماذا سميت جامعة الدول العربية بهذا الاسم؟
عندما عقد مؤتمر الإسكندرية الأول في تاريخ جامعة الدول العربية لم يكن لها مسمى وقتها، وقد تمت بعض المباحثات والتشاورات على اختيار اسم يليق بهذا الحدث الهام والعظيم، فاقترحت دولة العراق اسم “الاتحاد العربي” ولكن لم يلقى إجماع من قبل بقية الدول المتواجدة في القاعة، ثم اقترحت سوريا اسم “التحالف العربي” ولكنه لم ينل إعجاب الجميع أيضًا حتى قام المندوب المصري باقتراح اسم “الجامعة العربية” وهو ما نال إعجاب جميع من في القاعة نظرًا لحداثته وعدم وجود مثيل له، ثم مع نهاية الحوار استقروا جميعًا على “جامعة الدول العربية” وهذا الاسم يحقق أهدافهم من عقد هذه اللجنة، حيث أن الجامعة أتت من جمع الدول العربية كلها في مؤسسة واحدة تسير وفق أهداف تخدم الأمة الإسلامية والعربية، وهذا ما لم نكن نعهده منذ فترة طويلة على البلاد العربية.
الكاتب: أحمد علي