من المعروف أن جائزة البوكر العربية العالمية واحدة من أهم الجوائز الأدبية التي تُمنح للأدباء العرب وتهتم بمنتجهم الأدبي، فمنذ نشأتها قبل عشر سنوات وقد ساعدت تلك الجائزة الأديب والقارئ على حدٍ سواء وبقيت في المقدمة على الرغم من ظهور الكثير من الجوائز الأخرى، لكن تقريبًا لم تأتي جائزة وتقترب حتى من مكانتها، وكأنها مثلًا قد حصلت على امتيازٍ خاص لدرجة أن المُتابعون لمثل هذه النوعية من البرامج لا ينظرون إلى أي جائزة أخرى بخلاف هذه الجائزة، فهم يُتابعونها بشغف ويتحينون نتائجها كل عام، والتي تأتي على عدة مراحل تبدأ بإعلان قائمة طويلة ثم قائمة قصيرة ثم في النهاية إعلان اسم الفائز في حفل وحدث ثقافي كبير يُقام في مدينة دُبي، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نحاول سويًا الإجابة على سؤال هام، وهو عن أسباب اعتبار هذه الجائزة الأشهر أدبيًا على مستوى الوطن العربي، فهل أنتم مستعدون لسماع إجابة هذا السؤال؟ حسنًا لنبدأ.
لأنها تتبع منظمة عالمية تحمل نفس اسم الجائزة
الأمر الذي ربما يغيب عن متابعي جائزة البوكر أن اسمها الحقيقي المدون في السجلات هو الجائزة العالمية للرواية العربية، بينما ذلك الاسم الذي نعرفها به هو اسم مشتق من جائزة عالمية بريطانية تحمل اسم البوكر، ولكن هذا الاشتقاق لم يأتي عبثًا، ففي عام 2007 قررت منظمة البوكر العربية أن تفتح لها فرعًا في الوطن العربي يكون حاضنًا للجائزة لكن مُختص أكثر بالروايات التي تُكتب باللغة العربية الفُصحى، وبالتالي فإن أي شخص في العالم يُمكنه الاشتراك في هذه الجائزة لكن بشرط واحد، وهو أن تكون روايته قد كُتب باللغة العربية، وبالتالي هذا الأمر سوف يحصر الجائزة بين أبناء الوطن العربي فقط، ومن هنا نبعت شهرة الجائزة الكبيرة، وهي أنها تحظى بدعم جائزة كبرى عريقة لها ثقلها.
الناس عمومًا ينجذبون إلى الشيء العالمي ذائع الصيت، هذا أمر ستُلاحظه أكثر في الملابس، فلا يهم جودة هذه الملابس ما دامت في النهاية تحمل اسم ماركة عالمية، وإن كانت الماركات العالمية طبعًا لن تُنتج إلا الملابس الجيدة، عمومًا، منذ أن عرف الناس بأن البوكر تتبع منظمة عالمية وتُشرف عليه أيدٍ أجنبية تحمسوا أكثر للجائزة، وهنا نحن نقصد القارئ والكاتب على حدٍ سواء، ومن كل ذلك تتضح تلك الشهرة الكبيرة التي نتحدث عنها.
المبالغ المادية الكبيرة التي يحصل عليها الفائزين
طبعًا المهم بالنسبة للكاتب بعد قيمة الجائزة الأدبية أن تكون قيمتها المادية كبيرة كذلك، ففي النهاية مهنة الأدب ليست مهنة، وهي لا تمنح لمن يعملون بها المبالغ المادية الكبيرة التي يستحقونها، ونحن هنا نتحدث عن الأدب في الوطن العربي تحديدًا لأن الغرب مثلًا يجعل من الكتاب أثرياء بسبب مبيعات الكتب الضخمة، ولهذا فإنه مع ظهور جائزة البوكر العربية وجد القائمون على الحركة الأدبية أن متنفسًا جديدًا قد ظهر ومُستعد أن يمنح لهم كل شيء يتمنونه، بداية من الشهرة الأدبية وانتهاءً بالمبالغ المادية الضخمة، وبالمناسبة، كِبر الجائزة ليس فقط لكونها جائزة تحظى بإشراف عالمي، وإنما أيضًا لكونها تخضع تحت رعاية الطيران الإماراتي الذي يُخصص لها مبلغًا لا يُمكن الاستهانة به.
قيمة الجائزة المادية منذ ظهورها ثابتة تقريبًا، فهي تمنح عشرة آلاف دولار لكل مُتسابق يصل إلى القائمة النهائية القصيرة، ويكون عددهم خمسة أشخاص فقط، ثم بعد ذلك يحصل الفائز على الجائزة الأعظم، وهي خمسين ألف دولار إضافية، أي أن مجموع جائزته سوف يكون ستين ألف دولار، وهو ما يعني وصوله إلى مبلغ كبير لم يكن يطمح في الوصول إليه عند بداية حياته الأدبية، ولهذا نقول إن قيمة الجائزة المادية تُزيد من شهرتها إلى حدٍ كبير.
ترجمة الأعمال الفائزة ونشرها بمختلف اللغات
كذلك من ضمن الأسباب التي جعلت جائزة البوكر تصل إلى وصلت إليه الآن من شهرة كبيرة وصدى واسع في كل مكان في العالم أن ثمة ما يُلزم الجائزة بترجمة الأعمال الفائزة إلى أكثر من لغة، وغالبًا ما تكون لغات مثل الإنجليزية والفرنسية والاسبانية ثابتة، ناهيكم عن لغات أخرى مثل الصينية واليابانية، وطبعًا حلم لأي كاتب في العالم أن يرى ما كتبه وهو يتحول إلى لغة أخرى ويقع تحت يد أجنبية عنه، فأهم شيء قد يبحث عنه أي شخص هو انتشار المحتوى الخاص به، وفيما يتعلق بعملية الكتابة فإن الرواية أو القصة عندما تنتشر فكأن الكاتب نفسه قد انتشر وسافر إلى هذه البلدان التي وصلت إليها كتبها، ولهذا فإنه مع بداية الإعلان عن المسابقة والتقديم بها يكون حلم الكتاب الأول هو ترجمة أعمالهم.
ترجمة الأعمال تعني أن الكاتب قد أصبح بين يومٍ وليلة كاتب عالمي، بإمكانه إيصال صوته إلى العالم بأكمله وتشكيل وعي الملايين ممن سيقرؤون عمله، ناهيكم كذلك عن حفلات التوقيع العالمية التي سيُسافر إليها في كل رقعة في العالم، بالله عليكم، أليس هذا سببًا كافيًا جدًا لكي يجعل من هذه الجائزة العريقة واحدة من أشهر الجوائز في مجالها، ولن نكون مُبالغين إذا قلنا الأفضل بلا مُنازع أيضًا.
التسليط الإعلامي على الجائزة منذ المرحلة الأولى
طبعًا من المعروف أن الجوائز الأدبية عندما تظهر فإنها لا تحظى بالاهتمام الكافي لسبب بسيط جدًا، وهو أن نسبة المُهتمين بالأدب في الأصل قليلة، ونحن هنا نتحدث عن الوطن العربي بشكلٍ خاص، وإن كانت الرواية تحظى بمكانة خاصة فإنها في نفس الوقت لا تصل إلى المكانة التي تستحقها، ولذلك نسمع سنويًا عن مسابقات تبدأ وتنتهي دون أن يشعر بها أحد، وربما عدم الاهتمام بها لا يأتي فقط لكونها جوائز غير هامة، وإنما من الممكن حدوث ذلك أيضًا بسبب عدم تسليط الاعلام الأضواء عليها، لكن هذا لا يحدث أبدًا مع جائزة البوكر الأدبية، فهي تحظى باهتمام كافة الجرائد المُتخصصة وغير المُتخصصة، وكذلك اهتمام المحطات التلفزيونية الهامة في الوطن العربي.
اهتمام الإعلام بجائزة البوكر وتسليطه للأضواء عليها جُزء كبير من قوته وعامل هام من عوامل شهرتها وإقدام الكُتاب عليها، فحتى الكاتب الذي لا يحظى في النهاية بالجائزة أو يدخل ضمن القائمة القصيرة يكفيه مجرد الاشتراك لكي يحصل على قدر مُحترم من التغطية الإعلامية والشهرة، وربما يُمكنكم التأكد من ذلك أكثر عن طريق التعرف على أعداد المشاركات في كل عام، فهي تزداد باستمرار وتكون أكبر بكثير من أي مشاركات في جائزة أخرى.
مشاركة أسماء رنانة ذات ثِقل في الجائزة
كذلك من ضمن الأسباب التي تجعل من جائزة البوكر جائزة تحظى بكل هذه الأهمية أنها تشتمل على أسماء رنانة من المشاركين كفيلة بجلب أنظار الجميع، سواء كان الجميع يُقصد بهم القراء أو الكتاب أو حتى النقاد، ففي النهاية سوف يزيد الزخم تجاه الجائزة وستلقى حفاوة بالغة، وهذا ما نجحت الجائزة في فعله منذ الدورة الأولى التي فاز بها الأديب المصري الشهير بهاء طاهر، والذي يكتب منذ أكثر من خمسة عقود وله إصدارات مترجمة بمختلف اللغات، وإذا كنا مُنصفين سنقول أنه هو من أضاف ثقلًا للجائزة وليست هي من أضافت له، ثم في الدورة الثانية جاء يوسف زيدان وخلفه بعد ذلك كتاب كثيرون ناجحون كان آخرهم محمد حسن علوان، والذي يُلقب حاليًا بفارس الرواية العربية.
عندما يُشارك نجم سينمائي كبير مثل عادل إمام في حدث سينمائي مثل مهرجان القاهرة فإن كل الأنظار تتوجه إلى هذا المهرجان حتى ولو لم يكن مقبولًا من أصحاب هذه الأنظار، لكن يكفيهم أن ذلك النجم قد شارك في العمل، وبالتالي الأمر سوف يُصبح أشبه بمنحه تأشيرة الجودة، وهذا ما حدث بالضبط في جائزة البوكر، فمنذ اليوم الأول لها وهي تجذب الأسماء الرنانة، ولهذا كان من نصيبها الشهرة المُبكرة التي تم استثمارها فيما بعد لصالح المسابقة.
امتياز لجنة تحكيم جائزة البوكر بالشفافية الكاملة
يُمكننا القول بكل ثقة أن جائزة البوكر تضم ضمن لجنة مُحكميها أحد أهم وأفضل المُحكمين في الوطن العربي، والتي تكون أعمال الأدباء العرب في أيدٍ أمينة عندما يتم التقدم بها، حيث أن الجائزة، وضمن خطتها في تحقيق البداية الكُبرى، تمكنت من تجنيد أكبر هيئة من النقاد والأدباء الكبار من أجل التحكيم في الأعمال التي يتم تقديمها، وعلى رأسهم في الدورة الأخيرة مثلًا صالح العلماني الذي يُعرف بترجمته لأعمال عظماء الأدب في العالم، ثم إن مشرفة المسابقة التي تم زرعها من قِبل جائزة البوكر بفرعها الأدبي تقوم كذلك بالإشراف قدر الإمكان، حتى تكون النتيجة في النهاية مُتشبعة تمامًا بالشفافية، وهو ما يُريده أي مُتسابق في أي مُسابقة بلا أدنى شك.
نظام المسابقة كذلك يُعتبر نظمًا جيدًا وكافل للمصداقية والشفافية، فهو يقوم على اختيار لجنة أولى تكون مهمتها قراءة كل الأعمال المتقدمة إلى المسابقة من أجل اختيار الأعمال التي تدخل إلى القائمة الطويلة، ثم بعد ذلك تُعاد قراءة الأعمال الموجودة في القائمة من أجل الخروج بست أعمال لتكون حطب القائمة القصيرة، وفي النهاية تكون المرحلة الأخيرة باختيار عمل واحد من الأعمال الست وتنصيبه بالجائزة، وهي مهمة شاقة لكنها كما ترون لا تدع أي فرصة للتشكيك.
اعتراف العالم بأكمله بها
من ضمن المميزات التي تجعل من جائزة البوكر جائزة تحظى باهتمام وتقدير وتُعتبر الأفضل في الوطن العربي بأكمله أنها تحظى باعتراف العالم، وتحديدًا كل من يهتم بشأن الثقافة في العالم، فمن المؤكد أنه ثمة المئات من الجوائز الأدبية العربية، لكن العالم لا يعرف بهذه الجوائز، وحتى إن عرف بها فإن لا يعترف بها كجائزة أدبية تُفرز مبدعين حقيقين، فقط من يعترفون بها هم المُبدعين الذين يُشاركون فيها والمُحيطين بالجائزة بشكلٍ عام، وهذا غالبًا ما يحدث في كل الجوائز الأدبية، لكن في البوكر الوضع يختلف، حيث أن المُشارك في هذه الجائزة يعرف جيدًا أن أعين العالم كله مُسلطة عليه، وأنه يُشارك في جائزة حقيقية تحظى باحترام وتقدير الجميع.
أكبر دليل على اعتراف العالم بجائزة البوكر أنه عند انتهاء المسابقة وفوز الخماسي الذي يصل إلى القائمة القصيرة فإن دور النشر العالمية، سواء في بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية، تتصارع من أجل ترجمة هذا المحتوى الفائز، هل تعرفون لماذا؟ ببساطة لأنها تعترف بهذه الجائزة التي أفرزت تلك الأعمال الفائزة وتُدرك جيدًا أن فوزها يعني أنها أعمال تستحق الجائزة، وهذا هو السبب الرئيسي في كون البوكر الجائزة الأرقى والأشهر في الوطن العربي.