ثورة 25 يناير من النقاط الفاصلة في تاريخ مصر.. تلك الثورة التي تعرف باسماء عديدة، فهي ثورة الشباب وثورة الغضب وثورة اللوتس وثورة يناير، لكن في النهاية مهما اختلفت المسميات فالمعنى واحد، هي الثورة الشعبية التي تضافرت بها كافة الأطياف، وتوحدت خلالها المطالب والنداءات والأهداف، هي ثورة 25 يناير المجيدة التي غيرت مجرى التاريخ المصري، وأنهت حقبة مبارك الذي دام حكمه لمصر لقرابة ثلاثة عقود كاملة.
أسباب قيام ثورة 25 يناير :
الأسباب التي قادت إلى قيام ثورة 25 يناير عام 2011م عديدة، فالثورة نتجت عن مجموعة من العوامل لا يقل أحدها أهمية عن الآخر، وفي الحقيقة أن بعض أسباب الثورة سبقت تاريخ قيامها بسنوات عديدة، والتعرف عليها يحتاج نظرة أكثر تعمقاً، وقراءة متأنية للأوضاع الاجتماعية والسياسية خلال السنوات العشر السابقة للثورة، وأسباب ثورة 25 يناير في مجملها تنقسم إلى نوعين، أسباب غير مباشرة وأسباب مباشرة وهم:
أولاً : الأسباب الغير مباشرة :
وصف هذه الأسباب بكونها أسباباً غير مباشرة، فذلك لا يعني أنها أسباباً ثانوية أو ذات تأثير أقل، بل العكس فهي في الحقيقة الأسباب الرئيسية، التي دفعت الشعب إلى الخروج إلى الساحات العامة بالملايين، ليقوموا بـ ثورة 25 يناير على الحزب الوطني الحاكم، معلناً رفضه لاستمرار الأوضاع الآخذة في التدهور، مؤكداً على نفاذ صبره ورغبته في تغيير النظام الذي طالما دهس حقوقه، إنما “غير مباشرة” يقصد بها أنها نتجت عن تراكمات سنوات عديدة، وأسباب ثورة 25 يناير الغير مباشرة يمكن إيجازها في :
استشراء فساد نظام مبارك :
يعد الفساد بكافة أنواعه وأشكاله الذي انتشر خلال عهد حسني مبارك، وبالأخص خلال الثلث الأخير من فترة حكمه لمصر، أحد الأسباب الرئيسية والمباشرة التي قادت إلى اندلاع ثورة 25 يناير ،وقد تعدى فساد نظام مبارك كافة الحدود الحمراء، حتى أن اسم مصر في آواخر عصر مبارك أدرج ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً، الأمر الذي أجج غضب الشعب المصري ضده وضد رموز نظامه، والنتيجة الحتمية والمنطقية لذلك كانت قيام ثورة 25 يناير الشعبية ضده، المطالبة بخلعه ورحيل حكومته والقضاء على الفساد الذي ترسخ بمؤسسات الدولة.
في عام 2010 تم تقييم مصر بـ 3.1 بحسب مؤشرات انتشار الفساد، وذلك بحسب ما ورد بالتقرير الرسمي لمنظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة غير حكومية تهتم بتقييم الفساد بكافة أنواعه بمختلف الدول، يُرمز لها اختصاراً بـ (TI) ومقرها العاصمة الألمانية برلين، وتقدير 3.1 الذي تم تقييم مصر به من حيث انتشار الفساد بأنواعه، بما فيها الفساد المالي والفساد السياسي، يعتبر تقديراً مرتفعاً جداً يؤكد مدى تدهور الأوضاع بها في ظل حكم مبارك، ويكفي القول بأن التقرير تضمن اسماء 178 دولة فاسدة، وقد جاءت مصر بحسب التقرير بالمركز رقم 98، ويمكن اعتبار ذلك التقرير بمثابة نبوءة بـ ثورة 25 يناير ،فما كان بمقدور الشعب أن يحتمل الفساد لأكثر من ثلاثة عقود.
التدهور الاقتصادي :
خدعوك فقالوا إن ثورة 25 يناير هي ثورة الشباب المصري، صحيح أن الشباب كانوا هم وقود الثورة وهم من دعوا لها، لكن الحقيقة التي ظهرت على أرض الواقع، هي أن ثورة 25 يناير كانت ثورة المجتمع المصري بكافة شرائحه ومختلف أطيافه، ولعل الدافع الأكبر لمشاركة كافة الأطياف بـ ثورة 25 يناير الشعبية، وبصفة خاصة كبار السن رجالاً ونساءً، هو تردي المستوى الاقتصادي وتدهوره بشكل كبير، ويكفي القول بأن في آواخر عام 2010 وهو آخر أعوام مبارك كرئيس، كان حوالي 40% من المصريين قد أصبحوا تحت خط الفقر، أي نصيب الفرد منهم كان يبلغ حوالي 2 دولاراً فقط يومياً.
اتخذت حكومة نظيف من الزيادة السكانية شماعة لفشلها، فقبل ثورة 25 يناير كانت الحجة الدائمة لتبرير زيادة معدلات الفقر، هو التضخم السكاني باعتبار مصر ثاني أكبر دول قارة إفريقيا تعداداً بعد نيجيريا، وبحسب تقديرات 2007/ 2008 فإن عدد سكان مصر قد قارب الـ 82 مليون نسمة، ولكن ذلك المبرر واهي ولا يمكن الاعتداد به، إذ أن دول أخرى اعتبرت زيادة عدد السكان ثروة قومية، بينما الحكومات الفاشلة وحدها تدفن رأسها بالرمل كالنعام وتعده من معيقات التنمية، ونتيجة فشل سياسات الدولة المصرية في ظل رئاسة حسني مبارك ونظامه، نتج عن ذلك جيل من الشباب العاطل، وارتفعت معدلات البطالة وتضاعفت نسبتها أضعافاً، خاصة بين حاملي الشهادات الجامعية بل وحاملي شهادات الدراسات العليا أيضاً، وبلغت نسبة الفقرة حوالي 80% في آواخر 2010، ونصف هذه النسبة كانوا من المعدمين تحت خط الفقر، ثم يسألون متعجبون : لماذا قامت ثورة 25 يناير ؟!!!..
“خليهم يتسلوا” والاتجاه للتوريث :
كل شخص تقلد منصب رئاسي بدولة ما، له مجموعة من الأقوال الشهيرة أو المأثورة التي خلدتها خطاباته، ولعل خير مثال على ذلك، أقوال الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات التي خلدتها خطاباتهم، وكانت أقوال تتسم بالحكمة وتليق باسم الدولة التي يحكمونها، ومن المؤسف والمخزي أن خلفهم حسني مبارك، كان من أشهر عباراته جملة “خليهم يتسلوا”، في إشارة منه إلى القوى السياسية وأحزاب المعارضة المصرية، وفي الواقع كلمات مبارك لم تكن مجرد دعابة سمجة، بل أنه بقصد أو بدون قصد قد أقر بالقاعدة التي يستند إليها أسلوب حكمه، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير بمصر.
ثورة 25 يناير اندلعت أحدثها فعلياً في عام 2011م، لكن ستكون نظرتنا قاصرة جداً إن قلنا بأن تلك هي البداية، فسياسة مبارك ونظامه المعتمد على سد الأذن، وعدم الاستماع لغيرهم أو الشعور بنبض الشارع المصري، دفعت الناس إلى المطالبة بالتغيير قبل ذلك بسنوات، وأول مطالبة علنية بالتغيير الفعلي ورحيل نظام مبارك، يرجع تاريخها إلى عام 2004م، في أعقاب التغييز الوزاري المباركي الذي لم يقدم جديداً، وظل اعتماده على أهل الثقة لا الخبرة الذين يعملون لأجله لا لأجل الوطن، وحينها قام أكثر من 300 من المثقفين والشخصيات العامة، بتدشين الحركة المصرية من أجل التغيير أو التي تعرف باسمها الأشهر “حركة كفاية”، والتي أعلنت رفضها استمرار حسني مبارك كرئيس لمصر لفترة رئاسية خامسة، وكانت أول حركة تعلن رفضها لما عُرف آنذاك باسم “التوريث”، والذي يقصد به المناورات الإعلامية والتشريعية الممهدة لتولي جمال مبارك الرئاسة.. في أعقاب ذلك ظهرت العديد من الحركات الأخرى المنادية بالتغيير، ولكن ظل مبارك متمسكاً بسياسة “خليهم يتسلوا”، ولم يصغ هو أو نظامه إلى مطالبة الشعب بالتغيير، فلم يعد أمام الشعب سوى الإطاحة بهم بقيامه بـ ثورة 25 يناير المجيدة.
قانون الطوارئ :
“سبعة عشر ألفاً” ذلك هو رقم الأشخاص الذين تم احتجازهم بموجب قانون الطوارئ، وبموجب القانون ذاته بلغ عدد سجناء الرأي، والمعتقلين السياسين حوالي 30 ألفاً، ولذلك فلا يمكن إغفال أن ذلك العمل بذلك القانون، كان من الأسباب الرئيسية لقيام ثورة 25 يناير.
فذلك القانون لم يكتف النظام وقتها ببنوده المجحفة بحق الشعب، بل أنه أساء استخدام تلك البنود التي ينص عليها، فبموجب قانون الطوارئ تم محو ملامح الحياة السياسية المصرية، فبواسطته تم فرض الرقابة الصارمة على وسائل الاتصال والإعلام، كذلك ساعد القانون النظام القمعي المباركي على تقييد النشاط السياسي، فلم يكن مرخصاً بإنشاء أي تنظيمات سياسية، وكذلك كان التجمع أو التظاهر من الأمور المحظورة على الشعب، والأدهى أنه منح الحكومة حق احتجاز المواطنين دون إبداء أسباب، بالطبع كانت الحجة المعلنة لاستمرار العمل بقانون الطوارئ، هي حماية الأمن القومي المصري وحماية الدولة، ولكن الواقع كان مغايراً لذلك تماماً، فاستخدام حكومات مبارك المتعاقبة لقانون الطوارئ، كانت شديدة الشبه باستخدام الاحتلال الإنجليزي للأحكام العرفية، فقد كان قانون الطواريء يتعارض مع أبسط قواعد الحياة الديمقراطية، وبالتأكيد كان استمراره من العوامل التي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير في 2011م.
ثانياً : الأسباب المباشرة :
استمر حكم حسني مبارك لمصر قرابة 30 عاماً، وتحديداً تولى منصب رئيس مصر ما بين أكتوبر 1981م وفبراير 2011م، وللصدق لا يمكن القول بأن مدة رئاسته كاملة كانت بنفس درجة السوء، ولكن النسبة الغالبة منها اتسمت بالتدهور والفساد.. فلماذا لم تقم ثورة 25 يناير إلا في عام 2011م؟.. الإجابة على هذا تقودنا إلى الأسباب المباشرة لقيام ثورة الغضب، والتي يمكن أن توجز في النقاط التالية:
تفجير كنيسة القديسين :
بماذا أفادنا قانون الطوارئ وما الداعي لقبضة حبيب العادلي الباطشة؟.. هذين السؤالين ساورا أذهان المصريين ليلة رأس السنة لعام 2011م، حين سالت دماء الشهداء الطاهرة على أرض مدينة الإسكندرية، بسبب تفجير جماعة إرهابية لسيارة مفخخة، أمام كنيسة القديسين الواقعة بمنطقة سيدي بشر بالإسكندرية، وراح ضحية التفجير 24 قتيلاً مسيحياً ومسلماً، بجانب عدد من المصابين تجاوز عددهم الـ 90 مصاباً، وجاء ذلك التفجير في أعقاب تفجيير تنظيم القاعدة لكنيسة في بغداد، وإعلانه عن نيته في إحداث تفجيرات مماثلة في مصر، ورغم ذلك القبضة الأمنية كانت مشغولة بحماية النظام، فلم يكن لديها وقت كاف لحماية المواطنين المصريين، فمثل الحدث المؤلم صفعة للشعب أفاقته، وكانت سبباً في صحوته وقيامه بثورة 25 يناير
مقتل خالد سعيد :
خلال شهر يونيو من عام 2010م شغلت قضيته الرأي العام المصري، والمقصود هنا هو الشاب السكندري خالد سعيد، ضحية بطش اثنين من المخبرين التابعين لقسم شرطة سيدي جابر، والذي تعرض إلى التعذيب والضرب المبرح على أيديهم، ولفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة لذلك، وبدلاً من أن يخرج علينا النظام المباركي معلناً تبرأه منهم ومحاكمتهم، فوجيء الجميع بمحاولتهم التدليس واتهام الشاب بترويج المخدرات، وأنه قد مات مختنقاً نتيجة ابتلاعه لفافة مخدرات، وبالطبع لم تنطل مثل هذه الخدعة على الشعب، وتسببت في تأجج غضبه أكثر تجاه نظام مبارك، ويعد مقتل خالد سعيد أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة 25 يناير
فجاجة التوريث :
في آواخر عام 2010م لم يعد الأمر مقتصراً على التخمينات، فلم يعد النظام الحاكم يخجل من الإعلان عن إعداد لجمال مبارك كخلف لأبيه، وإن كان ذلك الإعلان يتم بطرق ملتوية، فقد تضاعف ظهور جمال مبارك الإعلامي وأصبح هو الواجهة الرسمية للحزب الوطني، وبدأت بعض الملصقات تظهر بالشوارع تؤيد ترشحه لمنصب الرئيس، وبالطبع هذه الملصقات لم يكن الشعب هو مصدرها، وتوريث الحكم لنجل مبارك في نظر الشعب يعنى استمرار الأوضاع المتردية، وما كان بمقدور الشعب أن يحتمل 30 عاماً أخرى، والدليل على أن نية التوريث قادت إلى قيام ثورة 25 يناير ،هو أن هتافات المتظاهرين تضمن بعضها اسم جمال مبارك صراحة.
الثورة التونيسية :
لا يمكن إنكار حقيقة أن ثورة تونس شكلت دفعة قوية لـ ثورة 25 يناير ،فقيام الشعب التونسي بالصراخ في وجه عتاة نظامه الحاكم، حفز المصريين وأشعرهم بأن حلمهم من الممكن أن يتحقق، ولم يكن غباء نظام مبارك أقل من غباء نظام بن علي، حيث استمر كلاهما في المكابرة وإنكار الواقع، واتهام الشعب بأنه ممول وأنه ينفذ مخططات أجنبية تخريبية، وفي النهاية نجحت ثورة 25 يناير في مصر والثورة الشعبية في تونس، وتم خلع مبارك بعد أن أجبر على التنحي بعد 18 يوماً من الثورة، بينما هرب بن علي إلى خارج البلاد خوفاً من أن تحرقه نيران الغضب.
التطور التكنولوجي والإنترنت :
الرغبة جمعت بين المصريين جميعاً وهذه حقيقة، لكن كيف كان يمكن أن يتم الاتصال بين هؤلاء الملايين، المنتشرون بكافة المحافظات المتفرقة بالجمهورية.. ربما كانت الرغبة في الثورة كامنة في صدور الشعب قبل 2011م، لكن توحيد الأفكار وتحديد الموعد والتوافق على القرار، لم يتم إلا بفضل تقنيات الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ،وبصفو خاصة موقع فيس بوك، ومن ثم يمكن اعتبار تطور تقنيات التواصل والإنترنت، ومن الأسباب التي قادت إلى ثورة 25 يناير أو كانت منبر الدعوة إليها.