ثورات الربيع العربي هو المصطلح الشائع الذي يشار به إلى المظاهرات الحاشدة التي خرجت في شوارع وميادين العديد من الدول العربية أواخر عام 2010 ومطلع عام 2011، معلنة رفضها الأوضاع السياسية ومطالبة بالتغيير وداعية إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة ومحاكمة رموزها بتهمة إفساد الحياة السياسية والإضرار بمصالح البلاد، ومن أبرز الدول التي اندلعت بها تلك الثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وأخيراً سوريا.. فترى لماذا اندلعت ثورات الربيع العربي في تلك الدول؟ وما العوامل الرئيسية التي قادت إليها؟
أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي :
تناول عدد كبير من الباحثين السياسيين أحداث ثورات الربيع العربي بالتحليل والدراسة رغبة في تحديد العوامل التي أدت إلى اندلاعها في الأساس، وقد تمكنوا من تحديد مجموعة من المسببات إلى دفعت الشعوب إلى الثورة على الأنظمة الحاكمة وأبرزها الآتي:
استبداد الأنظمة الحاكمة :
يأتي الاستبداد السياسي بمختلف أنواعه وأشكاله في صدارة العوامل التي قادت إلى اندلاع ثورات الربيع العربي في عدد من الدول العربية مع بداية الألفية الحالية، حيث يرى الباحثون والخبراء أن الاستبداد السياسي هو أبرز عامل مشترك بين نظام حسني مبارك في مصر ونظام بن علي في تونس ونظام القذافي في دولة ليبيا وكذلك الأمر بالنسبة لنظام بشار الأسد في سوريا وغير ذلك.
عملت تلك الأنظمة طوال الفترة التي تولت خلالها مقاليد الحكم على فرض سيطرتها على مختلف الأنشطة السياسية، ومع مرور الوقت تحولت السيطرة إلى هيمنة كاملة ولم يعد يعتد بأي من الدساتير أو القواعد المنظمة للعمل داخل الحياة السياسية، وبطبيعة الحال كان لذلك انعكاس سلبي بالغ على حياة المواطن العادي الذي شعر بالحنق والتهميش مما أدى إلى ظهور عدداً من الحركات المتمردة المطالبة بالتغيير والداعية إلى الثورة على الأنظمة وبعد عدة سنوات من ظهور تلك الحركات اندلعت ثورات الربيع العربي وتمكنت بالفعل -في أغلب الدول- من خلع رأس النظام.
تردي الأوضاع الاقتصادية :
تخبرنا دراسة التاريخ بأن الوضع الاقتصادي المتردي كان دائماً وأبداً سبباً مباشراً في سقوط الأنظمة الحاكمة وانهيار الدول، ولعل أبرز مثال على ذلك الثورة الفرنسية التي بدأت أحداثها في عام 1789، وذلك أيضاً ينطبق على الأحداث التي شهدتها الدول العربية وما عرفت إعلامياً باسم ثورات الربيع العربي
النسبة الأكبر من الدول العربية التي شهدت خروج الشعب إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تنادي برحيل الحكام وسقوط الأنظمة كانت تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، حيث انخفض متوسط دخل الفرد بصورة كبيرة وأدى ذلك إلى تآكل الطبقة المتوسطة زيادة عدد الأفراد المنتمين إلى الطبقات الفقيرة والمعدمة في البلاد، كذلك كانت تشهد تلك الدول حالة من الغلاء في الأسعار وكان أغلب أبناء الشعب عاجزون عن توفير متطلبات الحياة الأساسية خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة بالدول العربية، وما زاد الأمر سوءاً أن تلك الأوضاع لم تكن ناتجة عن قلة الموارد الاقتصادية بل جاءت مترتبة في الأساس على سوء الإدارة والفشل في استغلال تلك الموارد، ومن ثم يمكن اعتبار ذلك أحد الدوافع القوية التي أدت في النهاية إلى اندلاع ثورات الربيع العربي ومشاركة مختلف فئات الشعب بها وليس فقط النشطاء السياسيين وأعضاء الأحزاب.
إبادة مظاهر الحياة الديمقراطية :
خرجت الجماهير إلى الميادين العربية رغبة في التعبير عن رأيهم وإعلان رفضهم لاستمرار الأنظمة الحاكمة في البلاد، وسبب اندلاع ثورات الربيع العربي في الشارع يرجع في الأصل إلى عدم وجود أي منبر آخر يمكن للمواطن التعبير عن رأيه من خلاله، حيث أن الأنظمة العربية الحاكمة آنذاك عملت على إبادة كافة مظاهر الحياة الديمقراطية، وأبرز دليل على حرص الأحزاب الحاكمة على فرض السيطرة على المجالس النيابية.
كان الحزب الحاكم في تونس يسيطر سيطرة تامة على مجلس النواب منذ أواخر الثمانينات وحتى توقيت اندلاع ثورات الربيع العربي ،حتى أن نسبة مقاعد حزب الأغلبية داخل المجلس قد تعدت 80% تقريباً، والأمر لم يختلف بالنسبة للمجلس النيابي المصري حيث شغل أعضاء الحزب الحاكم -الحزب الوطني- أكثر من 90% من مقاعده في عام 2010 قبل اندلاع ثورة 25 يناير، وكان الهدف الرئيسي من ذلك تهميش دور المعارضة والانفراد التام بعملية تشريع القوانين ومراقبة الأداء الحكومي، أي أن تلك الأنظمة كانت تحتفظ في قبضتها بالسلطة التشريعية والتنفيذية في ذات الوقت وذلك بالطبع يتنافى مع أبسط قواعد الديمقراطية، والأسوأ من ذلك أن تلك الأنظمة كانت في كثير من الأحيان تلجأ إلى الأساليب الملتوية لتحقيق ذلك الهدف ومن أبرزها تزوير الانتخابات البرلمانية.
سوء الواقع الاجتماعي :
كانت الأوضاع الاجتماعية في الدول العربي قبل ثورات الربيع العربي سبباً مباشراً في قيامها، بل أيضاً كانت سبباً في توقع عدد كبير من الساسة والخبراء الاستراتيجيين في توقع قيام تلك الثورات، نظراً لأن الانفجار هو النتيجة الحتمية لمواصلة الضغط.
عانت الشعوب بصفة عامة وفئة الشباب على وجه الخصوص من تردي الأوضاع الاجتماعية في بلادهم، حيث وقع عليهم ظلماً كبيراً بسبب اتباع سياسات المحسوبية والوساطة مما أضاع فرصتهم في الحصول على عمل ملائم يناسب مؤهلاتهم ويلبي طموحاتهم، كذلك كانت فئة الشباب هي الأكثر تأثراً بتفشي ظاهرة البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية، حيث عجزوا عن الزواج وتأسيس حياتهم الأسرية المستقرة التي تعد أبسط حقوقهم كبشر، وساهم كل ذلك في زيادة درجة الاحتقان وفي النهاية لم يجد الشباب مفر من إعلان التمرد ورفض تلك السياسات الطاحنة فخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة ومن هنا بدأت أحداث ثورات الربيع العربي
قمع قوى المعارضة :
مارست الأنظمة الحاكمة قبل ثورات الربيع العربي كافة مظاهر القمع ضد قوى المعارضة المتمثلة في الاعتقالات والتعذيب وفرض الرقابة على وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الجرائد الحزبية والمستقلة، كذلك كانت تلك الأنظمة تفرض سيطرتها على الأنشطة الطلابية في الجامعات وتضع قيوداً على عملية إنشاء الأحزاب، وقد وصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد سجن السياسيين دون محاكمة أو مواجهتهم بتهم محددة.
يمكن القول أن تلك الأنظمة وضعت حبال المشانق حول أعناقها بتلك الممارسات القمعية حيث أنها بذلك لم تترك أي متنفس للجماهير الغاضبة للتعبير عن آرائهم بحرية من خلال القنوات الشرعية المخصصة لذلك والتي نصت عليها مواد الدستور، مما قاد في النهاية إلى خروجهم للشارع وإعلانهم إسقاط النظام والمطالبة بمحاكمة رموزه.
زيادة الآمال والتطلعات لدى الشعوب :
دوافع ثورات الربيع العربي ليست جميعها سلبية ناتجة عن سياسات الأنظمة الحاكمة المتسمة بالظلم والاستبداد، بل أن بعض تلك الدوافع كان إيجابياً وأبرزها رغبة الشعوب في تحسين أوضاعها وإقرار نظاماً ديمقراطياً يحكم بلادهم ويقودها إلى التقدم ويضعها في مصاف دول العالم المتقدم.
ربما يكون ذلك سر تفجر ثورات الربيع العربي بالتزامن مع انتشار الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، التي ساعدت الجماهير على توحيد الصفوف والرؤى والتنسيق بين مختلف القوى السياسية وتسهيل عملية تنظيم الفعاليات المختلفة، كما أن التكنولوجيا الحديثة ساهمت في تفتح عقول الشباب واطلاعهم على تجارب الدول الأخرى وذلك ساهم في زيادة تطلعاتهم إلى المستقبل وأجج رغبتهم في تغيير الأوضاع في بلادهم.