يعد تقلب المزاج من الاضطرابات النفسية الشائعة التي تصيب الجميع تقريباً ويُقصد بها تأرجح الحالة المزاجية خلال فترات زمنية قصيرة بين عواطف مختلفة وأحياناً تكون متضاربة، أي أن الإنسان قد ينتابه الشعور ونقضيه -الفرح والحزن مثالاً- خلال دقائق معدودة، وفي أغلب الأحيان تكون هذه الحالة طبيعية تماماً معلومة الأسباب مثل وقوع الشخص تحت ضغط نفسي شديد أو التعرض لصدمة عاطفية، وفي هذه الحالة عادة ما يكون هذا الاضطراب منخفض الشدة ويزول تدريجياً خلال فترة قصيرة، لكن في أحيان أخرى قد يتسم تقلب المزاج بشيء من الحِدة ويدوم لفترات طويلة.. فترى لماذا قد تنتاب الإنسان هذه الحالة؟ وعلام تدل؟ و لماذا يجب الحذر منها؟
مسببات حالات تقلب المزاج :
كشفت الدراسات والأبحاث العلمية عن مجموعة كبيرة من المُسببات التي تقف وراء حالات تقلب المزاج وكان أبرزها وأكثرها شيوعاً ما يلي:
القلق والتوتر :
تأتي المشاعر السلبية وفي مقدمتها القلق والتوتر على رأس العوامل المسببة لحالات تقلب المزاج ، حيث تؤدي تلك الحالة إلى فقدان الأشخاص للسيطرة على أعصابهم وانفعالاتهم وبالتالي تسهل استثارتهم وتصيبهم نوبات غضب غير مبررة في كثير من الأحيان، أما عن أسباب تنامي هذا النوع من المشاعر فإنها بالغة التعدد وتفوق ما يمكن حصره.
يمكن اعتبار إجهاد العمل وما ينتج عنه من ضغط عصبي ونفسي شديدين أحد أسباب التوتر وبالتالي أحد أسباب تقلب المزاج الحاد، الأمر نفسه ينطبق على كافة المشكلات الحياتية والشخصية الأخرى مثل المرور بالضوائق المالية أو الخلافات الزوجية والعائلية وغير ذلك، ولكن في النهاية ذلك النوع من المزاج المتقلب لا يُعد حالة مرضية وغالباً ما يزول بزوال السبب الذي أدى إليه في الأساس.
الاضطرابات الهرمونية :
أثبتت الدراسات العلمية بشكل قاطع أن الاضطرابات والتغيرات الهرمونية في جسم الإنسان هي المسؤول الأول عن النسبة الأكبر من حالات تقلب المزاج الحادة، وذلك يرجع إلى كون الهرمونات من المواد ذات التأثير المباشر على كيمياء المخ ومن ثم فإنها تتحكم بصورة شبه كاملة في الحالة النفسية والمزاجية للأشخاص، وقد ربط العلماء بين مستويات هرمون الأستروجين بشكل خاص وبين تلك الحالة النفسية.
رأى العلماء أن الأشخاص مرور الأشخاص ببعض المراحل العمرية أو التجارب الاستثنائية يكونوا أكثر عرضة لحالات تقلب المزاج والعامل المشترك الوحيد بين تلك المراحل أو التجارب هو أنها تؤدي إلى إحداث تغيرات هرمونية في الجسم، من أمثلة ذلك إصابة النساء بتلك الحالة خلال فترات الحمل أو عند بلوغ سن اليأس وانقطاع الطمث، كما أن الشباب من الجنسين يصابون بحالة مماثلة عند المرور بمرحلة البلوغ.
انعدام التوازن الكيميائي :
يعتمد الاستقرار النفسي والعصبي لدى الإنسان بصورة كاملة على توازن كيمياء المخ، ومن ثم فإن إصابة هذا التوازن بأي خلل -مها كان قدره- يؤدي بالضرورة إلى إصابة الإنسان بحالة من تقلب المزاج غالباً ما تكون شديدة؛ ذلك لأن انعدام التوازن الكيميائي عادة ما يؤدي إلى انخفاض معدلات إنتاج الهرمونات والناقلات العصبية المتحكمة في الحالة المزاجية مثل السيروتونين والدوبامين.
يعاني الأشخاص المصابون بهذا الخلل دائماً من حالة اضطراب حادة في المشاعر، حيث تكون مشاعرهم في حالة تغير دائم وغير مبرر بين عِدة تناقضات، فهم يشعرون بالحزن الشديد ثم الفرح ويتأرجحون ما بين الاكتئاب الحاد والسعادة الغامرة وبين الخوف والاطمئنان وغير ذلك.
الاضطراب ثنائي القطب :
تشير الإحصائيات إلى تفشي مرض الاضطراب ثنائي القطب بين سكان الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص والعالم بصفة عامة خلال السنوات الماضية، ويعد تقلب المزاج وتخبط المشاعر أحد الأعراض القوية الدالة على وقوع الإصابة بتلك الحالة، التي تتطلب اللجوء إلى الطبيب المختص في أسرع وقت قبل أن يتفاقم الأمر إلى حد الإصابة بإحدى مشكلات الصحة النفسية المزمنة.
اضطراب فرط النشاط :
تتمثل الخطورة الحقيقية لهذه الحالة المرضية في أن النسبة الأكبر من المصابين بها لا يدركون ذلك حقاً ويجهلون بحقيقة مرضهم، ومن ثم فإنهم لا يتلقون الرعاية الطبية اللازمة ولا يتمكنون من التعامل معها بالشكل الملائم. وتؤدي تلك حالة اضطراب فرط النشاط إلى تنامي مشاعر الاكتئاب والإحباط، ومن ثم فإنهم يفتقدون مهارة التعامل مع الآخرين وتتسم مشاعرهم تجاههم بشيء من التخبط والاضطراب والتباين الشديد، كما أن تقلب المشاعر في تلك الحالة يكون بالغ الشدة وقد يحدث أكثر من مرة خلال بضعة دقائق.
مرض الخرف :
إذا كانت حالة تقلب المزاج مسيطرة على الشخص لفترات طويلة وتتسم بالشدة فإنها قد تكون من المؤشرات الدالة على وجود مشكلة صحية خطيرة، حيث أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن المزاج المتقلب يعد أحد الأعراض الدالة على احتمالية وقوع الإصابة بمرض الخرف أو ألزهايمر.
يصاحب بوادر مرض الخرف تقلب شديد في المزاج يمتاز بالتأرجح السريع بين المشاعر المتناقضة، فحالة المريض تتبدل بين الضيق والفرح بسرعة كبيرة غير منطقية أو مبررة، وغالباً ما تكون هذه الحالة مصحوبة بتراجع ملحوظ في القدرات العقلية والإدراكية، مثل إيجاد صعوبة نسبية في تذكر الأشياء أو العجز عن القيام ببعض العمليات الحسابية التي كانت تعد يسيرة -بالنسبة للشخص- في الماضي.
الآثار الجانبية لبعض المواد العلاجية :
أي حبوب أو عقاقير علاجية يكون لها بعض الآثار الجانبية والتي لا تنعكس على الصحة الجسمانية فقط بل قد تمتد إلى الصحة النفسية أيضاً، ويؤكد الأطباء على أن تقلب المزاج قد يكون مجرد أحد الآثار الجانبية الناتجة عن استعمال دواء واحد أو أكثر، نظراً لأن بعض المواد الداخلة في تركيب العلاجات تؤثر في كيمياء المخ ومعدلات إفراز الهرمونات المختلفة في الجسم وبالتالي تؤدي إلى المزاج المتقلب.
تأتي الأدوية المضادة للاكتئاب في مرتبة متقدمة ضمن قائمة الأسباب الشائعة لحدوث تقلب المزاج لما لها من تأثير قوي ومباشر على كيمياء الدماغ، كما أن القائمة تشمل عدد كبير من الأدوية مثل المضادات الحيوية وعلاجات ارتفاع ضغط الدم وعلاج ارتفاع الكوليسترول وغير ذلك؛ لذلك إذا استشعر المريض أو المحيطين به عدم استقرار حالته النفسية والمزاجية في ظل اتباع برنامج علاجي معين لابد من الرجوع إلى الطبيب المشرف على الحالة والتعرف على الآثار الجانبية لذلك العلاج ومحاولة إيجاد بديل مناسب.
أورام الدماغ :
إحدى الحقائق العلمية الخطيرة والصادمة التي تم الكشف عنها مؤخراً هي أن تقلب المزاج قد يكون من الأعراض الدالة على وجود ورم -ولو طفيف- في الدماغ، ولهذا ينصح الأطباء بضرورة عدم التعامل مع حالات اضطراب المزاج باستهانة أو إهمال، وفي حالة ملاحظة التعرض إلى نوبات متكررة من اضطراب المشاعر والحالة المزاجية واستمرارها لفترات طويلة لابد من التوجه إلى الطبيب وتوقيع الكشف الطبي اللازم للكشف عن أسبابها التي قد تكون عضوية.
خاتمة :
تُعد تقلبات المزاج من الاضطرابات النفسية الطبيعية التي تنتاب الجميع بشكل مستمر بسبب الضغوط الحياتية والتحديات الاعتيادية التي يواجهها الإنسان بشكل شبه يومي، لكن في ذات الوقت لا يجب إهمالها خاصة إذا اتسمت بالشدة واستمرت لفترات طويلة، حيث أن تقلب المزاج في تلك الحالة قد يكون مؤشراً على وقوع الإصابة بإحدى المشكلات الصحية الجسيمة، لذلك يجب التوجه على الفور إلى الطبيب المختص للتعرف على أسباب تلك الحالة واتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة حيالها.